1 ـ انعكاسات الضربة الإيرانية للكيان المحتل
بعد انتظار وترقب لما ستفعله إيران؛ فإنها
كالعادة لم تقدم شيئا؛ قُتل قاسم سليماني قائد الحرس الثوري؛ فردت بعض الفصائل
العراقية بضربات صاروخية على بعض المواقع العسكرية الأمريكية في العراق، ولم تكن
الضربات ذات جدوى، ولم تقتل جنديا أمريكيا واحدا، وقُصفت السفارة الإيرانية في
دمشق، وقتل فيها عدد من المستشارين العسكريين، وعلى رأسهم ثاني أكبر قائد في الحرس
الثوري الإيراني "محمد رضا زاهدي"، وجاء الرد محددا بزمن محدد وعدد محدد
من المسيرات والصواريخ؛ ما يعني أن إيران لا ترغب في الدخول في حرب مع العدو الصهيوني،
وتخشى أن تضطر إلى مواجهة الولايات المتحدة، أو بقصف الداخل الإيراني بما فيه
المفاعلات النووية.
ما كان يجب أن تفعله إيران ـ لولا خوفها من
ردود الأفعال
الإسرائيلية والأمريكية ـ أن تستمر في القصف، وأن تناور عسكريا لتسقط
بعض الصواريخ على مواقع حساسة في الكيان المحتل، وأن تنسق مع حزب الله للقيام بقصف
مكثف ومركز على الجبهة الشمالية لفلسطين وفي العمق؛ بحيث تُربك الدفاعات الجوية
بالتزامن مع عملية القصف الإيرانية.
اتضح لي شخصيا أن العملية التي قامت بها
إيران كانت لذر الرماد في العيون ليس أكثر؛ لقد قامت بما قامت به لاسترضاء شعبها
الغاضب، ومحاولة إقناع مؤيديها في العالم العربي بأنها قامت بواجبها النضالي؛ إلا
أن قصف الكيان المحتل بحد ذاته، ليس ما كنا ننتظره، بل نتائجه التي كانت للأسف،
نتائج مخيبة للآمال. ولعلي هنا أتصور بأن إيران راضية بما كان، وربما تحمد الله أن
نتائج القصف جاءت سليمة، حتى تأمن الرد الصهيوني الغربي، وكفى الله إيران القتال..!
إيران تسعى لمصلحتها، وتعمل بكل طاقتها للسيطرة على أكبر عدد من الدول العربية، وهي الآن تفرد جناحيها على كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن، والله أعلم أين ستكون غدا؛ لكنني في الحقيقة أهنئها على إنجازاتها، وأقرأ الفاتحة على الأنظمة العربية المتهافتة التي يحكمها حكام جهلة تافهون، تركوا بلادهم عارية من الوعي والثقافة السياسية والمواقف النبيلة والإحساس بالوطنية
لقد فعلت إيران ما فعلت وهي ترتجف خوفا
وقلقا، فما كان منها، بعد أن انتهت من عمليتها العسكرية، إلا أن أبلغت الولايات
المتحدة بأن عمليتها انتهت، وما ذلك إلا خوفا من احتمالات ما يمكن أن تفعله
الأخيرة بالاشتراك مع قوات الاحتلال، أو بإعطاء الأخيرة الضوء الأخضر للرد، أو
قيامها هي بعملية عسكرية منفردة بالنيابة عن قوات الاحتلال..
كانت الفرصة أمام إيران وحزب الله مؤاتية
جدا لاستثمار حادث القنصلية لإشعال عدة جبهات، والاستمرار في القصف لأيام، وهو ما
كان سيوقف العدوان على غزة، والذريعة متوفرة، لكن إيران وحزب الله لا يريدانها
حربا مفتوحة؛ حتى لو سقطت غزة وقتل كل شعبها.. ولا زلت أتذكر حسن نصر الله وهو
يبرر عدم دخوله بقوة في الحرب مع الكيان المحتل، بأن حجم القوة المستخدمة في
مواجهة العدو مرتبط بما يحدث في غزة، ولا أدري إن كان ما حدث ويحدث في غزة ليس
كافيا لتغيير حزب الله طريقته في التعاطي مع الكيان المحتل الذي كبده خسائر كبيرة
في أرواح الجنود والمدنيين؛ حتى لكأنني أحس بأنه يفتخر بعدد قتلاه، دون أن يتمكن
من قتل 13 جنديا صهيونيا، هي حصيلة ما سقط من جنوده في يوم واحد في 25 تشرين
الأول/ أكتوبر 2023!!
