بعد أيام من خروج وزير الإسكان
المصري عاصم الجزار، من التشكيل الوزاري للحكومة المصرية الجديدة، انضم إلى مجموعة "
العرجاني جروب" كرئيس لإحدى الشركات التي تقوم بأعمال الإعمار في شرق ليبيا.
ذلك الخبر، أثار حفيظة البعض، ودفعهم للتساؤل عن أسباب انضمام الوزير الذي يملك معلومات وخطط الوزارة، للعمل في "العرجاني جروب" بهذه السرعة، وعن ما سيقدمه الوزير السابق من خدمات بحكم ما يمتلكه من علاقات مع الدولة المصرية والشركات العامة والمسؤولين الحكوميين.
ووقع رئيس "صندوق الاستقرار وإعادة إعمار ليبيا"، بلقاسم نجل اللواء الليبي خليفة حفتر مع رئيس مجلس إدارة شركة "أبناء سيناء"، وعضو مجلس إدارة شركة "نيوم" المصرية رجل الأعمال المثير للجدل إبراهيم العرجاني، اتفاقا للإعمار، وقعه رئيس شركة "نيوم" الوزير المصري السابق عاصم الجزار.
"وزراء حاليون في خدمة هؤلاء"
وبرغم الجدل الذي أحدثه ظهور الجزار كوزير سابق بجانب العرجاني، إلا أن هناك وزراء جدد بالتشكيل الأحدث للحكومة المصرية لهم ارتباطات قوية بشركات خاصة بينها للعرجاني أيضا، ولرجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، ولدولة
الإمارات، صاحبة أكبر الامتيازات هي وشركاتها وصناديقها السيادية في مصر، كذلك.
وبحسب ما نشرته صفحة مجلس الوزراء حول السير الذاتية للوزراء الجدد، تبين أن وزير قطاع الأعمال العام الجديد المهندس محمد إبراهيم أحمد شيمي، يتولى منصب الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب بشركة "كادينس للطاقة والاستشارات الهندسية وتطوير المشروعات" إحدى شركات "مجموعة العرجاني"، منذ أيار/ مايو 2023، وحتى الآن رغم توليه الوزارة.
وفي السياق، ومع ظهور التشكيل الوزراي الجديد الأربعاء الماضي، وتعيين وزير المالية أحمد كوجوك، جرى الكشف عن دوره وهو نائب لوزير المالية في عضوية مجلس إدارة مجموعة هشام طلعت مصطفى الاستثمارية العملاقة، والتي وقعت قبل أيام عقد استثمار مشروع "ساوث ميد" بالساحل الشمالي، على مساحة 23 مليون متر مربع؛ باستثمارات تريليون جنيه (21 مليار دولار).
ورغم أن مجموعة طلعت مصطفى القابضة أعلنت تلقيها خطابا من شركة "مصر للتأمين" بصفتها عضو بمجلس إدارة المجموعة، يفيد باستقالة أحمد كجوك من تمثيله لها في عضوية مجلس إدارة المجموعة نظرا لتعيينه وزيرا للمالية، إلا أن السؤال يظل قائما عن وجوده بمجلس الإدارة بينما كان نائبا لوزير المالية.
كما أن وزيرة التعاون الدولي رانيا المشاط، (48 عاما) التي جرى التجديد لها وضم وزارة التخطيط إلى عملها، تجمع بين منصبها الذي تولته في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، وعضوية مجلس إدارة "مصرف أبوظبي الإسلامي"، الذي تأسس عام 1997، وله أعمال واسعة في مصر.
وفي مواقف سابقة مشابهة، جرى تعيين وزيرة الاستثمار السابقة وزوجة رئيس البنك المركزي المصري السابق، داليا خورشيد منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2022، بمنصب الرئيسة التنفيذية لشركة "شيميرا للاستثمار" الإماراتية، المملوكة لطحنون بن زايد، والتي تواصل عمليات الاستحواذ على شركات مصرية.
وعلى نفس المنوال، ومنذ أيار/ مايو 2023، تترأس وزيرة الصحة المصرية السابقة الدكتورة هالة زايد، شركة متخصصة في تنمية وإدارة المشاريع الطبية في مصر، وذلك إثر خروجها من الوزراة على وقع قضية فساد وتربح طالت أسرتها.
