مدونات

اختيار السنوار قائدا لحركة "حماس".. دلالات وأبعاد

"قرار اختيار السنوار رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس له دلالات وأبعاد ورسائل سياسية للاحتلال"- جيتي
بعكس كل التحليلات والتوقعات التي فاجأت المراقبين والمهتمين، وبعد جملة من التخمينات والأقاويل خلال الفترة الماضية عن اختيار شخصية خلفا للقائد الشهيد إسماعيل هنية، أعلنت حركة المقاومة الاسلامية "حماس" مساء الثلاثاء عن تعيين زعيمها في غزة يحيى السنوار رئيسا لمكتبها السياسي، وبذلك تثبت حركة حماس بهذا الفعل أنها قادرة على اختيار قائد يمارس دور القيادة بكفاءة، مهما كانت الظروف القاسية المحيطة بها، وأنها ستظل تحافظ على برنامج "الجهاد والمقاومة" كسبيل لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني، وأن هذا الفعل السياسي الإبداعي لا يقل أهمية عن الفعل العسكري والأداء في الميدان، لإحداث إرباك للاحتلال والإعلام العربي المتصهين والترويج والتضليل والإشاعة بأن يحيى السنوار ذهب بغزة الى الدمار والهاوية.

لعل الرسالة الأهم في اختيار يحيى السنوار تتمثل في أن حركة حماس تقف موحدة خلف قيادتها، وأن اغتيال القادة لن يحدث فوضى بالحركة، وهذا تصديق لكلمات القائد إسماعيل هنية: "إذا غاب سيّد قام سيّد"، إضافة لمعرفة يحيى السنوار الدقيقة بعقلية وتفكير الاحتلال.

لا شك أن قرار اختيار السنوار رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس له دلالات وأبعاد ورسائل سياسية للاحتلال ولحليفه الأمريكي والدول الغربية ودول التخاذل العربي، وهو جزء من التحول الاستراتيجي في المنطقة، وسيكون له تداعيات كبيرة على الاحتلال وحلفائه، وسيشكل خارطة طريق جديدة، خاصة أن السنوار علاقته وثيقة مع محور المقاومة وهو أول من تنبأ بوحدة الساحات، وأن قرار حركة حماس باختيار السنوار رئيسا لمكتبها السياسي هو جزء من رد محور المقاومة على اغتيال الشهيد إسماعيل هنية في طهران، وأيضا جاء اختياره لقيادة الحركة تكريما للمقاومة وشحذ الهمم للمقاومين والشعب المحاصر، وتشكيله جرعة إضافية للمقاومة في غزة التي رغم ما أصابها باتت مكانا ملهما لشعب يحاول التخلص من دنس الاحتلال النازي المجرم.

حركة حماس، رغم خوضها المعركة، لا تزال تلتزم بدورها الأساسي على الصعيد الوطني الفلسطيني، حيث ترى أن المقاومة ليست مجرد قتال بل هي مسار للتحرر من الاحتلال، واختيار يحيى السنوار يشكل "صفعة جديدة بوجه الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بعد صفعة عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر.

من هو يحيى السنوار؟

يحيى إبراهيم حسن السنوار، أو يحيى السنوار، القائد البارز في حركة حماس، ينحدر من مدينة المجدل عسقلان التاريخية التي تقع شمال شرقي قطاع غزة، والتي سقطت في يد الاحتلال الصهيوني في عام 1948 وغيَّر اسمها إلى "أشكلون".

ولد السنوار في مخيَّم خان يونس للاجئين في عام 1962، ونشأ في ظروف صعبة ومعاناة الفقر والقسوة. وتأثرت طفولته بالاعتداءات التي تعرض لها أهالي المخيَّمات من الاحتلال، ودرس السنوار في الجامعة الإسلامية بغزة وحصل على درجة البكالوريوس في اللغة العربية.

ترأس الكتلة الإسلامية خلال فترة دراسته الجامعية، وهي الفرع الطلابي لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، كانت تلك الفترة محورية في حياته وساعدته على الاستعداد للأدوار القيادية التي تولاها في حركة حماس لاحقا. وعلى الرغم من أنه لم يكن من المؤسسين الأوائل للحركة، فإنه أصبح جزءا من قيادتها وأسهم في وضع التوجهات والأسس للمقاومة الإسلامية على مدار سنوات كثيرة.

نشاط يحيى السنوار السياسي

بدأت النشاطات السياسية ليحيى السنوار بكونه واحدا من رواد القيادة الفلسطينية في مختلف أشكال المقاومة ضد الاحتلال منذ بداية الثمانينيات، وكان يؤمن بأن هزيمة الاحتلال تتطلب القضاء على جميع أدواته، وعلى رأس هذه الأدوات خنجر العملاء المسموم الذي يتسلل إلى النسيج الفلسطيني.

ولذلك، اقترح يحيى السنوار في ذلك الوقت على الشيخ أحمد ياسين بعض الأفكار التي تعزز الجانب الأمني للمقاومة، ومن أبرزها تأسيس جهاز الأمن والدعوة الذي يعرف بـ"مجد". وقاد السنوار فريقا من الكوادر الأمنية وتتبَّع عددا من العملاء الذين عملوا لصالح الاحتلال الصهيوني.

