سياسة عربية

اتهامات متبادلة وتصعيد محتمل.. ما حدود الخلاف بين مصر والاحتلال؟

إعلام عبري اتهم مصر بـ"المماطلة بصورة متعمدة" لتأخير وصول السفير الإسرائيلي الجديد للقاهرة- الأناضول
رغم العلاقات الاقتصادية والتجارية والتعاون الأمني والاستخباراتي الواسع طوال سنوات بين رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، وسلطات الاحتلال الإسرائيلي وحكوماته المتعاقبة وبينها الحالية لبنيامين نتنياهو، إلا أنه مؤخرا تتوالى الأزمات التي تعكر أجواء الصداقة والتوافق الجارية منذ منتصف العام 2013.

ودفع الإصرار الإسرائيلي على احتلال محور "صلاح الدين" (فيلادلفيا) بين مصر وقطاع غزة، وعدم مغادرة قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي له منذ أيار/ مايو الماضي، بالمخالفة لـ"اتفاقيات السلام" المصرية الإسرائيلية 1979، واتفاقية المعابر لعام 2005،  نحو تأزم واضح في العلاقات و"غضب القاهرة"، وفق ما تؤكده مواقع وصحف ومسؤولون ومحللون إسرائيليون.

ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة الدموية بحق 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة، ما أسفر عن أكثر من 135 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، فيما تشارك مصر قطر في مفاوضات إنهاء الحرب وسط مماطلة إسرائيلية و"اختلاق أعذار"، بحسب وصف وزارة الخارجية المصرية.

"أزمة السفير"
وعلى خلفية تأزم المفاوضات، وإصرار "إسرائيل" على احتلال محور صلاح الدين، ظهر ملف خلافي جديد، على السطح، أشارت إليه وسائل إعلام إسرائيلية، متهمة مصر بأنها "تماطل بصورة متعمدة"، لتأخير وصول السفير الإسرائيلي الجديد إلى القاهرة.

موقع قناة "i24" العبري، قال إن منصب السفير الإسرائيلي خالي منذ أسبوعين بعد انتهاء عمل السفيرة السابقة أميرة أورون، وأن السفير الجديد أوري روثمان لم يحصل بعد على موافقة مصر وما زال في تل أبيب، مؤكدا أن السبب "هو المماطلة المتعمدة من جانب القاهرة".


وأشار إلى أن "مسؤولين أمنيين ودبلوماسيين في مصر يناقشون سيناريوهات للتصعيد، بدءا من سحب السفير خالد عزمي من تل أبيب، إلى دعوة مجلس الأمن لمطالبة إسرائيل بالانسحاب من محور فيلادلفيا".

"أزمة المفاوضات"
وفي اتهام إسرائيلي جديد للقاهرة، قالت "القناة 13"، العبرية، مساء الاثنين، إن مصر رفضت استضافة جولة جديدة من مفاوضات غزة بين "تل أبيب" وحركة المقاومة الفلسطينية (حماس)، بسبب "غضبها" من تصرفات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وتصريحاته بشأن محور صلاح الدين، بحسب "وكالة الأناضول".

وقالت القناة الخاصة، إن "المصريين غاضبون بشدة من الكلام الذي قاله نتنياهو عن محور فيلادلفيا، والسلوك المصري خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده".

والأربعاء الماضي، قال نتنياهو بالقدس المحتلة إن جيش الاحتلال الإسرائيلي لن ينسحب من معبر رفح ومحور صلاح الدين على الحدود بين غزة ومصر، معتبرا أن المحور هو "أنبوب الأكسجين لحماس حيث يتم من خلاله تهريب الأسلحة من مصر".

ونقلت القناة عن مسؤول إسرائيلي كبير لم تسمه قوله إن "المصريين شعروا بأن نتنياهو جعل منهم جمهورية موز، وكانت الرسائل التي نقلوها (إلى إسرائيل) فظيعة".

"تصعيد الخطاب المصري"
وفي تصعيد مقابل في لغة الخطاب المصري، جاء خلال لقاء وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الاثنين، بالقاهرة مع نظيره الدنماركي لارس لوكه راسموسن.

