بينما يئن
مصريون من آثار سياسات رئيس النظام
عبدالفتاح
السيسي الاقتصادية، ويعجز بعضهم عن شراء كيلو من اللحوم أو دجاجة أو حتى بعضا من أرز أو بصل أو سكر أو زيت، فقد وصل حجم الإنفاق على إعلانات الطرق فقط 400 مليون جنيه (13 مليون دولار)
هذا العام، وذلك في طفرة صنعتها
الانتخابات الرئاسية التي بدأت الأحد وستستمر الاثنين
والثلاثاء.
وكشف رئيس "شعبة الدعاية والإعلان"
باتحاد الصناعات المصرية، أشرف خيري، لـ"الشرق بلومبيرغ"، أن مبيعات الإعلانات
الخارجية زادت 100 بالمئة هذه الفترة مقارنة بالعام الماضي، مؤكدا أنه "لا توجد
لافتة إعلانية فارغة بالشوارع والطرق الرئيسية للقاهرة الكبرى".
وأوضح أن حزبي (مستقبل وطن) و(حماة وطن)
-داعمان للسيسي الذي يحكم البلاد منذ 2014- يسيطران على نحو 95 بالمئة من الإعلانات
الخارجية، وهو المشهد الذي لا تخطئه عين في شوارع القاهرة والمدن وعواصم المحافظات
والريف والصعيد.
وتبلغ التكلفة الشهرية لوضع لوحة إعلانية
تعرض الإعلان على وجهتين بمنطقة التجمع الخامس (شرق القاهرة)، نحو 1.6 مليون جنيه،
بينما تكلفة وضع لافتة عند مداخل الأنفاق الرئيسية بالقاهرة، تصل إلى 60 ألف جنيه شهريا،
بحسب الموقع الاقتصادي.
المثير أن تلك المبالغ المنفقة على إعلانات
الشوارع فقط تتعدى بكثير جدا سقف الـ20 مليون جنيه الذي حددته "الهيئة الوطنية
للانتخابات"، لإجمالي الإنفاق على الدعاية الانتخابية.
ويتوقع مراقبون إنفاق مبالغ كبيرة على الانتخابات
الرئاسية بالداخل والخارج، وعلى الإشراف القضائي على الدوائر الانتخابية، وتجهيز المقار
الانتخابية، وتوفير الأدوات اللازمة لإتمام عملية الاقتراع من أوراق اقتراع وصناديق
وأحبار فوسفورية، وتوفير التأمين اللازم لها، ومكافآت القضاة وأعضاء اللجان الانتخابية.
وفي انتخابات الرئاسة عامي 2014 و2018 والتي
فاز بهما السيسي بنسبة أكثر من 95 بالمئة، فقد بلغت تكلفة الأولى 1.2 مليار جنيه، دفعتها
وزارة المالية، فيما تم إنفاق 300 مليون جنيه (17 مليون دولار)، تكلفة لتصويت المصريين
بالخارج، ونحو 900 مليون جنيه (51 مليون دولار) بانتخابات الداخل، في الثانية.
ويخوض السيسي، انتخابات رئاسية شبه صورية
أمام 3 مرشحين مغمورين، هم رئيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي فريد زهران، ورئيس حزب
الوفد عبد السند يمامة، ورئيس حزب الشعب الجمهوري حازم عمر.
وعمليا لا يوجد منافس للسيسي، بعد أن أزاحت
السلطات المرشح المنافس صاحب الحضور بين المعارضين المصريين أحمد الطنطاوي.
"تكاليف أخرى"
وبجانب تكلفة الإعلانات الخارجية، يجب حساب
باقي التكلفة الإعلانية في الفضائيات والإذاعات والصحف والمواقع وعبر الإنترنت، وما
تدفعه الحكومة المصرية لشركات العلاقات العامة في الداخل والخارج لتحسين صورة السيسي.
الشركة "المتحدة للخدمات الإعلامية"
التي تديرها وتمتلكها جهات سيادية مصرية وتمتلك بالبلاد أغلب الفضائيات والإذاعات والصحف
والمواقع الإلكترونية وشركات الإعلان وشركات الإنتاج السينمائي والدرامي، منحت المرشحين
الأربعة 100 دقيقة إعلانية بكافة وسائلها.
