ليس
هناك شك في أن أهم ساحة لمواجهة النفوذ الصهيوني في بلادنا هي الساحة الشعبية، فبرغم
تراجع عدد من الحكومات عن ثوابت الأمة في مواجهة المشروع الصهيوني، إلا أن الشعوب
بقيت وفية لقضيتها، واقفة عند مبادئها، دون تفريط أو تهوين، وهو ما أرّق خصوم
أمتنا في السنوات الأخيرة، وجعل هدف
التطبيع الإبراهيمي على رأس أولوياتهم، وذلك
لكي يستطيعوا من خلاله أن يمرروا مخططاتهم بسهوله، ويقضوا على الممانعة الشعبية
المتعاظمة.
وفي
هذا الصدد، يجب أن نذكر وأن نحتفي بانتصارنا مجتمعين على مخططات التطبيع السالفة،
التي كانت مواجهتها من أبرز صور التعاون والتلاحم بين قوانا الوطنية على اختلاف
توجهاتها الفكرية، ولا تزال مصر مضرب الأمثال في هذا النجاح في التصدي للتطبيع
بالتعاون بين الحركات الوطنية كافة، برغم الأشواط البعيدة التي خاضتها الحكومات
المتعاقبة منذ اتفاقيات كامب ديفيد.
منذ
نشوء المشروع الصهيوني، سعت إسرائيل إلى التغلغل في المنطقة العربية والإسلامية،
مستخدمة أدوات سياسية واقتصادية وثقافية لتعزيز وجودها وترسيخ سيطرتها. ومع
التغيرات الجيوسياسية الراهنة في ضوء طوفان الأقصى والحرب على غزة، وما أعقبهما من
زلازل سياسية في المنطقة والعالم، باتت الحركات الشعبية والقوى السياسية، سواء
الإسلامية، أو القومية، أو اليسارية، أو الليبرالية، مطالبة بتوحيد جهودها لمحاصرة
هذا التغلغل، ووقف أي محاولات للتطبيع، تلك التي تعمل على تغيير طبيعة العلاقات بين
العالم العربي والإسلامي وبين المشروع الصهيوني.
الحركات الإسلامية، في جميع المراحل، كانت في طليعة مقاومة هذا المشروع، لكن نجاحها في التصدي له لا يمكن أن يكون كاملا دون تعاون وتكامل مع الحركات القومية واليسارية والليبرالية. هذه الحركات، بمختلف توجهاتها الفكرية، تمتلك نقاط قوة وإمكانيات يمكن توظيفها بشكل استراتيجي لتضييق الخناق على التغلغل الإسرائيلي.
الحركات
الإسلامية، في جميع المراحل، كانت في طليعة مقاومة هذا المشروع، لكن نجاحها في
التصدي له لا يمكن أن يكون كاملا دون تعاون وتكامل مع الحركات القومية واليسارية
والليبرالية. هذه الحركات، بمختلف توجهاتها الفكرية، تمتلك نقاط قوة وإمكانيات
يمكن توظيفها بشكل استراتيجي لتضييق الخناق على التغلغل الإسرائيلي، سواء كان ذلك
عبر العمل الشعبي المباشر، أو التأثير على السياسات الحكومية في العالم العربي
والإسلامي. هذه المقالة تحلل الدور الشعبي الذي يجب أن تقوم به هذه الحركات، وتطرح
استراتيجيات مشتركة يمكن اتباعها في مواجهة المشروع الصهيوني.
المقاومة الشعبية وتوحيد الجهود:
في
البداية، لا بد من التأكيد أن أحد أهم أسباب نجاح المشروع الصهيوني، هو التشتت
والفرقة بين القوى السياسية والفكرية في العالم العربي والإسلامي. إن توحيد الجهود
بين الحركات الإسلامية والقومية واليسارية والليبرالية، يمثل خطوة استراتيجية
لمحاصرة هذا المشروع، فكل حركة من هذه الحركات تمتلك جماهيرها وشبكات تأثيرها التي
يمكن استخدامها في توحيد الرأي العام، وتوجيهه ضد السياسات التطبيعية أو محاولات
التغلغل الصهيوني في المجالات الاقتصادية والثقافية.
-
الحركات الإسلامية، بقدرتها على تعبئة الجماهير عبر المساجد والشبكات الاجتماعية
والدينية، يمكنها أن تؤدي دورا كبيرا في إبراز البعد الديني والأخلاقي لمقاومة
إسرائيل ورفض التطبيع.
-
الحركات القومية، التي تستند إلى رفضها التاريخي للمشروع الصهيوني كأداة استعمارية
في المنطقة، تستطيع أن تستقطب القوى الوطنية والشعوب العربية، وتوجيهها نحو العمل
ضد التطبيع والهيمنة
الصهيونية.
-
الحركات اليسارية، التي تعارض الاحتلال الإسرائيلي من منطلقات حقوق الإنسان
ومقاومة الاستعمار، يمكن أن تسهم في بناء تحالفات مع القوى العالمية المناهضة
لإسرائيل وتفعيل الحركات العمالية والشبابية.
أحد أهم أسباب نجاح المشروع الصهيوني، هو التشتت والفرقة بين القوى السياسية والفكرية في العالم العربي والإسلامي. إن توحيد الجهود بين الحركات الإسلامية والقومية واليسارية والليبرالية، يمثل خطوة استراتيجية لمحاصرة هذا المشروع، فكل حركة من هذه الحركات تمتلك جماهيرها وشبكات تأثيرها التي يمكن استخدامها في توحيد الرأي العام، وتوجيهه ضد السياسات التطبيعية.
-
الحركات الليبرالية، برغم تباين مواقفها تجاه إسرائيل، يمكن أن تؤدي دورا في نشر
الوعي بالسياسات الإسرائيلية الاستعمارية، والترويج لأهمية الحفاظ على السيادة
الوطنية والاستقلال الاقتصادي والثقافي.
المقاطعة الاقتصادية كسلاح شعبي مشترك:
المقاطعة
الاقتصادية تمثل أحد أنجح التكتيكات التي يمكن للحركات المختلفة التعاون فيها
لمحاصرة المشروع الصهيوني. هذه المقاطعة لا تستهدف فقط المنتجات الإسرائيلية، بل
أيضا الشركات العالمية التي تتعاون مع إسرائيل أو تستفيد من الاستيطان. يمكن أن
تكون هذه المقاطعة في شكل حملات شعبية تقوم بها المنظمات المدنية والنقابات
العمالية، أو من خلال الضغط على الحكومات لاتخاذ خطوات فعالة في هذا المجال.
-
الحركات الإسلامية، تمتلك قواعد جماهيرية واسعة، يمكن توجيهها لمقاطعة المنتجات
الإسرائيلية، ودعم المنتجات المحلية أو العربية والإسلامية البديلة.
-
الحركات القومية واليسارية، يمكنها تحفيز قطاعات العمال والنقابات المهنية لتبني
سياسات مقاطعة فعالة، والترويج لهذه الفكرة في المحافل الدولية.
-
الحركات الليبرالية، خاصة تلك التي تهتم بحرية الأسواق والاقتصاد، يمكن أن تضغط
باتجاه فتح النقاش حول تأثير التعامل مع إسرائيل على الاقتصادات الوطنية، وعلى
استقلال القرار العربي والإسلامي.
المواجهة الثقافية والإعلامية:
تسعى إسرائيل
إلى التغلغل في الفضاءات الثقافية والإعلامية العربية والإسلامية من خلال التطبيع
الفني، والأدبي، والإعلامي. لذلك، يجب على الحركات الشعبية المختلفة بناء
استراتيجيات لمواجهة هذا التغلغل عبر:
-
الإعلام الشعبي والمستقل، حيث يمكن من خلال منصات إعلامية مستقلة وشبكات التواصل
الاجتماعي، مواجهة الدعاية الإسرائيلية التي تسعى إلى ترسيخ صورة إيجابية عن
إسرائيل.
-
تعزيز الهوية الثقافية، من خلال تنظيم فعاليات ثقافية، وفنية، وأدبية تعزز الهوية
العربية والإسلامية وتربط الجماهير بالقضية الفلسطينية. هذا يمكن أن يتضمن
المهرجانات الثقافية التي تدعم الفن المناهض للاحتلال وتروج لثقافة المقاومة.
-
مواجهة التطبيع الثقافي، من خلال التوعية بضرورة رفض المشاركة في الأنشطة الثقافية
التي تدعم إسرائيل، سواء عبر المنصات الإعلامية أو المؤتمرات الثقافية الدولية،
كما يجب أن تكون هناك شبكات لمقاطعة الفنانين الذين يروجون للتطبيع.
التحالفات الدولية والمقاومة العولمية:
من
أجل مواجهة التغلغل الصهيوني بشكل فعال، يجب على الحركات الشعبية العربية أن تنسق
مع الحركات الدولية المناهضة للاستعمار والمناصرة لحقوق الإنسان. الحركات اليسارية
والليبرالية تمتلك روابط قوية مع الحركات العالمية، ويمكن استخدامها لتعزيز حملات
المقاطعة مثل (BDS) وغيرها من الحملات المناهضة لإسرائيل على المستوى
الدولي.
فالحركات
اليسارية، التي لها روابط مع الحركات الاشتراكية والتقدمية العالمية، يمكن أن تسهم
في بناء شبكات ضغط دولية على إسرائيل، والحركات الليبرالية، التي تدافع عن حقوق
الإنسان والديمقراطية، يمكن أن تستغل علاقاتها مع المؤسسات الدولية للضغط من أجل
محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها ضد الفلسطينيين، والحركات الإسلامية والقومية،
يمكنها الاستفادة من هذه التحالفات الدولية لدعم نضالها ضد التطبيع والاحتلال،
خاصة عبر التعاون مع المؤسسات الإسلامية والدولية.
الضغط على الحكومات لرفض التطبيع:
في ظل التحديات الراهنة التي تواجه العالم العربي والإسلامي نتيجة التغلغل الصهيوني في المنطقة، يصبح الدور الشعبي للحركات الإسلامية والقومية واليسارية والليبرالية ضرورة لا غنى عنها. التعاون بين هذه الحركات، بمختلف توجهاتها، سيعزز من قدرتها على محاصرة المشروع الصهيوني.
تُعد الحركات الشعبية قوة ضغط مؤثرة على الحكومات، ويمكنها أن تؤدي دورا كبيرا في دفع
الحكومات العربية والإسلامية لرفض التطبيع مع إسرائيل. يجب على الحركات الإسلامية
والقومية واليسارية والليبرالية أن تتوحد في هذا الجهد، وتستخدم الوسائل
المتاحة لها كافة، من أجل التأثير على صنع القرار السياسي:
- المظاهرات
الشعبية، حيث تنظيم احتجاجات جماهيرية مشتركة ترفض أي خطوة نحو التطبيع مع
إسرائيل.
-
البيانات المشتركة، حيث إصدار بيانات مشتركة بين الحركات المختلفة تؤكد موقفها
الرافض للتطبيع، وتطالب الحكومات بالابتعاد عن إسرائيل.
-
الضغط من خلال الانتخابات، من خلال دعم المرشحين والأحزاب التي تتبنى مواقف مناهضة
للتطبيع في الانتخابات المحلية أو الإقليمية.
في ظل
التحديات الراهنة التي تواجه العالم العربي والإسلامي نتيجة التغلغل الصهيوني في
المنطقة، يصبح الدور الشعبي للحركات الإسلامية والقومية واليسارية والليبرالية
ضرورة لا غنى عنها. التعاون بين هذه الحركات، بمختلف توجهاتها، سيعزز من قدرتها
على محاصرة المشروع الصهيوني، وحرمانه من تحقيق أهدافه الاستراتيجية في الفضاءات
السياسية والاقتصادية والثقافية.
هذا التعاون
يجب أن يكون مبنيا على رؤية استراتيجية شاملة، تستند إلى توحيد الجهود في المقاومة
الشعبية، والمقاطعة الاقتصادية، والمواجهة الثقافية، والتحالفات الدولية، لضمان تحقيق
انتصار فعلي وإفشال المشروع الصهيوني في المنطقة.