عبد العاطي، قال إن "إسرائيل تنشر أكاذيب تستهدف لفت الانتباه عن التوصل إلى صفقة تبادل أسرى في غزة وتنفيذ وقف إطلاق النار بالقطاع"، مؤكدا أن "الادعاء بدخول السلاح لغزة من جهتنا محض أكاذيب".

وأكد الوزير أنه "كلما تم الاقتراب من إبرام الاتفاق تسارع إسرائيل إلى اختلاق الأعذار والمبررات لعرقلته"، و"نواجه سياسات استفزازية لا تستهدف سوى مزيد من التصعيد".



والأسبوع الماضي، رفضت القاهرة تصريحات نتنياهو بشأن تهريب أسلحة من مصر إلى غزة عبر أنفاق أسفل محور فيلادلفيا الحدودي، واعتبرته محاولة لعرقلة الوساطة المصرية القطرية الأمريكية للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة للشهر الحادي عشر.

"زيارة خليفة"
وفي الأثناء، ووسط تأزم العلاقات المصرية الإسرائيلية غير المعهود بالسنوات الماضية، زار رئيس أركان الجيش المصري الجديد الفريق أحمد خليفة، معبر رفح البري ومحور فيلادلفيا، 5 أيلول/ سبتمبر الجاري، وسط استعراض للقوات والمدرعات والأسلحة المصرية الموجودة على الحدود المصرية مع قطاع غزة.

ما رأى فيه البعض رسالة غضب مصرية موجهة إلى "تل أبيب"، فيما مثل حضور القائد العسكري المصري الكبير لهذه المنطقة صدمة للإعلام العبري الذي خرج بعناوين تحذر من الدبابات المصرية القابعة على الأسوار، بحسب وصف "معاريف" العبرية.


واعتبرت الصحيفة، زيارة خليفة "بمثابة استعراض للقوة ومحاولة للتأكيد على سيطرة مصر على المنطقة، في الوقت نفسه"، مشيرة إلى تزامن استعراض القوة المصرية في المنطقة، مع ما وصفته بـ"التصريحات القاسية ضد إسرائيل ونتنياهو في الأيام الأخيرة".

"توتر على الحدود"
وفي السياق، تتزايد بشكل مطرد عمليات إطلاق النيران على الحدود بين مصر وقطاع غزة، في ظل حضور القوات الإسرائيلية على الجانب الشرقي من الحدود.

ومساء الاثنين، قالت هيئة البث الإسرائيلية إن الجيش الإسرائيلي أحبط محاولة تهريب مخدرات على الحدود المصرية وحدث إطلاق نار ومحاولة لدهس جنود، فيما زعمت وسائل إعلام إسرائيلية، أن عددا من جنود الاحتلال أصيبوا بعد أن دهستهم عربة على الحدود المصرية.

وشهدت مدينة طابا المصرية في جنوب سيناء الجمعة قبل الماضية، شجارا بين مصريين وإسرائيليين داخل أحد الفنادق، وكشفت مصادر أمنية مصرية أن الحادثة أسفرت عن إصابة 4 عمال مصريين و3 سياح إسرائيليين.

وتحدثت الرواية بوسائل الإعلام الإسرائيلية، حول وقوع عملية طعن لأحد مواطنيهم بمدينة طابا، لكن مصدر مصري مسؤول نفى ذلك، وأكد أن المشاجرة كانت بسبب عدم قيام السياح بالدفع مقابل خدمات تم استخدامها.

وكانت "عربي21"، قد نقلت عن مجندين مصريين تأكيدهم مقتل الجنديين المصريين عبدالحميد عاطف جلال بيومي، ومحمد مجدي البرقاوي، بنيران الاحتلال الإسرائيلي قرب الحدود الفلسطينية المصرية، وهو ما أكدته لاحقا مشاهد جنازات نقلها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الأحد الماضي.


ومع الاتهامات الإسرائيلية لمصر بالمشاركة في تهريب الأسلحة للمقاومة الفلسطينية، واتهمها ثانيا بالمماطلة في استقبال السفير الإسرائيلي للقاهرة، واتهامها ثالثا برفض استقبال جولة مفاوضات جديدة، وما يقابله من تصعيد بلغة الخطاب المصري في ظل توترات بين البلدين تتعلق بمحور فيلادلفيا الحدودي بين مصر وقطاع غزة، تثار العديد من التساؤلات.