"اقتصاد يئن
وشعب مطحون"
في المقابل، تستجدي مصر صندوق النقد الدولي
للحصول على الشريحة الثانية من قرض المليارات الثلاثة، والبالغة 100 مليون دولار، كما
تلح في طلب تمويل جديد بنحو مليار دولار لإنقاذ البلاد من أزمات شح الدولار وتراجع
استيراد السلع والخامات وقطع الغيار والسلع الاستراتيجية.
وتعقد الانتخابات الرئاسية وسط جدول ثقيل
لسداد لمدفوعات الديون الخارجية، حيث إن هناك 42.26 مليار دولار تستحق عام 2024 وحده،
منها 4.89 مليار لصندوق النقد الدولي.
وهو ما يتزامن مع أزمة شح العملات الأجنبية
في البلاد ووجود نحو 4 أسعار للدولار مقابل الجنيه، أحدهما السعر الرسمي الذي يبلغ
30.82 جنيه، وثانيهما سعر السوق الموازية والذي تعدى 50 جنيها للدولار، بجانب تسعير
الذهب والسندات التي تفوق تلك الأرقام.
وكما تأتي الانتخابات وتكلفتها الكبيرة
وفق مراقبين، في ظل تفاقم أزمة البضائع المتراكمة بالموانئ بسبب أزمة الدولار، والتي
بلغ حجم المتراكم منها في أيلول/ سبتمبر الماضي 4.7 مليار دولار وفقا لتصريحات رسمية.
ويأتي إنفاق السيسي بالوقت الذي لا يستطيع فيه مصريون شراء البصل الذي
تعدى سعره بالسوق أكثر من 40 جنيها، ولا السكر الذي تعدى سعر الكيلو منه الـ50 جنيها.
وكذلك الأرز الذي وصل سعر الطن منه نحو
20 ألف جنيه ارتفاعا من 15 ألف جنيه في شهرين، ولا الخضروات والفاكهة مع تفاقم أسعارها
لمعدلات تاريخية حيث تسارع التضخم لمعدل قياسي بلغ 38 بالمئة في أيلول/ سبتمبر الماضي.
بل إن الانفاق على تلك الانتخابات يأتي
في ظل وصول الأزمة الاقتصادية في البلاد لحالة عجز حكومي عن توفير الوقود لتشغيل محطات
الكهرباء، ما دفع السلطات لتخفيف الأحمال، وقطع إنارة منازل المصريين بجميع أنحاء الجمهورية
مدة ساعة منذ الصيف الماضي جرى مدها لساعتين يوميا.
"سباق رجال الأعمال"
وبالحديث إلى رجلي أعمال عضوين في حزبي
"مستقبل وطن" و"حماة وطن"، فإنهما أكدا لـ"عربي21" أن
"النسبة الأكبر من الدعاية المنفقة على الإعلانات في الشوارع يتكفل بها رجال أعمال،
وكل في منطقته، وكذلك المصانع والشركات والمؤسسات التجارية والمحال أغلبها من يضع اللافتات".
وبينا أن "أغلب تلك التكلفة إلى جانب
الشوادر المنصوبة أمام اللجان، والخدمات المعاونة لتعريف الناخبين بمقراتهم الانتخابية،
وسيارات نقل المواطنين للجان الانتخابية، هم من يدفعونها كل في منطقة حضوره".
وأوضحا أن "الجميع يتسابق في عرض خدماته
والمزايدة على الآخرين بتقديم خدمة أعلى بينها الطعام والشراب، ونصب "الفراشة"
أمام المقرات الانتخابية، والدعاية عبر سيارات مجهزة بـ(دي جي) وميكروفونات تطلق الأغاني
الوطنية".
من جانبه أكد الحاج صبري "أحد أصحاب
محلات الفراشة أنهم يعملون منذ شهرين في وضع اللافتات الانتخابية بالشوارع وعلى البيوت
والمصانع، وأن من يدفعون لهم هم رجال الأعمال وأصحاب المحال".