كما كانت الضربة الإيرانية الفاشلة للكيان
المحتل محسوبة بدقة، فإن هجمات حزب الله على شمال فلسطين محسوبة أيضا، وبدقة
متناهية؛ حتى لكأنك تحس بأن هناك تفاهما ضمنيا بين الأخير وقوات الاحتلال؛ (ضربة
بضربة، وجندي صهيوني بخمسين من حزب الله)؛ فما زال حزب الله والكيان المحتل
ملتزمين بقواعد الاشتباك التي لا تؤدي إلى حرب مفتوحة..
كنا نعلم بأن حزب الله لن يدخل في حرب حقيقة
مع الكيان المحتل، وأن الحديث عن وحدة الجبهات مجرد كلام مرسل ليس إلا؛ ذلك مع
إدراك حزب الله بأن غزة في خطر محدق، وأن تصعيده ضد الاحتلال سيكون له الأثر
الكبير في بقاء غزة وشعبها على قيد الحياة، حتى إنه لم يجرؤ على الثأر لمئات
الجنود والجرحى من المدنيين والعسكريين الذين سقطوا في القصف الإسرائيلي على
الجنوب، وظلت ردوده على ذات الوتيرة الباهتة التي لم يعد لدينا الرغبة في متابعة
أخبارها.. وهنا أتساءل: إلى متى يخبئ حزب الله صواريخه المدمرة التي ظل يفخر بها
طوال الوقت؟ وما جدوى وجودها تحت الأرض؟ وإن لم يكن هذا هو الوقت المؤاتي؟ فما هو
الوقت المؤاتي؟!
2 ـ القول بنظرية المؤامرة
التعاطي مع الأمور على أساس نظرية المؤامرة،
قد يكون أحيانا ضروريا، لكنه بات لدى بعضهم مرضا نفسيا، فكثيرون يتهمون حزب الله
وإيران بلعب المسرحيات مع الكيان المحتل والغرب، وأنهم غير جادين في زعمهم الرغبة
في تحرير الأقصى، ودعم القضية الفلسطينية.. صحيح أن ثمة حسابات إقليمية ودولية
ركيكة لدى إيران، وحزب الله بالتبعية، إلا أننا لا يمكن أن نتهمهما بالتآمر مع
الكيان المحتل والولايات المتحدة ، لكن ربما يتم التنسيق بينها وبين الأخيرة في
بعض الحالات التي تتطلب ذلك، ومن ذلك ما حدث في أفغانستان، وفي العراق قبل الغزو الأمريكي
وبعده، لكن ذلك ليس استراتيجية، بل هي لغة المصالح والدبلوماسية اللعينة..
فإذا كانت إيران تلعب على مسرح الأحداث
والمواقف، وتحتال على شعبها وعلى المؤيدين لها؛ فماذا يمكننا أن نقول عن دعمها
لحركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين؟ هل هي مسرحية أيضا؟ وهل حركة حماس جزء من هذه اللعبة؟ الأمور لا
تقاس بالعواطف، ولا بالأماني، ولا بالتخيلات غير المبنية على أسس واضحة.. أنْ أكره
إيران وحزب الله لوقوفهما في وجه الثورة السورية، وقتلهما السوريين، لا يعني مطلقا
أنهما خونة وعملاء، بل كل ما في الأمر أنهم يرون أن من مصلحتهم أن تظل سوريا
محكومة بزعيم هش يسيطرون عليه وعلى مقدرات البلد، وأن تظل سوريا ممرا آمنا إلى
لبنان وحزب الله.
إن ما قامت به إيران ومعها حزب الله في
سوريا من إجرام، لا يمكن أن يفسر بأنه خيانة، ولا أدري كيف يجرؤ مثقف على مثل هذا
الفهم المعوج.. إيران تسعى لمصلحتها، وتعمل بكل طاقتها للسيطرة على أكبر عدد من
الدول العربية، وهي الآن تفرد جناحيها على كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن،
والله أعلم أين ستكون غدا؛ لكنني في الحقيقة أهنئها على إنجازاتها، وأقرأ الفاتحة
على الأنظمة العربية المتهافتة التي يحكمها حكام جهلة تافهون، تركوا بلادهم عارية
من الوعي والثقافة السياسية والمواقف النبيلة والإحساس بالوطنية، والإخلاص للوطن،
وليس للعروش، فسلموا أوطانهم، بغباء منقطع النظير، لإيران وأذرعها في المنطقة..
لو كان ثمة دولة اسمها مصر تقف على أقدامها،
ويحكمها حاكم محترم، لما كان ما كان؛ لكننا اليوم نشهد مصر شبه الدولة، وحولها
أشباه دول، يحكمها صبية مخصيون.. يا لخيبة أمتنا وما صرنا إليه..!!