قضايا وآراء

السلطة الفلسطينية والغرق في القاع

"تكفي مراجعة مواقف وسياسات سلطة الرئيس أبي مازن منذ عقدين وإلى الآن، تحديدا في موضوع التصدي للمحتل بكل الأشكال"- جيتي
بعض المواقف الفلسطينية تفجر في النفوس مشاعر الحماس والاعتزاز والفخر، وبعضها الآخر لا يثير في القلوب والعقول سوى الحزن والخيبة والشفقة المريبة؛ من هذا النوع الأخير إدهاش السلطة الفلسطينية لمحتلها وحلفائه بمواقف باتت من فرط الكآبة التي أحدثتها طيلة مسيرتها المتعاونة مع الاحتلال سرا علنا، وفي ذروة العدوان المتواصل على الشعب الفلسطيني في مدن الضفة وغزة والقدس وارتفاع منسوب جرائم حرب الاحتلال ضد الفلسطينيين، أعجز الآن من أن تخلق أحزانا، كل ما تخلفه وراءها من مواقف وتصريحات وسياسات تعني تقديم الذرائع للمحتل وتبرير الجريمة بتحميل الضحية مسؤولية صموده فوق أرضه والدفاع عنها، حتى أصبحت السلطة ومواقفها أشبه بغصة كالحة من الصعوبة ابتلاعها والمضي قدما لمواجهة المحتل.

النوع الفلسطيني الأخير، الذي وجد نفسه منعزلا ومتشرنقا ببؤس مهامه الأمنية الوظيفية مع المحتل، بعد عملية "طوفان الأقصى" وفي معمعان المواجهة التي تخوضها المقاومة بالتصدي للعدوان، في حالة يأسٍ لكن لا تخلو جعبته من تقديم المفاجآت الباهتة المكتملة مع مفارقات التاريخ، والتي تذكرنا كفلسطينيين وعرب عاما بعد آخر ويوما بعد يوم بخيبتنا بهذه السلطة وبيادقها التي تحاول إجهاض الأحلام المؤجلة وتلك الضائعة على طاولة المصلحة الفئوية الضيقة الملتصقة بمهامها؛ بإعلاء الأناشيد الجنائزية التي تترحم على الفلسطيني المقاوم لمحتله. التناوب السخيف للسلطة للعمل برواية المحتل بتحميل المقاومة مسؤولية العدوان على شعبها، ومسؤوليتها عن إحداث المحتل لجرائم الإبادة والحرب، فيهما من الحماقة والسفاهة والصفاقة والوقاحة الغليظة التي يكررها دانيال هغاري وبنيامين نتنياهو وأفيخاي أدرعي من ذرائع سافلة لتبرير الجرائم.

والقول إن المقاومة تختبئ بين صفوف المدنيين، قول العاجز الخسيس، والخسة تدرك أن الفلسطينيين مقاومتهم أصيلة تنبع من شعبها، وأن المكلومين من نار العدو ومن جرائمه هم حاضنتها الأسرية والشعبية، وأن الشعب الفلسطيني في جنين ونابلس وطولكرم وغزة والقدس والرملة وغيرها، تنجب مقاوميها من صلبها للتصدي لوحشية المحتل ولسياساته الفاشية، وأن سكان المقاطعة في رام الله ومن يتناوب على خط التنسيق الأمني مع العدو ليكون هراوته وبندقيته وزنزانته؛ يحاولون الزحف على بطونهم ليقولوا للمحتل أنا هنا ومستعد لإكمال مهامك..
الوقاحة الغليظة لتصريحات ومواقف نخب السلطة الفلسطينية تجاه المقاومة الفلسطينية، لا تنحصر في غزة، فقط لتذكير البعض بهذه الوقاحة، تكفي مراجعة مواقف وسياسات سلطة الرئيس أبي مازن منذ عقدين وإلى الآن، تحديدا في موضوع التصدي للمحتل بكل الأشكال،

أقوال ومواقف قد تعرف إليها الفلسطيني المعاصر لأوسلو وحقبته التي أنجبت رجالاتها الصفيقة في مواقف العداء لشعبها ومصالحه الوطنية، ولعل نعت المقاومة بالنعوت الكثيرة التي تحمل دلالة واضحة في ذاتها في كل مرحلة أوسلو، والتي حاولت سخافة السلطة ورئيسها تقديمها للعالم في مراحل ومحطات كثيرة، تعني مباشرة الإيمان المطلق بالاستسلام لقدر المحتل واستيطانه وعدوانه وتهويده للأرض.

