مدونات

المناظرة الرئاسية والإشارة الأمريكية

"الاعتراف بأن هذا الكيان وُجد في ظروف غير طبيعية"
حرص المتناظران المتنافسان على الرئاسة الأمريكية، ترامب وهاريس، خلال المناظرة بينهما في 11 أيلول/ سبتمبر 2024، على تأكيد ولائهما ودعمهما للكيان الصهيوني المحتل، وبدا أن كلا منهما يريد أن يزايد على الآخر في مغازلة أصوات وإمكانات اليهود الأمريكان.

لما أراد ترامب أن يتغلب على هاريس في هذا المجال، قال نصّا: إذا فازت هاريس، فإن إسرائيل لن تكون موجودة في غضون عامين، ستزول إسرائيل خلال سنتين.

وفي المقابل، نفت هاريس عن نفسها تهمة كراهية اليهود، وأعلنت أنها على الدوام دعمت حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ولكنها لم تنف ادعاء ترامب بزوال الكيان ولم تقل إنه يروج الأكاذيب تقربا لليهود، بل كانت إجابتها تحمل التسليم بنفس النبوءة، وتحمل الاعتراف بأن هذا الكيان وُجد في ظروف غير طبيعية، وزُرع في جسد أمة تستطيع أن تطرد العضو الغريب ولو بعد عشرات السنوات، وأن تطبيع بعض الأنظمة المحلية معه أو حتى جميعها، لن يجعله قابلا للاستمرار.

الأغرب من هذا، أن أحدا في دولة الكيان، سواء من حكومة نتنياهو الفاشية أو من المعارضة اليسارية أو العلمانية، لم يعترض على هذا الادعاء، ولم يقل أحد إن ذلك سيزيد الخوف والاضطراب داخل الكيان، وربما رفع معدلات الهجرة العكسية.

ثم إن هذا المعنى نفسه، هو ما لعب عليه نتنياهو -صادقا هذه المرة- منذ بداية الحرب في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عندما قال؛ إنها حرب وجودية، ومرة أخرى اتفقت معه المعارضة في ذلك

ومعنى الحرب الوجودية، أن الهزيمة فيها تعرض وجود الكيان كله للخطر؛ لأنه قام على معادلة الرعب بامتلاك القوة ونقل المعركة إلى أرض العدو والحسم السريع، وتحقيق الأمن والرخاء للمستوطنين، وكل هذا لم يعد موجودا.

الحرب التي بدأها على أمل أن ينهيها في شهرين أو ثلاثة، لا يبدو لها نهاية قريبة بعد قرابة العام، وبعد أن كان يحارب في جبهة واحدة يجد نفسه مستهدفا من عدة جبهات، وبعد أن كان يحارب خارج حدوده انتقلت الحرب إلى كل مكان، فهو يُستنزف بشكل مخيف في غزة وشباب المخيمات والمدن الفلسطينية في الضفة الذين رفعوا لواء المقاومة، والذئاب المنفردة في الداخل أو على الحدود مع الأردن ومصر بدأت تضرب ضرباتها الموجعة، والأهداف التي وضعها لم يتحقق منها هدف واحد، وحلفاؤه في أوروبا وأمريكا في موقف صعب أمام جمهورهم، الذي يستنكر الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، ويستنكر اشتراك دولهم في هذه المجازر.

ولا يبدو أن طلبة الجامعات سيثنيهم الوعيد أو سيخيفهم التهديد، بل سيعودون في العام الجديد أكثر جرأة وأكثر خبرة في تصعيد الاحتجاجات، حتى غدت مهمة "إيباك" وهي كبرى منظمات الضغط اليهودية في أمريكا صعبة، واضطرت أن تدفع خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، ما يتجاوز 25 مليون دولار لإنجاح مرشحين اثنين، وتدفع في دوائر أخرى ولكنها تفشل.

كانت الإشارة في المناظرة الرئاسية تقول؛ إن كل ما تلقاه الكيان من دعم عسكري بعشرات المليارات ومن مختلف أسلحة القتل وحضور حاملات الطائرات والغواصات والمدمرات وأجهزة الاستخبارات، بل والقوات البرية؛ لم تمنع الهزيمة ولم تساعد الكيان في استعادة الردع وتحقيق الأهداف حتى الآن.

والسؤال الآن: هل يقترب هذا اليوم الذي نرى فيه تفكك الكيان وزوال الاحتلال؟ وكيف ستكون حالة آخر طائرة أمريكية تغادر هربا؟ وهل ستكون مثل طائرة فيتنام التي لم ترها الأجيال الصغيرة، أم ستكون مثل الطائرة التي خرجت من كابول في أفغانستان، بعد أن هرب الأمريكان تاركين أسلحة بالمليارات، والأهم تاركين العملاء لينالوا ما يستحقون؟