مع مرور الوقت، أصبح "مجد" النواة الأولى لتطوير النظام الأمني الداخلي لحركة حماس، وبالإضافة إلى إجراء التحقيقات مع عملاء الاحتلال، أصبح دور "مجد" يتضمن تتبع ضباط المخابرات وأجهزة الأمن "الإسرائيلية" بشكل مماثل.

اعتقال السنوار

تعرض يحيى السنوار للاعتقالات المتكررة خلال نشاطه الداخلي. ففي عام 1982، اعتقل لأول مرة وأفرج عنه بعد عدة أيام، ثم اعتقل مرة أخرى في نفس العام وحكم عليه بالسجن لمدة 6 أشهر بسبب نشاطه المقاوم.

وعام 1985، اعتقل مرة أخرى لمدة 8 أشهر بتهمة تأسيس جهاز الأمن الخاص لـحماس المعروف بـ"مجد"، وكان هذا الجهاز يقاوم الاحتلال في قطاع غزة ومكافحة المتعاونين معه من العملاء المحليين، واعتقل للمرة الثالثة في 1988 وحكم عليه بالسجن المؤبد أربع مرات، بتهمة تأسيس جهاز "مجد" الأمني والمشاركة في تأسيس الجهاز العسكري الأول لحركة حماس.

وقضى السنوار 23 عاما متواصلة في سجون الاحتلال، منها أربع سنوات في العزل الانفرادي. وخلال فترة اعتقاله، تولى قيادة الهيئة القيادية العليا لأسرى "حماس" في السجون وشارك في سلسلة من الإضرابات عن الطعام، بما في ذلك إضرابات أعوام 1992 و1996 و2000 و2004.

تحرير السنوار

أطلق سراح يحيى السنوار عام 2011 ضمن صفقة "وفاء الأحرار"، حيث أطلق سراح الجندي جلعاد شاليط مقابل الإفراج عن 1027 أسيرا فلسطينيا.

احتجز شاليط في 25 حزيران/ يوليو 2006 على يد مقاتلين من "كتائب عز الدين القسام" التابعة لحركة حماس، وألوية الناصر صلاح الدين التابعة للجان المقاومة الشعبية، وجيش الإسلام، في عملية عسكرية متقدمة تعرف باسم الوهم المتبدد، وتعدّ هذه العملية من أكثر العمليات التي نفَّذتها الفصائل الفلسطينية تعقيدا منذ بدء انتفاضة الأقصى الثانية.

صفقة "وفاء الأحرار" جرت بعد أكثر من 5 سنوات قضاها شاليط في الأَسْر في مكان سرِّي بقطاع غزة، حيث فشلت "إسرائيل" بكل قدراتها الاستخبارية وعملائها في الوصول إليه، كما فشلت العملية العسكرية التي شنتها في نهاية عام 2008 وبداية عام 2009 في إنقاذه من الأسر.

ما بعد السجن

وبعد الإفراج عن يحيى السنوار من السجن شارك في انتخابات حركة حماس الداخلية عام 2012، وفاز بعضوية المكتب السياسي للحركة.

في شهر شباط/ فبراير 2017، انتخب يحيى السنوار رئيسا لحركة حماس في قطاع غزة. ووفقا لمقال نشرته جريدة الغارديان في 2017، كان وصول يحيى السنوار إلى هذا المنصب خطوة مهمة لإعادة تعريف سياسة الحركة.

تعرض يحيى السنوار لضغوط من الولايات المتحدة، إذ صنف مع اثنين من قادة حماس الآخرين (محمد الضيف وروحي مشتهى) على قائمة الشخصيات "الإرهابية الدولية"، كما وضع الاحتلال يحيى السنوار على قائمة المطلوبين للتصفية في قطاع غزة.

وتعرض منزل السنوار، للقصف والدمار مرتين؛ مرة في عام 1989 ومرة أخرى خلال العدوان على قطاع غزة في عام 2014.

مؤلفات يحيى السنوار

يتميز يحيى السنوار بإتقانه اللغة العبرية، وله الكثير من المؤلفات والترجمات في المجالات السياسية والأمنية. من بين أبرز مؤلفاته:

- كتاب "المجد" أصدره خلال فترة اعتقاله من داخل سجون الاحتلال، وهو كتاب يرصد عمل جهاز "الشاباك".

- ترجمة كتاب "الأحزاب الإسرائيلية" عام 1992"، وهو كتاب يتطرق إلى الأحزاب السياسية في "إسرائيل" خلال تلك الفترة.

- كتاب "حماس: التجربة والخطأ"، وهو كتاب يتناول تجربة حركة حماس وتطورها على مر الزمن.

- رواية أدبية بعنوان "شوك القرنفل"، التي تحكي قصة النضال الفلسطيني منذ عام 1967 حتى انتفاضة الأقصى

مرة أخرى.. نستذكر في هذه اللحظة التاريخية الشهيد إسماعيل هنية رحمه الله، الذي قدم في سيرته القيادية نموذجا للقيادة الشجاعة والحكيمة والمنفتحة، ونستذكر كلمته "إذا غاب سيد قام سيد".