سياسة دولية

تحقيق إسرائيلي: العقوبات ضد المستوطنين تؤذيهم لكنها لا توقف إجرامهم ضد الفلسطينيين

الولايات المتحدة أعلنت عن نيتها فرض عقوبات على وحدات في جيش الاحتلال- جيتي
في ضوء ما يرتكبه المستوطنون الإسرائيليون من جرائم دموية ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلّة، فرضت عدّة دول عُقوبات اقتصادية عليهم، في محاولة لكبح جماحهم، ووقف جرائمهم؛ ورغم أن هذه العقوبات تسعى للتضييق على نشاطاتهم العدوانية، لكنّها ليس من الواضح أنّها نجحت حتى الآن في منعهم من ارتكاب المزيد من جرائمهم.

وفي هذا السياق، قال تاني غولدشتاين، وهو مراسل موقع "زمن إسرائيل" إن "الاتحاد الأوروبي فرض قبل أيام عقوبات على عصابة "الأمر 9" الاستيطانية، في الضفة الغربية وخمسة نشطاء يمينيين، وأعلن أنه يدرس فرض عقوبات مماثلة على حركة "ريغفيم" اليمينية، فيما فرضت الإدارة الأمريكية مؤخرا عقوبات على عصابة "لاهافا" والبؤر الاستيطانية غير الشرعية "حافات مثير" و"مزرعة ناريا" و"حافات مان"، وثلاثة نشطاء آخرين، وقبلهما فرضت كندا منذ فبراير على العشرات من نشطاء ومنظمات اليمين المتطرف عقوبات مشابهة".

وأضاف غولدشتاين، في تحقيق استقصائي ترجمته "عربي21" أن "الولايات المتحدة أعلنت عن نيتها فرض عقوبات على وحدات في جيش الاحتلال، رغم أنه لم يتم تطبيقها بعد، كما ناقشت فرض عقوبات على وزير المالية بيتسلئيل سموتريتش، وتشمل العقوبات تجميد جميع الأصول المملوكة للمستوطنين وممثليهم وشركاتهم الموجودة في الدول التي فرضتها، ومنع مواطنيها وشركاتها ومنظماتها من التداول معها أو التبرع لها".

كذلك، يضيف المصدر ذاته: "مَنع المستوطنين أنفسهم من دخول أراضيها"، مردفا: "صحيح أن القانون الإسرائيلي لا يلتزم بالعقوبات الدولية، لكن البنوك الإسرائيلية تتعاون معها، وتحدّ من الحسابات المصرفية للمستوطنين، ووسائل الدفع والتبرعات التي تصل إليهم".

وأشار إلى أنه "من الناحية الفنية، فإن العقوبات على المستوطنين فعّالة، حتى لو لم تكن ملزمة، لكن السؤال هو هل تحقق هدفها الأساسي، لأن سبب فرضها أن تلك العصابات والمستوطنين تُلحق الضرر بالفلسطينيين، ومسؤولة عن انتهاكات خطيرة ومنهجية لحقوقهم بالضفة الغربية، بما في ذلك انتهاكات السلامة الجسدية والعقلية، والملكية، والخصوصية، والحياة الأسرية، وحرية الدين والتعليم".

وأوضح أن هذه العقوبات الدولية تستهدف أفراد عائلات المستوطنين، والشركات والجمعيات القانونية التي يديرونها، لكنها من الناحية العملية لا تضر بالاستيطان في البؤر الاستيطانية، ولا توقف إساءة معاملة الفلسطينيين، لسبب بسيط هو أن هذا النشاط غير قانوني على أي حال، حتى بموجب قانون الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي يؤكد أن "تمويلها ليس هكذا أيضاً، ويتم بطرق أخرى".

وتابع بأنه "في أبريل فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على إليشاع يارد، أحد قادة المستوطنات في البؤر الاستيطانية، المتورط في هجمات على فلسطينيين، وقتل فتى فلسطيني في قرية برقة، ووجّهت ضده ست لوائح اتهام، ولكن تمت تبرئته منها، وأصدر قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال المغادر يهودا فوكس أمرا بإبعاده من الضفة الغربية، لكن المحكمة العسكرية جمّدت القرار، وعندما فرضت العقوبات عليه، رد ساخرا: "يشرفني أن أدخل في قائمة الشرف"". 

وكشف يارد عن "إلغاء بطاقته الائتمانية، ووسائل الدفع، واستلام الأموال الرقمية، مثل Bit وPayPal وعدم التمكّن من سحب الأموال نقدا، ولكن وافق البنك أخيرا على عمليات السحب والتحويلات المصرفية الخاصّة بي على نطاق محدود للغاية، مشيرا إلى أن هناك مستوطنين في البؤر الاستيطانية تأثّروا بهذه العقوبات، ورغم فرض العقوبات، فقد تم بناء المزيد من النقاط الاستيطانية، أكثر مما كان عليه في الماضي، وسوف يستمر البناء، على حد زعمه". 

وأشار التقرير إلى أنه "في يونيو، فرضت كندا عقوبات مالية على دانييلا فايس، زعيمة حركة "نخلة"، التي تقود المستوطنات، ومنظمة "أمانا" الاستيطانية المركزية التابعة لمجلس "يشع"، مع العلم أن العقوبات الكندية ليس لها أي تأثير عملي، لكن إذا فرضت الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي عقوبات على "أمانا"، سيكون لها تأثير كبير، ولذلك لا يبدو أن فايس قلقة، رغم أنها مُنعت وزوجها من دخول الولايات المتحدة لسنوات عديدة، ممّا يجعل الأمر صعبًا، لأن لدينا أقارب هناك، وهذا يضر بعملنا، فلدينا هناك مصنع للنبيذ، وبعض المستوطنين يتضررون من العقوبات الجديدة، لكن المستوطنة نفسها لم، ولن، تتضرر، فكل شيء له حل". 

عدد من المستوطنين الذين قابلهم المراسل ذكروا له: "إنّنا لسنا أغنياء، ولا فقراء تماما، نعرف كيف نتدبّر أمورنا دون الكثير من المال، ونساعد بعضنا، بعض المستوطنين ليس لديهم ائتمان البطاقات، والبعض لا يملكون حتى حسابات مصرفية، وقد حدث في الماضي أننا قمنا بجمع التبرعات من خلال التمويل الجماعي، وإذا كان هناك من هو على استعداد للتبرع لصالح المستوطنات، فإنهم سوف يتبرعون نقدًا أيضًا، في النهاية، العقوبات محاولة لكسر معنوياتنا، وهذه سياسة غبية، ومن فرض العقوبات سيكتشف أنه يضعف نفسه، ويقوينا". 

وأشار إلى أن "البنوك الإسرائيلية تتعاون مع العقوبات الدولية، رغم أن القانون لا يلزمها بذلك، خوفًا من أنها إذا لم تتعاون معها، فسوف يطبق عليها القانون الأمريكي، وفي هذه الحالة تصبح المؤسسات المالية والأشخاص المشاركون في الأعمال التجارية عرضة للعقوبات، وقد يلحق الاتحاد الأوروبي الضرر بها إذا لم تمتثل للعقوبات التي اتخذتها الولايات المتحدة بالفعل ضد المؤسسات في الدول الأجنبية".

"لذلك تقوم البنوك الإسرائيلية بفرض العقوبات على اليمين الإسرائيلي، رغم محاولتها تخفيف العقوبات عن عملائها المستوطنين، مثل شراء السلع الأساسية، ودفع الرهن العقاري والإيجار، لكنهم لا يستطيعون شراء الشقق أو السيارات أو السلع الفاخرة" يتابع المتحدّث.

وأوضح أنّه "من بين المنظمات التي تعرضت للعقوبات "لاهافا"، وهي غير مسجلة كمنظمة غير ربحية بسبب أنشطتها الإجرامية الإرهابية ضد الفلسطينيين، وفرضت على قادتها بنتسي غوفشتاين وباروخ مارزل، لكن العقوبات الشّخصية لم تضر بنشاطها، بل تم الكشف أنها تلقت تبرعات، وحتى مساعدات حكومية من خلال جمعيات قانونية مثل "الرحمة، صندوق إنقاذ إسرائيل".

إلى ذلك، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، عقوبات، خلال هذا الأسبوع، على منظمة "أمر 9" التي شاركت في المظاهرات المناهضة لنقل المساعدات الإنسانية إلى غزة، ومنع نشطائها لمرور شاحنات المساعدات، وقاموا بنهبها وتخريبها.

يكشف هذا التحقيق، أن العقوبات الأوروبية والأمريكية والدولية على العصابات الاستيطانية، رغم أهميتها من الناحية السياسية والمعنوية، لكنّها ليست فعالة من الناحية الميدانية، حيث يعثر المستوطنون على طرق عديدة للاحتيال على هذه العقوبات، فيما تتواطأ حكومة الاحتلال ذاتها معهم للالتفاف عليها، لكنّ ذلك لا يعني حث المزيد من دول العالم على فرض العقوبات على المشروع الاستيطاني برمّته في الأراضي المحتلة، لما يسببه من عدوان إجرامي بحق الفلسطينيين: أرضاً وشعباً.