أولا: عن المدى الذي يمكن أن يصل إليه الخلاف المصري الإسرائيلي، وهل يصل لحد سحب السفير المصري ورفض تعيين سفير جديد لتل أبيب.

وثانيا: احتمالات أن تضحي القاهرة بمصالحها الاقتصادية مع تل أبيب وخاصة في ملف الغاز، واحتمالات أن تتغاضى إسرائيل عن مصالحها في التجارة والاستيراد من مصر خاصة في ظل ما تفرضه جماعة الحوثي باليمن جنوبا من رقابة على سفن الشحن القادمة للاحتلال.

"لا تصعيد لهذه الأسباب"
وفي قراءته، قال الباحث المصري في أصول التربية السياسية يحيى سعد: "هناك مجموعة من الأسباب تجعل احتمال قطع العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإسرائيل أو حتى تجميدها فضلا، عن التفكير في إلغاء اتفاقية السلام أمرا مستبعدا في ظل النظام السياسي الحالي".

ولفت في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن السبب الأول، هو "غياب الإرادة السياسية لدى النظام المصري الحالي في اتخاذ مواقف حازمة تجاه إسرائيل، نظرا لطبيعة هذا النظام الذي حصر ملف الأمن القومي لمصر في عدائه للتيار الإسلامي وخاصة جماعة الإخوان المسلمين".

وأشار إلى أن ثاني الأسباب: "عدم استعداد النظام المصري الحالي لإغضاب الولايات المتحدة الأمريكية التي يُعدها حليفا استراتيجيا، ويتلقى منها معونة سنوية منذ إبرام معاهدة كامب ديفيد 1978، مع إسرائيل".

ثالث الأسباب بحسب سعد، يتمثل في "اعتبارات اقتصادية تتعلق باتفاقيات الغاز مع إسرائيل، واتفاقيات اقتصادية منها (الكويز)، فضلا عن علاقات وثيقة لرجال أعمال مصريين مع الشركات الإسرائيلية".

"تصعيد محتمل لكن بحدود"
وفي تعليقه، قال السياسي المصري خالد الشريف: "لا شك أن هناك حالة غضب مصرية من مماطلة نتنياهو وممارسته بلطجة سياسية وعسكرية بعدم خروجه من محور صلاح الدين الحدودي، كون ذلك مخالفا للاتفاقيات والمعاهدات الموقعة بين مصر وإسرائيل".

القيادي في حزب "التنمية والبناء"، أضاف لـ"عربي21": "بلغت بجاحة نتنياهو أنه رفض الضغوط الأمريكية المتمثلة في دعوته للخروج من محور صلاح الدين، مع توفير الضمانات اللازمة بشأن أمن إسرائيل المزعوم، واستخدام الممر في عمليات تهريب الأسلحة للمقاومة في غزة".


ولفت إلى أنه "قال صراحة حسب معلومات صحفية إنه لم يعد بحاجة إلى الدور المصري في المرحلة المقبلة".

ويرى الشريف، أنها "رسالة أثارت غضب مصر ما دفعها للتصعيد العسكري بتفقد رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الفريق أحمد خليفة، الحدود بين مصر وقطاع غزة، مع حرص القيادة العسكرية على إظهار تمركز الدبابات المصرية والأسلحة الثقيلة عند الحاجز الفاصل بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية".

وأكد أنها "رسالة عسكرية غاضبة موجهة لإسرائيل التي تمادت كثيرا خلال 11 شهرا بإغلاق معبر رفح، والسيطرة على محور صلاح الدين".

وتوقع السياسي المصري، أن "يكون هناك تصعيد دبلوماسي، منه، إمكانية سحب السفير المصري من تل أبيب، خالد عزمي، ومخاطبة مجلس الأمن لاستصدار توصية لتل أبيب بالانسحاب من محور صلاح الدين، طبقا لمعاهدة كامب ديفيد".

لكن الشريف عاد ليقول إن "كل هذا التصعيد لن يتجاوز حالة الغضب إلى الحرب والاشتباك العسكري"، مؤكدا أن "هناك حذرا واضحا من المسؤولين المصريين الذين يسعون لتبريد المشهد والاكتفاء برسائل غاضبة فقط".

وختم بالقول: "مصر في ظل الرئيس السيسي، غير مستعدة للحرب، وتعاني من مشاكل وأزمات اقتصادية طاحنة، تجعلها تمتص الإهانات الصهيونية المتتالية للأسف الشديد".

