كتاب عربي 21

بين إسماعيل هنية وأحمد ياسين.. مصر التي لا نعرفها

"ما الذي تغير في مصر بين اغتيال ياسين واغتيال هنية؟"- إكس
"هذا عمل إجرامي وجبان".. بهذه العبارات تحدث الرئيس المصري الراحل حسني مبارك يوم 23 آذار/ مارس 2004 تعليقا على عملية اغتيال إسرائيل لمؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين.

يومها ظهر مبارك في مؤتمر صحفي ليرد على أسئلة الصحفيين، موضحا أن استهداف الشيخ أحمد ياسين وهو رجل قعيد وأحد الرموز الفلسطينية الكبيرة؛ هو عمل جبان سيدمر كل مساعي السلام والمفاوضات التي تعمل من أجلها مصر على مدار سنوات.

أعلن حسني مبارك وقتها إلغاء مشاركة مصر في احتفالات الكنيسيت الإسرائيلي بذكرى معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل قائلا: "الدنيا والعة احتفالات ايه اللي نشارك فيها".

تذكرت حديث مبارك وإشارته بالاسم للشيخ ياسين وتنديده المعلن بعملية اغتياله؛ وأنا أقرأ البيان الهزيل الذي صدر عن وزارة الخارجية المصرية بعد ساعات من عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، أثناء زيارته لطهران.

تذكرت حديث مبارك وإشارته بالاسم للشيخ ياسين وتنديده المعلن بعملية اغتياله؛ وأنا أقرأ البيان الهزيل الذي صدر عن وزارة الخارجية المصرية بعد ساعات من عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، أثناء زيارته لطهران

بيان الخارجية المصرية عبّر عن مصر التي لا نعرفها في عهد عبد الفتاح السيسي، فقد كان بيانا هزيلا ضعيفا لم يشر إلى إسماعيل هنية بالاسم ولم يتحدث عن عملية اغتياله ولم يدنها صراحة، وإنما أشار على استحياء إلى ضرورة توقف عمليات الاغتيالات السياسية التي تقوم بها إسرائيل.

فما الذي تغير في مصر بين اغتيال ياسين واغتيال هنية؟

على المستوى الرسمي والرئاسي كانت مصر مبارك تتعامل بذكاء شديد مع الملف الفلسطيني بما فيه حركة حماس، كانت مصر تدعم عملية السلام والمفاوضات، وكانت أحيانا تنسق مع إسرائيل قبل العدوان على غزة، مثلما حدث قبل عدوان 2008 عندما أعلنت تسيبي ليفني الحرب على غزة من القاهرة وهي برفقة وزير الخارجية المصري آنذاك أحمد أبو الغيط، ولكن كان نظام مبارك في المقابل يفتح المجال العام الشعبي والإعلامي والسياسي للتعبير عن الغضب الشديد من جرائم الاحتلال.

يوم اغتيال الشيخ أحمد ياسين في آذار/ مارس 2004، انفجر الشارع المصري بمظاهرات لا حصر لها، فتحت الجامعات المصرية أبوابها للطلاب لتمتلئ جامعة القاهرة وعين شمس والإسكندرية وغيرها بهتافات طلاب مصر الغاضبين الرافضين لبلطجة الاحتلال الإسرائيلي.

إعلاميا، نقلت الصحف المصرية تنديدات رئيس الجمهورية بعملية اغتيال الشيخ ياسين، نشرت تصريحات لمرشد الإخوان المسلمين آنذاك محمد مهدي عاكف، فُتحت المواقع والقنوات لرموز مصر السياسية ورؤساء الأحزاب لنقل نبض الشارع المصري والتنديد بجريمة اغتيال الشيخ ياسين.