"رأسمالية المحاسيب"
وفي إجابته على السؤال "كيف يسمح
السيسي بهذا العدد من الوزراء في حكومته والوزراء السابقين ليكونوا في خدمة شركات خاصة منافسة للقطاع الحكومي وأخرى عربية لها أطماع في السوق المصرية ومصالح؟"، قال الخبير الاقتصادي والمستشار الأممي الدكتور إبراهيم نوار: "هذا ما يسميه علماء الاجتماع والاقتصاد الجدد (رأسمالية المحاسيب)".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "وهو نوع من الرأسمالية التي لا أصل لها"، موضحا أن "أساس وجود رأسمالية المحاسيب هو الخدمة وتبادل المنفعة بين صغيرهم وكبيرهم"، مؤكدا أنها "بشكل عام نوع من الرأسمالية يعمل ضد النظام العام وضد الدولة".
"يملك الصندوق ومفاتحه"
وفي قراءته، قال السياسي والإعلامي المصري الدكتور حمزة زوبع، إن "النظام والجنرال كلهم في تضارب مصالح مع الشعب والدولة".
المتحدث السابق باسم حزب "الحرية والعدالة"، أضاف في حديثه لـ"عربي21": "طالما رأس النظام لا يؤمن بالعمل المؤسسي ولا بدور الحكومة ولا برقابة الشعب غير مجالسه المنتخبة، وطالما كل شيء ملك يمينه؛ فلا مجال للحديث عن تضارب أو تداخل فالرجل يملك الصندوق ومفاتحه".
وتابع: "إذا سألت المواطن العادي عن اسم وزير الاقتصاد أو وزير المالية أو وزير الزراعة، فلن يعرفهم أحد؟"، مبينا أن "هذا مقصود في حد ذاته"، مضيفا أنه "إذا سألت الوزير نفسه عن ميزانية وزارته أو المحافظ عن إيرادات وموارد وزارته فلن تسمع منه إجابة".
وأوضح أن "المحافظات والوزارات في جيب جاكيت الحاكم ومعهم الميزانيات"، متسائلا: "ألم تشاهده وهو يوزع الحيازات عبر الشاشة على المؤسسات والهيئات، وكأنه يوزعها من جيبه أو من ميراث والديه؟".
واستكمل زوبع، تساؤلاته: "وهل سألت نفسك أين مجلس النواب؟ وأين الرقابة الإدارية والمالية؟"، مجيبا بقوله: "إذا حكم العسكر غابت الشفافية وانتشر الفساد والمحسوبية والاستبداد".
وأضاف: "على ذكر تضارب المصالح، لماذا لم يتم الحديث عن علاقة أبناء الجنرال بالدولة، والسلطة؟ وهل هؤلاء رجال دولة وموظفين فيها أم أبناء حاكم العزبة أو الضيعة؟".
وخلص السياسي المصري، إلى القول: "لقد تم اختزال الدولة في السلطة، واختزال السلطة في الجيش، واختزال الجيش في الجنرال؛ وغدا يتم اختزال الجنرال في أولاده، ولا عزاء للمصريين والبقاء لله".
"تحالف فج بين السلطة والثروة"
من جانبه يرى الكاتب والمحلل السياسي المصري مجدي الحداد، أن "هذا التشكيل الوزاري يعد طعنة أخرى في ثورة يناير 2011، من ناحية، وفي خاصرة الدولة المصرية ذاتها من ناحية أخرى".
الحداد، وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح أن "هذا التشكيل يعكس في حقيقة الأمر، ومرة أخرى أيضا؛ عن تحالف السلطة والثروة ما يعد نكوصا ونكوثا عن ثورة يناير 2011".
وألمح إلى أنها حالة تتشابه كثيرا مع "سياسة حسني مبارك، التي كانت متبعة في أواخر عهده بالسلطة من ناحية إصراره بل وتكريسه لها من خلال نجله جمال، ولجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم، والتي كان يرأسها".
وأشار إلى أنها "كانت تدير مصر عمليا؛ داخليا وخارجيا، وكانت تقوم على سياسة تحالف السلطة والثروة، وهذا باختصار ما يفعله السيسي الآن، ولكن بطريقة أكثر فجاجة وغشومية".
ويرى الكاتب المصري أن "السيسي، زايد، على مبارك في فساده من هذه الناحية، من حيث اتباع أو بالأحرى ابتداع سنة سيئة أخرى، تعجل من الموت الإكلينيكي لنظامه، أو حتى للدولة ذاتها".
