صحافة دولية

WSJ: هجوم الاحتلال على رفح وضع مصر في مأزق خطير

مدير البرنامج الأمريكي في مجموعة الأزمات الدولية: "الأحداث مهينة لمصر" - الأناضول
أدى هجوم الاحتلال الإسرائيلي على مدينة رفح في قطاع غزة إلى زيادة الضغوط على رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي للرد بقوة أكبر على دولة الاحتلال التي تربطها مع مصر سلام بارد منذ فترة طويلة، ولكن ينظر إليه أيضا بعين الشك العميق.

ونشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا للصحفيين جاريد مالسين وسمر سعيد، أكد أن مسؤولين مصريين قالا منذ بداية قيام الاحتلال بنشر قوات على طول الحدود الجنوبية لغزة في الأسابيع الأخيرة، "أصدر الجيش المصري تعليمات للجنود على الحدود بالرد على إطلاق النار إذا تم إطلاق النار عليهم". وأضافا أن مصر حذرت إسرائيل من أنها لن تتردد في الرد عسكريا إذا تعرض أمنها للتهديد.

ومع إعلان قوات الاحتلال الإسرائيلي هذا الأسبوع أنها تسيطر الآن على الحدود التي يبلغ طولها حوالي 9 أميال، فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي لا تبعد سوى بضع مئات من الأمتار عن الجنود المصريين الذين يتمركزون في مواقع على الجانب الآخر من سياج غزة. واحتمالات سوء التقدير مرتفعة.

وتحققت هذه المخاوف يوم الاثنين عندما أدى اشتباك نادر على الحدود إلى مقتل جنديين مصريين، وفقا لمسؤولين وأحد أفراد الأسرة، وأثار غضبا في الدولة العربية، حسب التقرير.

وذكر التقرير أن أحداث هذا الأسبوع سلطت الضوء على اثنين من أسوأ مخاوف حكومة السيسي: أن القتال قد يمتد إلى مصر، وأن حرب غزة يمكن أن تثير ثورة شعبية في أكبر دولة في الشرق الأوسط من حيث عدد السكان. وبالفعل، أدت سلسلة من المظاهرات الصغيرة المؤيدة للفلسطينيين في مصر إلى زيادة المخاوف بين مسؤولي الأمن من أن السخط العام قد ينقلب في نهاية المطاف ضد الحكومة.

وقال مايكل حنا، مدير البرنامج الأمريكي في مجموعة الأزمات الدولية والخبير في السياسة والأمن المصري، إن "الأحداث الأخيرة كانت "مهينة لمصر". وأضاف أن "عدم وجود أي رد سيكون محبطا لكثير من الناس"، حسب الصحيفة.

ولم ترد وزارة الخارجية المصرية على طلب الصحيفة للتعليق. ورفضت وزارة الخارجية الإسرائيلية التعليق.

وقالت دولة الاحتلال إن "السيطرة على الجانب الفلسطيني من الحدود مع مصر هو هدف رئيسي للحرب، بهدف قطع ما تقول إنها قدرة حماس على تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة. وقد شككت مصر في اتهامات إسرائيل بأنها لا تفعل ما يكفي للقضاء على تهريب الأسلحة. ويقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أيضا إن حملة رفح تهدف إلى تدمير ما تبقى من قوات حماس العسكرية في المنطقة"، وفقا للتقرير.

وعلى الرغم من بعض التهديدات المبطنة، استبعدت مصر العمل العسكري ضد إسرائيل في الوقت الحالي واختارت ما يسميه المسؤولون استراتيجية الاحتواء المصممة لزيادة الضغط تدريجيا على إسرائيل. وتشمل هذه السياسة اشتراط إعادة فتح معبر رفح – وهو طريق حيوي للمساعدات الإنسانية إلى غزة من مصر – بانسحاب الجيش الإسرائيلي من المنطقة وعودة السيطرة على المعبر إلى الفلسطينيين، والانضمام إلى قضية تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في محكمة العدل الدولية، وهو الاتهام الذي نفته إسرائيل. وإذا استنفدت مصر تلك الخيارات الأخرى، فسوف تقوم الحكومة بتجميد العلاقات مع إسرائيل بالكامل، وفقا لمسؤولين مصريين.

في وقت سابق من الحرب، أشاد الاحتلال الإسرائيلي بدور مصر كوسيط مع حماس في المحادثات التي أدت إلى إطلاق سراح أكثر من 100 رهينة تم أسرهم عندما اقتحمت الحركة التي تصنفها الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي على أنها إرهابية وقتلت أكثر من 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وفقا للمسؤولين الإسرائيليين. وقال تيموثي قلداس، نائب مدير معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، وهو مركز أبحاث مقره في واشنطن، إنه بعد عقد من تراجع مصر كقوة إقليمية، "أمضى السيسي الأشهر الثمانية الماضية في الاستفادة من هذه الأزمة لإثبات أهمية مصر الدبلوماسية".

منذ البداية، أدت الحرب أيضا إلى الضغط على الاقتصاد المصري المتوتر بالفعل، مع انخفاض عائدات قناة السويس بسبب انخفاض حركة المرور وسط هجمات المتمردين اليمنيين على طرق الشحن في البحر الأحمر. وأعلنت الحكومة مؤخرا عن زيادة أسعار الخبز المدعوم وخفضت قيمة العملة، وهي الإجراءات التي أضرت بشدة بالطبقة العاملة والفقراء المصريين، وفقا للتقرير.

