ملفات وتقارير

غليان في تونس قبل أسابيع من انتخابات الرئاسة.. "الاحتجاجات تقلب الموازين"

شهدت تونس العاصمة مظاهرات حاشدة هتفت بإسقاط النظام- عربي21
تتواصل لليوم الثالث في تونس الحملة الانتخابية الخاصة بالاستحقاق الرئاسي المقرر في السادس من تشرين الثاني/ أكتوبر ، وهي تتسم بالبطء متأثرة بحالة الضبابية والارتباك في المشهد السياسي، إلى جانب الغليان الشعبي، وفق متابعين.

وأثر عدم التزام هيئة الانتخابات بقرارات المحكمة الإدارية القاضية بقبول عودة ثلاثة مرشحين للسباق الرئاسي، بشكل كبير على المشهد السياسي الذي يوصف بالغامض والمتحرك، حتى إن هناك  من بات يتحدث عن فرضية عدم إجراء انتخابات في مثل هذه الظروف .

وبين طعون المرشحين الثلاثة المرفوضين وتنبيهاتهم للهيئة وإصرارهم على حقهم في الترشح، وإلزام المحكمة الإدارية لهيئة الانتخابات بتطبيق قراراتها وتحذيرها من أن عدم التنفيذ يمس في سلامة المسار الانتخابي، فإن هناك معارضة تتحرك في الميدان، وبدا صوتها عاليا خاصة بعد مسيرتها الأخيرة التي تقدر بالآلاف.

"ارتباك" 
ويرى المحلل السياسي أحمد الغيلوفي أن "هناك ارتباكا على جميع المستويات يظهر في مؤسسات الدولة، ويبرز في الخلاف الحاد بين المحكمة الإدارية وهيئة الانتخابات، وفي مستوى الأحزاب التي تشهد انقساما حول طبيعة النظام القائم، هل هو تصحيح مسار أم انقلاب؟".

وأفاد الغيلوفي في تصريحات لـ"عربي21" بأن "الارتباك أيضا موجود في مستوى المنظمات وأهمها اتحاد الشغل؛ فهناك صراع بين الانقلابيين (وصف الانقلابي مردّه عدم الالتزام بقانون الاتحاد)،  وبين من يريدون إصلاح الاتحاد. والانقسام يمكن تلخيصه في تقييم العشرية السابقة وفي توصيف ما حدث في يوليو / تموز 2021".

بدوره أكد الأستاذ الجامعي والأكاديمي زهير إسماعيل وجود ارتباك في المشهد الحالي، وقال إنه "نتيجة لارتدادات حدث الانقلاب وأثره على الحياة السياسية ومكوناتها في الدولة والمجتمع، وقد عرفت سنوات الانقلاب الثلاثة هزات طالت السلطة والمعارضة وحياة الناس".  

واعتبر إسماعيل في حديثه لـ"عربي21" أن "هناك اليوم حالة ارتباك تفاقمت مع الديناميكية التي أحدثها الاستعداد لانتخابات 6 أكتوبر  الرئاسية  وهو ارتباك في مستوى السلطة والمعارضة".

وأوضح إسماعيل أن "هذا الارتباك يفصح عن تعدد المواقف في الجهتين، وهو مؤشر على وجود انقسام في السلطة وانقسام في المعارضة، فضلا عن الشرخ الأكبر الذي أحدثه الانقلاب بإخراجه الدولة عن الشرعية فأعاد بذلك الصراع معها، بعد أن أنهت الثورة مشكل الشرعية الموروث عن عهدي الاستبداد، وجعلت منها سقفا تتم تحته المنافسة الديمقراطية على الحكم وخدمة الناس".
 
ولفت إسماعيل إلى أن "التحول في أداء السلطة مع أجواء الانتخابات أبان عن أنّ المستهدف بالانقلاب ليس الديمقراطية فحسب، وإنما هيئة الدولة بالدرجة الأولى، وتوجه  الشعبويّة المنقلبة نحو تركيز "دولة أخرى" لم تعرفها بلادنا في تاريخها الحديث، وأهمّ ما يميزها أنها لا تريد أجساما وسيطة بينها وبين الشعب".

ما دور الاحتجاجات؟ 
يشار إلى أنه في ظل 3 سنوات متتالية من إعلان قرارات 25 تموز/ يوليو 2021، فإن الحياة السياسية بتونس وخاصة الحزبية لم تعد قوية ومؤثرة كما كانت في السنوات العشر ما بعد الثورة، حيث شهدت تراجعا كبيرا في دورها باستثناء بعض التحركات المتقطعة، أو حتى على مستوى قيمتها عند السلطة الحالية والتي أظهرت رفضا وإحجاما لدور الأحزاب.

ولكن ومع موعد الانتخابات الرئاسية، فقد بدأت الأحزاب والمنظمات تستعيد قدرتها في بسط نفوذها وعلو صوتها الرافض للوضع القائم في البلاد وضرورة استعادة الديمقراطية، ظهر ذلك من خلال مرشحين معارضين للنظام تقدموا للانتخابات، وأيضا عبر القدرة على النزول للشارع وبحشود غفيرة تقدر بالآلاف ومن مختلف التوجهات ورفع شعار "يسقط الانقلاب.. يسقط قيس سعيد".

وقال المحلل السياسي أحمد الغيلوفي: "نعم هناك دور كبير للاحتجاجات، وأهم شي هو نزع الشرعية عن قيس سعيد، وتكذيب الأسطورة التي ارتكز عليها القائلة بأنه يمثل الشعب ويعبر عن إرادته".

وأضاف الغيلوفي: "ستساهم تلك الاحتجاجات في تقليص كبير لنسبة الذين سيصوتون له، وأيضا فيها رسائل للأجهزة الأمنية والعسكرية مفادها: لا تنخرطوا في نظام ديكتاتوري فليس كل مرة تسلم الجرة".

وختم الغيلوفي بالقول: "هناك رسائل للخارج الذي  يدعم قيس سعيد مفادها: أنتم تراهنون على شخص عار تماما من دعم كل الأحزاب والمنظمات".
 
فيما لفت الأكاديمي زهير إسماعيل إلى أهمية حالة التقارب التي ظهرت بين تياري المعارضة الديمقراطية حتى وإن كانت "خجولة"، أي جبهة الخلاص (أبرزها حركة النهضة)، والشبكة التونسية للدفاع عن الحقوق والحريات (نظمت الاحتجاجات الأخيرة وتضم عددا من الأحزاب والمنظمات). 

وبين إسماعيل أن ذلك التقارب يجعل الأسوأ خلف تياري المعارضة الديمقراطية، في حين يشير ارتباك السلطة من خلال أداء هيئة الانتخابات العبثي بوضع العراقيل المخالفة للقانون والاستهتار بالقانون (قرار المحكمة الإدارية) إلى أن الأسوأ بالنسبة إلى سلطة الانقلاب صار أمامها.

وتابع: "لذلك لم تعد سلطة الانقلاب تخفي المأزق الذي وضعتها فيه المعارضة الديمقراطية، وأيضا حين بادرت بعض الشخصيات السياسية الوازنة بالترشح، ومن أسباب الارتباك العام غموض الصورة التي سيكون عليها الوضع في "اليوم التالي" للانتخابات يوم 7 أكتوبر  2024، إن قدر لهذه الانتخابات أن تتم".