حين يخرج مئات الآلاف، بل الملايين من
الإيرانيين في تشييع الشهيد القائد الكبير
إسماعيل هنية، أمس، ومرافقه وسيم أبو
شعبان، وحين تخرج حشود جماهرية ضخمة من كل أقطار أمّتنا العربية والإسلامية
والعالم في الدوحة العربية، في وداع القائد
الفلسطيني المميز، يظهر بجلاء أن
إسماعيل هنية لم يكن مجرد قائد استثنائي في مقاومة تاريخية ذات أبعاد متعددة، بل
كان أيضا جسرا بين أبناء الأمة، بين الشاطئ الشرقي للخليج والشاطئ الغربي له،
داعيا، كما كان دائما، لوحدة الأمة في وجه أعدائها، ومؤكدا الشعار الذي
رفعناه دوما: "فلسطين تجمعنا، والمقاومة توحدنا".
لم يكن إسماعيل هنية بحاجة إلى أكثر من هذا
الوداع الذي تجاوز البلد الذي استشهد فيه، والبلد الذي استقبل جثمانه بانتظار عودة
هذا الجثمان إلى مخيم الشاطئ في غزة، حيث ولد وترعرع وناضل أبو العبد على مدى سنوات
طويلة.
بل إن هذا الوداع قد شمل عواصم عربية وإسلامية
أخرى بل عواصم عالمية، ليؤكد أن المقاومة الفلسطينية كانت وستبقى عربية إسلامية
عالمية، لا تجمع العرب وحدهم، ولا توحد المسلمين كلهم فقط، بل هي أيضاً طليعة حركة
تحرر وطني عالمية، يتوقف على انتصارها مستقبل البشرية كلها؛ لأن انتصارها هو هزيمة
لكل قوى الاستعمار والامبريالية والعنصرية والفاشية، ليس في بلادنا فحسب، بل في
العالم كله.
في كل مرة كنا نلتقي فيها بالقائد الشهيد، لم
نكن نلمس في هذا الرجل سوى حرصه على أمرين؛ استمرار مقاومة الاحتلال حتى تحرير
الأرض، والحرص على وحدة الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال؛ إدراكا منه أن الطريق
الأقصر إلى التحرير هو طريق الوحدة، وأن الطريق الأفضل إلى الوحدة هو طريق
المقاومة.
لم يكن إسماعيل هنية بحاجة إلى أكثر من هذا الوداع الذي تجاوز البلد الذي استشهد فيه، والبلد الذي استقبل جثمانه بانتظار عودة هذا الجثمان إلى مخيم الشاطئ في غزة، حيث ولد وترعرع وناضل أبو العبد على مدى سنوات طويلة.
لذلك، كنا نستضيفه في كل مؤتمراتنا وفي كل
ندواتنا ليكون مفتتحا لها باسم فلسطين وباسم المقاومة على أرض فلسطين، ولنستمع
منه إلى كلام يبعث الأمل في النفوس رغم الآلام، ويبعث الثقة بمستقبل فلسطين، رغم
محاولات التيئيس والإحباط المتعددة
الألوان والأشكال.
كان إسماعيل هنية يتمتع بهذه المكانة، التي عبرت عنها اليوم
جماهير المودعين له في طهران والدوحة، وفي العديد من عواصم الأمة العربية والإسلامية
يحظى بهذه المكانة؛ لأنه قائد بقي بين شعبه ويخسر أفراد عائلته الواحد تلو الآخر، كما يخسر أهل غزة وأهل فلسطين أبناءهم الواحد تلو الآخر.
كان أبو العبد يختصر في حياته مأساة شعبه،
ولكنه كان يختصر في نضاله عزم شعبه على مواجهة الاحتلال حتى الانتصار.
صحيح أن الكيان الصهيوني يعيش اليوم لحظات
رعب بانتظار رد مزلزل من قبل قوى المقاومة في الأمة على جريمته في طهران وجريمته
في الضاحية الجنوبية، ولكن هذا الرد بحد ذاته بدأ اليوم في الدوحة، وبدأ بالأمس في طهران في تشييع الشهيد القائد إسماعيل
هنية، حيث أدرك العدو أنه لا يواجه تنظيما بعينه، ولا شعبا بحد ذاته، بل يواجه
أمة بأكملها، كما يواجه عالما من الأحرار في كل مكان.
لقد دعا الشهيد القائد إسماعيل هنية قبل استشهاده بأيام بأن يكون يوم السبت (غدا) في الثالث من آب/ أغسطس، يوما للغضب العالمي والتضامن الدولي مع الأسرى والمعتقلين، الذين يتعرضون لأبشع وسائل التعذيب والتنكيل والاضطهاد في سجون الاحتلال.
واليوم، تتحول هذه الدعوة من يوم للتضامن مع
الأسرى إلى يوم غضب عالمي؛ تنديدا بهذا العدوان المستمر منذ أكثر من 300 يوم،
وتحية للمقاومين الأبطال الذين يسطرون كل يوم ملاحم جديدة بوجه العدو، وتنديدا بالجرائم المتواصلة التي كان آخرها جريمتا طهران، حيث استشهد القائد إسماعيل هنية،
وجريمة الضاحية الجنوبية في بيروت، حيث استشهد القائد فؤاد شكر (السيد محسن)، وكلاهما أكدا باستشهادهما في اليوم نفسه وحدة المسار والمصير بين فلسطين
ولبنان، وبين المقاومة في كل الساحات، وهي وحدة لا بد أن تنجز نصرا بإذن الله.
المجد والخلود لروح الشهيد أبو العبد
ومرافقه وسيم ..
والنصر والعزة لشعب فلسطين وللأمة العربية والإسلامية.