"الكنز الاستراتيجي الأعظم"
وفي رؤيته، قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي أحمد حسن بكر: "بداية يمكن القول بثقة مطلقة إن السيسي، هو الكنز الاستراتيجي الأعظم في تاريخ دولة الكيان، ولا خلاف ولا اختلاف بينه وبين نتنياهو، في أي ملف من الملفات التي تخص غزة، أو بخصوص بقاء إسرائيل محتلة لمحور فيلادلفيا".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أنه "منذ بداية معركة طوفان الأقصى اتضح تماما أن السيسي مساند وداعم لنتنياهو، في مجازره وإبادته لشعب غزة، وقد وصلت هذه المساندة إلى حد مشاركة إسرائيل في تشديد الحصار على غزة، وإغلاق معبر رفح، لمنع وصول المساعدات الإنسانية للقطاع".

ويرى بكر، أن ما يثار حول التصعيد بـ"سحب سفير وطرد سفير هو مجرد دخان في الهواء"، مبينا أن "المزاعم الإسرائيلية بأن مصر السيسي، تعرقل تعيين أو وصول السفير تل أبيب الجديد للقاهرة، فهو من قبيل الابتزاز السياسي، وزيادة الضغط على مصر للقبول ببقاء الاحتلال الإسرائيلي بمحور فيلادلفيا، واستمرار الصمت المصري على مجازر الإبادة للشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية".

وعن ما يثار في الإعلام الإسرائيلي بشأن تلويح مصر بسحب السفير المصري خالد عزمي، من تل أبيب، يعتقد أنه "دخان في الهواء، وحركة وتصريح لحفظ ماء وجه الخارجية المصرية، لأن مصر السيسي، لا تملك هذا القرار ولا تجرؤ عليه، ولا حتى تريده".

وأضاف: "أيضا، وبفرض إقدام مصر السيسي، على سحب سفيرها من تل أبيب؛ فهذا لن يؤثر على التفاهمات والتوافقات بين نتنياهو والسيسي، في كل الملفات، حتى تلك التي تؤثر سلبا على الأمن القومي المصري".

"الغاز من إسرائيل قيد وشرط"
وأشار المحلل السياسي المصري، إلى أن "إسرائيل صارت تتحكم في قرارات مصرية كثيرة باستخدام سلاح الغاز الذي تصدره لمصر الآن، وتفرض على القاهرة شروطا كثيرة لأجل استمرار تدفق هذا الغاز -كان في الأصل مصريا واستولت عليه إسرائيل في ظل صمت مصري مريب".

ولفت إلى أنه على الجانب الآخر، فإن "مصر السيسي متطوعة لكي توفر لإسرائيل كافة ما تحتاجه من مواد غذائية وغيرها من سلع، لتعويض النقص الناجم عن منع الحوثي في اليمن للكثير من السفن التجارية المتجهة لإسرائيل، ولا تستطيع مصر السيسي التوقف عن هذا".


ويرى بكر، أنه "لا يوجد تصعيد من مصر السيسي، تجاه إسرائيل"، قائلا إنه "ساذج من يظن أن مصر السيسي يمكن أن تصعد تجاه تل أبيب، حتى لو أقدمت إسرائيل على احتلال أجزاء من سيناء، بعد احتلالها محور فيلادلفيا".

ووصف السيسي بأنه "يمثل لإسرائيل الكنز الاستراتيجي الأعظم في تاريخها ومنذ نشأتها".

وذهب إلى التأكيد على أن "القرارات المصرية بخصوص إسرائيل تُتخذ في تل أبيب، وأن كافة قرارات المؤسسات المصرية بخصوص علاقات الجانبين تُتخذ بأمريكا وإسرائيل، ومصر السيسي في حالة توأمة مع حكومة نتنياهو، وتعمل بخدمة المشروع الإسرائيلي بتفان وحب".

وختم بالقول: "ولكم أن تتأملوا حالة الانزعاج والفزع المصري من اتهامات إسرائيل بأنها ساعدت في تهريب السلاح لحماس من خلال الأنفاق؛ فمصر السيسي كادت أن تُقسم على الكتب السماوية الثلاثة أنها لم ولن تفعل من أجل سلامة المواطن الإسرائيلي".