ويتزايد غضب المصريين العاديين بشأن مسار الحرب مع تزايد عدد القتلى الفلسطينيين. وقال مسؤولون فلسطينيون إن هجوم الاحتلال الإسرائيلي على غزة أدى إلى مقتل أكثر من 36 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين، دون تحديد عدد المقاتلين.

وكانت مصر أول دولة عربية تعترف بإسرائيل. وبعد سلسلة من الحروب، طورت الدولتان شراكة أمنية مهمة منذ عام 1979، حيث أصبحت مصر حجر الزاوية في استراتيجية إسرائيل لكسب القبول في الشرق الأوسط. وعملت الأجهزة الأمنية في البلدين معا بشكل وثيق، لا سيما على مدار العقد الماضي في عهد السيسي، حيث تبادلت المعلومات الاستخباراتية للمساعدة في هزيمة متطرفي تنظيم الدولة الإسلامية في منطقة شمال سيناء في مصر.

وذكر التقرير أن العلاقات كانت دائما فاترة علنا ولم تمتد أبدا إلى الإسرائيليين أو المصريين العاديين، الذين لا يزورون بشكل عام بلدان بعضهم البعض أو يقومون بالكثير من التجارة معا.

وكانت أحدث نقطة اشتعال في أوائل شهر أيار/ مايو، عندما تجاهل الجيش الإسرائيلي التحذيرات المصرية من شن عمليته في رفح.

وقال مسؤولون مصريون إن الاحتلال الإسرائيلي أعطى مصر إشعارا قبل ساعات فقط بالعملية الوشيكة، والتي سيطر فيها على الجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدودي مع مصر. وأغلقت الحكومة المصرية جانبها من المعبر احتجاجا وهددت بتخفيض التمثيل الدبلوماسي المصري في إسرائيل.

ويقول المسؤولون المصريون إن وجود قوات الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة على طول الحدود مع مصر ينتهك شروط معاهدة السلام لعام 1979، التي تضع قيودا على عدد القوات التي يمكن لكلا البلدين نشرها بالقرب من حدودهما المشتركة. وتحظر المعاهدة على إسرائيل نشر الدبابات والمدفعية والأسلحة المضادة للطائرات في شريط ضيق على طول الحدود مع مصر، حسب الصحيفة.

وقال مسؤول إسرائيلي كبير إن إسرائيل "تتصرف دفاعا عن النفس ولا تنتهك أي اتفاق"، وفقا للتقرير.

وتساءل ضياء رشوان، المتحدث باسم الحكومة المصرية، في مقابلة مع قناة العربية الإخبارية في نيسان/ أبريل: "هل تفهم إسرائيل تماما معنى التحذيرات المصرية من الدخول إلى رفح؟ هل ستختار إسرائيل هذا الخيار على حساب السلام المستمر منذ 45 عاما؟".

وقد أعرب القادة العسكريون المصريون عن قلقهم بشكل خاص في الأسابيع الأخيرة بشأن وجود قوات إسرائيلية على مقربة من المجندين المصريين، الذين غالبا ما تلقوا تدريبا محدودا، على طول الحدود. بدأ الجيش المصري بتغيير الجنود كل بضعة أيام لتجنب السيناريو الذي يمكن فيه للجنود المصريين أخذ الأمور بأيديهم وفتح النار على القوات الإسرائيلية.

وفشلت هذه الاحتياطات في منع تبادل إطلاق النار المميت يوم الاثنين. واعترف الجيش المصري بمقتل جندي واحد فقط، وقال إنه يحقق في الحادث، في إطار نهج التقليل من أهمية الحادث علنا، وهو مؤشر على المخاطر التي ينطوي عليها الأمر بالنسبة للسيسي.

وأكد أحد أقاربه ومسؤولون مصريون مقتل جندي ثان. وفي جنازته في محافظة الفيوم الريفية بمصر جنوب القاهرة، قاد إمام حشدا من الناس في الصلاة والدعاء ضد من أسماهم "الخونة الصهاينة" ودعما لـ "مجاهدي فلسطين"، وفقا لتسجيل بث مباشر للجنازة.

وأدت سلسلة من الاحتجاجات الصغيرة في مصر إلى زيادة المخاوف بين مسؤولي الأمن المصريين من أن أي اضطرابات قد تنقلب في نهاية المطاف ضد الحكومة. منذ وصول السيسي إلى السلطة في انقلاب عام 2013، سجنت السلطات المصرية الآلاف في محاولة واسعة لإنهاء حقبة من الاحتجاجات الشعبية والاضطرابات في أعقاب ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس في ذلك الوقت، حسني مبارك.

اعتقلت السلطات المصرية 120 شخصا على صلة بالاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين منذ بدء الحرب، وفقا لقائمة المعتقلين التي جمعتها المفوضية المصرية للحقوق والحريات، وهي منظمة غير حكومية مقرها القاهرة.

وقال محمد لطفي، المدير التنفيذي للمفوضية: "بقدر ما يوجد تعاطف مع الفلسطينيين بشكل عام، هناك خوف من الانزلاق إلى حالة حرب، وهذا ما يدور في أذهان الجميع".
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع