سياسة دولية

تقرير لـ"فاينانشال تايمز" يتناول تكتيكات الهجوم البري على غزة

ذكرت الصحيفة عن مسؤولين أن الاشتباكات في غزة ستكون شرسة، حيث قامت حماس بتدريبات على القتال في المناطق الحضرية - جيتي
رد الاحتلال الاسرائيلي على الهجوم الكبير الذي نفذته حركة حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر  الحالي بإطلاق أكبر حملة تعبئة في تاريخها متوعدة بحملة برية للقضاء على حماس، لكن الهجوم على غزة الذي نُفذ في نهاية هذا الأسبوع لم يكن بالشمولية التي توقعها البعض.

ونشرت صحيفة "فاينانشال تايمز" تقريرًا، ترجمته "عربي21"، أفاد فيه مسؤولون حاليون وسابقون بأن النطاق المحدود الذي اتخذته "إسرائيل" في بداية الهجوم الذي وصفه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه "المرحلة الثانية" من الحرب ضد حماس، يعود إلى مجموعة معقّدة من العوامل منها أن إسرائيل تسعى إلى تعزيز تفوّقها العسكري على حماس وتقليل خسائرها محاولة في الوقت ذاته تجنّب جرّ أطراف أخرى إلى النزاع.

ووفقًا لمصدر مطلع على الخطط القتالية الإسرائيلية، فإنه من الناحية التكتيكية، كان الحجم المحدود يعني إمكانية توفير دعم جوي أقرب للقوات البرية، مما يوفّر حماية حيويّة لدخول مناطق في شمال غزة حيث قضت حماس سنوات في بناء الدفاعات.

ونقلت الصحيفة عن أمير أفيفي، الذي شغل سابقًا منصب نائب قائد لواء غزة في جيش الاحتلال، قوله: "نحن لا نترك شيئًا للصدفة. عندما يتحرّك جنودنا، فنحن نفعل ذلك بقوة نيران هائلة وبوجود 50 طائرة في السماء تستهدف أي هدف متحرك".

وذكرت الصحيفة أن المسؤولين يشددون على أن الاشتباكات في غزة ستكون شرسة، حيث قامت حماس بتدريبات على القتال في المناطق الحضرية وأنشأت شبكة واسعة من الأنفاق الذي يطلق البعض عليها اسم "مترو غزة" تُستخدم لنقل المقاتلين والأسلحة دون الكشف عنها. ولدى هذه الجماعة ترسانة من الأسلحة المضادة للدبابات والمتفجرات المبتكرة.

ولفتت الصحيفة إلى أن القوات الإسرائيلية خاضت مواجهة مع عناصر من حماس خرجوا من نفق بالقرب من معبر إيرز الحدودي، وهو مثال حي على نوع المعارك التي يمكن توقعها.

وبحسب إيال هولاتا، الذي كان حتى وقت قريب من هذا العام رئيسًا لما يعرف بـ "مجلس الأمن الوطني الإسرائيلي"، فإن "القتال في المناطق الحضرية صعب بما فيه الكفاية، لكن القتال في أنقاض المناطق الحضرية أصعب بكثير. فهناك العديد من الأماكن التي يمكن للعدو الاختباء فيها وشن هجمات مفاجئة". وأضاف: "عندما تكون القوات الإسرائيلية في وضع ثابت، فإنها تصبح أكثر عرضة للخطر. لهذا السبب نراهم يتحركون ببطء ولكن بتأني، ويكونون في غاية الحذر عند تأمين المناطق التي يدخلونها".

وتكتّمت قوات الاحتلال الإسرائيلية بحسب تقرير الصحيفة بشأن التفاصيل الدقيقة لتوزيع قواتها في واحدة من أهم عملياتها على مر العقود. مع ذلك، يؤكد المسؤولون أن التعزيز التدريجي للقوات يهدف إلى تقليل فرص انضمام حزب الله، الجماعة المسلحة اللبنانية المدعومة من إيران التي خاضت حربًا طاحنة استمرت شهرًا مع إسرائيل في عام 2006، إلى الصراع.