ولفت إلى "تعيين من يخرج من وزرائه في شركات كبرى يديرها الجيش، أو أحد من أنجاله من وراء ستار العرجاني؛ تماما كما كان يفعل جمال مبارك واحتكر صناعة الحديد، بالاستحواذ على شركة (حديد الدخيلة) من خلال ستار ملكية رجل الأعمال أحمد عز، والذي كان يعمل طبالا بإحدى الفرق الموسيقية".
وقال: "هنا نرى بجلاء الردة الواضحة على مكتسبات هذا الشعب، وما نادت به ثورة يناير 2011، وكأني بالسيسي يتحدى هذا الشعب بكل خطوة أو قرار يتخذه كل يوم أو كل ساعة، ويكون دوما ضد الصالح العام وحتى الخاص، وفي المقام الأول ضد مصالح الدولة المصرية ذاتها".
وتساءل: "كيف؟ ولماذا سمح السيسي بكل هذا العدد من الوزراء الذين يعملون في شركات خاصة، فضلا عن ما يثار عن وجود عدد من الوزراء اليهود في حكومته؟"، مجيبا بأن "تلك ردة أخرى لا تُحسب على الجيش فقط، ولكن تُحسب على دولة يوليو، من بدايتها، وحتى نهايتها".
وتمنى أن "تكون تلك النهاية قريبة، وبأقل الخسائر، وذلك ربما لكي يستفيد الجيش نفسه من (البيزنس) الذي تعقده تلك الشركات، وهذه الدول التي يعمل بها هؤلاء الوزراء".
وأكد أن "هذا يعود بنا إلى تحالف السلطة والثروة والسلاح، وأنه يعني في عهد السيسي، زيادة ومزايدة على فساد مبارك، والذي أقر فقط بتحالف السلطة والثروة من غير السلاح".
"لقمة تضمن الصمت"
وخلص للقول إن "إعادة تدوير الوزراء السابقين، في بيزنس الجيش وأولاد السيسي، ولو من وراء ستار شركات العرجاني، المقصود منه تحقيق أكثر من هدف، وهو ضمان سكوت هؤلاء الوزراء عن ما رأوه وعايشوه من فساد قاتل وهادم للدولة".
"وحتى لا يحدث مزيدا من الإثارة تزيد من هياج الشارع، الهائج أصلا، ضد السيسي، وأبنائه وشركاتهم، تعجل برحيل هذا النظام قبل أن يحقق ربما مزيدا من الأهداف التي لم يحققها بعد".
الحداد، عاود التساؤل: "لماذا نغضب من تعيين وزير سابق، ووزير حالي بشركات العرجاني، بينما كانت هناك تسريبات ترشح العرجاني، لمنصب نائب رئيس الجمهورية، كأول نائب مدني من خارج مؤسسة الجيش في دولة يوليو 1952، بعيدا عن تعيين البرادعي نائبا للرئيس المؤقت عدلي منصور، في 9 تموز/ يوليو 2013".
وفي إجابته على السؤال "هل السيسي يرضى وزراء حكوماته السابقين والحاليين بتلك المناصب، على طريقة إرضائه كبار ضباط الجيش والشرطة بمناصب مدنية وإدارات شركات عامة؟"، أشار إلى أن "ترضية الوزراء السابقين أسوة بالجيش حدثت من قبل".
وأوضح أنه "منذ عدة سنوات، عندما قرر السيسي زيادة الحد الأدنى لمعاشات الوزراء والمحافظين، إلى ما لا يقل عن 33 ألف جنيه شهريا".
وقال إن "تلك طعنة أخرى في العدالة الاجتماعية التي نادت بها ثورة يناير 2011، حيث يخرج الآن وكيل الوزارة، ومن هو بدرجة مدير عام بمعاش يقل عن 4 آلاف جينه، لا تكفي لسداد الإيجار الشهري لشقة متواضعة ومتوسطة المستوى".
وعن خطورة هذا الوضع على مفاصل الدولة المصرية والاقتصاد المصري والشعب المصري، لفت إلى أن أزمات الاقتصاد المصري تتواصل بفعل سياسات النظام، مشيرا إلى أن آخر المواقف المتأزمة جاءت على يد صندوق النقد الدولي.
وأشار إلى أن "الصندوق استبعد صرف الشريحة الثالثة من القرض الذي كان يتطلع إليه مدمن الاقتراض من الخارج؛ السيسي، لتوريط مصر أكثر وأكثر في ديون قد تعجز حتى عن سدادها أجيال أخرى قادمة، وذلك لعدم استيفاء الشروط التي وضعها الصندوق، والتي منها تخارج الجيش من الاقتصاد".