ويرى وغيره من العاملين في مجال "الفراشة"
والإعلانات أنه "موسم يحل كل عدة سنوات ويمثل لنا مكسبا خاصا"، رافضا الإفصاح
عن حجم مكسبه هذا الموسم، ولا عن تكلفة رفع لافتة على 5 عروق خشبية بعرض الطرق الرئيسية.
ولكن، ماذا لو وفر السيسي هذا الإنفاق؟
ولماذا رغم الأزمة الخانقة لا يتوقف عن الإنفاق الباذخ؟ هذا السؤال توجهت به
"عربي21" إلى سياسيين ومحللين.
"هيهات ثم هيهات"
في إجابته قال الكاتب والمحلل السياسي مجدي
الحداد لـ"عربي21": "ليس من الإنصاف النظر لمظهر واحد فقط من مظاهر
تبديد المال العام، والمتمثل بالدعاية الانتخابية المبالغ فيها وبشكل غير معقول ولا
مقبول، ونهمل الصورة الكبيرة".
وأضاف: "وإن كان هذا البذخ غير المبرر
بانتخابات رئاسية هزلية عبثية بالفعل كاشف لسوءات النظام وعدم إدراكه، أو رؤيته، أو
إحساسه بما يمر بالبلاد، وبالشعب من أزمات اقتصادية صنعها حصرا وتسبب فيها إجمالا".
وتساءل: "وما الجديد بهكذا بذخ وإسراف
بدعايته الانتخابية المدفوعة من مال الشعب لا من ماله الخاص، رغم الأزمة الاقتصادية،
التي سبقتها أزمات أخرى منذ سنوات دون محاولة لوقفها أو التقليل من آثارها، بل تتفاقم
يوما بعد يوم".
وتابع: "ومع ذلك سلوكه وإسرافه الشخصي
لم يتوقف لحظة، وكأنه لا ينتمي لهذا البلد، ولا يعيش فيه، ومن ثم فليس لديه إحساس بمواطنيه
ومعاناتهم المالية، والاجتماعية، والصحية، حتى إن بعض مؤيديه شبهوه بـ(المغيب)".
وتساءل الحداد: "ألم تخبره بطانته
أن أطفال المرحلة الابتدائية أهم وأخطر مراحل التعليم والتي يتم عليها بناء أو هدم
مستقبل أي تلميذ؛ يفترشون الأرض، حيث البرد الشديد بفصل الشتاء، بفعل البلاط الذي يجلسون
عليه؟".
وأضاف: "لا نقول بتوفير ما أنفقه بالدعاية
لانتخابات هزلية، يعرف نتائجها مقدما حتى الأطفال في مصر، لبناء مدارس وفصول جديدة
أو مستشفيات، ولكن لشراء مقاعد للتلاميذ وتحسين الأحوال التعليمية؛ ولكن هيهات ثم هيهات
أن يحدث أي إصلاح بهذا العهد، وهذا الحاكم".
"تناقضات السيسي"
وأشار الكاتب المصري إلى "اقتراب الدين
الخارجي من 170 مليار دولار، ومصادر غير رسمية تقدره بـ200 مليار دولار، وأكثر ، بجانب
دين داخلي حوالي 6.7 تريليون جنيه، يقابلهما ناتج محلي حقيقي دون الـ400 مليار دولار، يمثل
الدين الخارجي أكثر من 50 بالمئة منه".
وأكد أنه "بهذا نكون وصلنا بالفعل
حد الخطر، خاصة مع هروب المال الساخن"، ملمحا إلى أن "أهم أعراض ذلك الخطر
اقتراض قروض جديدة لسداد أقساط وخدمة الدين السابق، وهو ما اعترف به وزير المالية محمد
معيط في أحد أحاديثه الإعلامية".
وختم حديثه بالقول: "هذا السفه، أو
إن شئت التخريب والتبديد الممنهج للموارد المصرية لم يحدث من قبل ليس بتاريخ مصر فقط،
ولكن بتاريخ دول العالم، وحتى أكثرهم قوة وثراء كأمريكا".