لذلك فإن الفعل الفلسطيني المقاتل للدفاع عن أرضه وتطلعه المستمر للعودة لأرضه واستعادة حقوقه، راكم من الصفات المضادة التي تتحلى بها سلطة التنسيق الأمني في رام الله، وراكمت في الوقت عينه "الفضائل" التي يتغنى بها المحتل بتحقيق توسعه الاستيطاني العدواني على الأرض والشعب؛ بفضل المواقف الهزيلة لسلطة فلسطينية مدعومة من المحتل ومن أنظمة التطبيع العربي التي تقرأ جميعا من قاموس نتنياهو وهغاري وبن غفير، فتردد ذرائع الإبادة الجماعية التي تصمت عنها لقناعتها بضرورة القضاء على الفعل الفلسطيني المقاتل، ولإدراكها جميعا بأن تلك الصورة المهزوزة للمحتل وأعوانه في المقاطعة وفي أنظمة التطبيع العربي لن تعود مثبتة كما كانت قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

الوقاحة الغليظة لتصريحات ومواقف نخب السلطة الفلسطينية تجاه المقاومة الفلسطينية، لا تنحصر في غزة، فقط لتذكير البعض بهذه الوقاحة، تكفي مراجعة مواقف وسياسات سلطة الرئيس أبي مازن منذ عقدين وإلى الآن، تحديدا في موضوع التصدي للمحتل بكل الأشكال، وتفاخره الدائم بعدم إيمانه بمقاومة المستوطن الغازي لأرضه والساكن في بيته بصفد.

ففي مدن الضفة يعيش المقاتل الفلسطيني فوق أرضه في جنين ونابلس وطولكرم والخليل وبيت لحم والقدس، والسلطة الفلسطينية تعيش هاجسها في المقاطعة لتقديم عروض تسليم المقاومين لسلاحهم وتقديم التهديد المبطن لهم للكشف عن أماكنهم للمحتل ومطاردتهم، بمعنى أنه لم تستطع السلطة الفلسطينية أن تصمد بارتداء ثوب الاعتدال في مواقفها من المقاومة طيلة تسعة أشهر، فسقطت عنها ورقة التوت مجددا.

والسلطة هنا شريك في الاستيطان والعدوان بممارستها سياسة القمع وتكميم الأفواه ومشاركة المحتل قمع أي مقاومة لعدوان المستوطنين، والاكتفاء بوقف المتفرج على العدوان ونعت مقاومته بوقاحة سمجة، وتنفي عنه طبيعته الاستعمارية العدوانية.

مطلوب من كل القوى والفصائل رص قواها لوضع حد لسياسة أبي مازن، وخلق مرجعية وطنية فلسطينية قادرة على حماية وصون حقوق شعبها والدفاع عنه لانتزاع كامل حقوقه، وتنفيذ هذه المطالب والمواقف يكفي لتفجير مشاعر الفخر والاعتزاز بشعب فلسطين بعيدا عن القاع الذي تتمترس به سلطة البؤس واليأس الفلسطيني
سياسة الشيطنة وربط الفلسطينيين بمؤامرة الخارج، هي اعتداء سافر على الشعب الفلسطيني وعلى مقاومته، بنعته بدونية عدم معرفته بعدوه على الأرض ومحاولة التجهيل بكيّ وعيه بسياسات صهيونية تفضي إلى أن الفلسطيني الجيد هو الميت والمهزوم، كحال سلطة فلسطينية تعتاش على مشيمة التنسيق الأمني فقط، وكل تغيير ونهضة فلسطينية هي غريبة عن أصل الفلسطيني المهزوم، كما يحاول المحتل وسلطته في رام الله التسويق للعالم، تسويق قد فشل بالمحاكم الدولية وبمواقف وشهادات لمنظمات محلية ودولية تقر بمسؤولية الاحتلال عن تدمير المشافي وارتكاب المذابح في المدارس وتفجير المربعات السكنية، وتدمير حاضر ومستقبل الفلسطينيين في غزة.

سياسات العدوان وضم الأراضي والاستيطان والتهويد والتهجير لا تُلجم فلسطينيا عن شيطنة الذات، وهي بسياسات سمحت للمحتل بالتمدد والاتساع خصوصا مع سياسة غرق السلطة الفلسطينية في قاعٍ من سفالة المواقف والسياسات التي برهنت خدمتها للمحتل، وشكلت مأساة حقيقية للشعب الفلسطيني ولأرضه ومقدساته وضاعفت من مشاكل ومعاناة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.

المطلوب اليوم، من الشرفاء والمخلصين في حركة فتح، التصدي لهذه السياسات بعد أن بلغت ذروتها بتحميل الفلسطينيين مسؤولية إنجابهم لمقاومين، وهذا موقف يحمل تفريطا وخيانة وتزويرا تاريخيا يخدم المحتل وسياساته ويحمي عدوانه. ومطلوب من كل القوى والفصائل رص قواها لوضع حد لسياسة أبي مازن، وخلق مرجعية وطنية فلسطينية قادرة على حماية وصون حقوق شعبها والدفاع عنه لانتزاع كامل حقوقه، وتنفيذ هذه المطالب والمواقف يكفي لتفجير مشاعر الفخر والاعتزاز بشعب فلسطين بعيدا عن القاع الذي تتمترس به سلطة البؤس واليأس الفلسطيني.

x.com/nizar_sahli