بعد عشرين سنة، استيقظ العالم على جريمة أخرى من جرائم الاحتلال الإسرائيلي وهي اغتيال إسماعيل هنية أثناء زيارته إلى طهران، ولكن هذه المرة لم تعد مصر هي مصر التي نعرفها

سياسيا، أصدرت الأحزاب المصرية، مثل الوفد والتجمع والعربي الناصري والعمل، بيانات حمّلت فيها الإدارة الأمريكية برئاسة جورج بوش الابن المسؤولية عن العربدة الإسرائيلية، ودعت إلى غضبة عربية ودولية لردع الاحتلال عن الاستمرار في ارتكاب جرائم مشابهة.

شيخ الأزهر، الراحل محمد طنطاوي، أصدر أيضا بيانا شديد اللهجة دعا فيه الأمة العربية والإسلامية للتحرك فورا لإنهاء هذه البلطجة الإسرائيلية ومعاقبة القتلة.

يومها فتح الجامع الأزهر أبوابه لتظاهرة ربما كانت الأكبر في التاريخ المصري، جاء آلاف المصريين من كل محافظات مصر للتظاهر داخل حرم الأزهر الشريف لإيصال رسالة مفادها الغضب وأن فلسطين هي جزء لا يتجزأ من الهوى الشعبي المصري.

بعد عشرين سنة، استيقظ العالم على جريمة أخرى من جرائم الاحتلال الإسرائيلي وهي اغتيال إسماعيل هنية أثناء زيارته إلى طهران، ولكن هذه المرة لم تعد مصر هي مصر التي نعرفها.

عبد الفتاح السيسي كان مشغولا باستقبال الرئيس الإماراتي محمد بن زايد في مدينة العلمين الجديدة واصطحابه في جولة حميمية سيرا على الأقدام، ورئيس وزرائه مصطفى مدبولي كان مشغولا بترتيبات استقبال الشريحة الجديدة من قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 820 مليون دولار بعد معاناة ورفض تكرر أكثر من مرة، حتى رضخت حكومة السيسي لأوامر الصندوق ورفعت أسعار الوقود والمحروقات والكهرباء أيضا.. ووزير خارجيته أصدر بيانا تافها هزيلا لم يجرؤ فيه على الإشارة إلى إسماعيل هنية باسمه؛ وهو من جلس أكثر من مرة مع رئيس المخابرات المصرية عباس كامل.

مصر الآن ليست مصر التي نعرفها، مصر الآن حولها السيسي للأسف إلى مسخ وقزم لا دور لها ولا رأي ولا وزن ولا قيمة، تمتثل لأمر إسرائيل، تنتظر الإذن الأمريكي لاتخاذ هذا الموقف أو ذاك

سياسيا، عفوا الرقم المطلوب غير موجود بالخدمة منذ تولي السيسي، فلا توجد سياسة أو أحزاب أو رموز أو أي مساحة للتعبير عن موقف سياسي غير الذي تراه السلطة، وما حدث من اختطاف المهندس يحيى حسين عبد الهادي من الشارع وإحالته للنيابة العامة وحبسه على ذمة قضية جديدة؛ منا ببعيد.

إعلاميا، أطلق السيسي لجانه الإلكترونية تطعن في ذمة إسماعيل هنية، تتحدث عن ثروته المزعومة، تخوض في سيرته ظلما وبهتانا وادعاء بأن حماس تورطت في دماء الجنود المصريين في سيناء، وهو ما لم يحدث أبدا.

شعبيا، من يتجرأ على التظاهر أو رفع العلم الفلسطيني فمصيره داخل السجن أو مقتولا في قبر أو مطاردا في الداخل أو الخارج.

مصر الآن ليست مصر التي نعرفها، مصر الآن حولها السيسي للأسف إلى مسخ وقزم لا دور لها ولا رأي ولا وزن ولا قيمة، تمتثل لأمر إسرائيل، تنتظر الإذن الأمريكي لاتخاذ هذا الموقف أو ذاك.

يوما ما ستعود مصر التي نعرفها وسيهتف فيها الشباب المصري داخل قطاع غزة هتافهم الشهير في 2012: يا فلسطيني يا فلسطيني دمك دمي ودينك ديني.

x.com/osgaweesh