وأشارت الصحيفة إلى أن الإبقاء على العدد المحدود للقوات المرسلة إلى غزة يعني كذلك إمكانية إعادة توجيه القوات بسرعة وسهولة نحو الشمال في حال انخرط حزب الله في الصراع، خاصة أن قواته شهدت تصاعدًا في التوترات الحدودية مع إسرائيل، وذلك حسب مصدر مطلع على الاستراتيجيات القتالية الإسرائيلية.

ووفقًا لدبلوماسي غربي فإن "إسرائيل توجه رسالة مدروسة بعناية بخصوص العملية البرية. هناك قلق من أن حزب الله وإيران قد ينظران إلى الهجوم البري على أنه دعوة للتصعيد، ولهذا السبب تتجنب إسرائيل وصف العملية بأنها غزو بري كامل".

ونسبت الصحيفة إلى يعقوب أميدرون، الزميل  في معهد الأمن القومي اليهودي في أمريكا والمستشار الوطني السابق للأمن القومي، تأكيده على أن الهجوم البري المحدود الأولي يعكس كذلك التزام نتنياهو بإضعاف حماس وطردها من غزة، وهو هدف طموح جداً يتطلب وقتاً لتحقيقه. وأضاف: "نحن أمام هدف استراتيجي لا يمكن تحقيقه في الأمد القريب. أتوقع أن تستغرق العملية من ستة أشهر إلى عام. نحن نشهد هنا حالة من الحذر التكتيكي وتقدير الأوضاع بدقة: لماذا نخاطر بخسارة المزيد من الجنود إذا لم يكن ذلك ضروريًا؟ كل هذا في ظل إدراك بأن الهدف كبير ويتطلب وقتًا لتحقيقه".

ويرى بعض المحللين أن الحجم المحدود للهجوم الأولي يشير إلى أن إسرائيل تركز على أهداف أقل طموحًا من الإطاحة الكاملة بحماس. كما يقول دبلوماسي غربي: "يبدو أنهم يهدفون أكثر إلى تقويض القدرات العسكرية لحماس واستهداف قادتها، وليس بالضرورة القضاء عليها بشكل كامل. ولكن الحقيقة هي أنهم لم يحددوا بعد بوضوح ما هو هدفهم النهائي".

وبحسب البيانات الرسمية، فإنها تصر حكومة الاحتلال على أنها لن تتأثر بالضغوط الدولية لكبح جماح قواتها المسلحة قبل تحقيق انتصار حاسم على حماس، التي تسببت هجماتها في السابع من أكتوبر في مقتل أكثر من 1400 شخص. ويؤكد الوزراء أن العمليات البرية الأولية ستزيد من الضغط على حماس لإطلاق سراح أكثر من 230 رهينة تم اختطافهم في ذلك اليوم.

وبينت الصحيفة أنه في يوم السبت، صرح بيني غانتس، عضو مجلس الحرب الإسرائيلي، بأنه "في هذه الحرب، لا نعتمد على 'ساعة دبلوماسية رملية'، بل نتبع ساعة عملياتية ونلتزم بمهمة إنسانية لإعادة المختطفين إلى أهاليهم. سنستمع إلى نصائح أصدقائنا، لكن في النهاية، سنتخذ القرارات التي تتوافق مع مصلحتنا".

وأعرب إيهود أولمرت، رئيس الوزراء السابق الذي قاد عمليات عسكرية كبيرة في غزة ولبنان، عن اعتقاده بأن إسرائيل ربما لا تمتلك الوقت الكافي الذي يظنه مجلس الحرب لتحقيق أهدافها، خاصةً في ظل الصور الصادمة للدمار في غزة التي تنتشر عالميًا.

ولفتت الصحيفة إلى أنه وفقًا للبيانات الصادرة عن السلطات الفلسطينية، فقد أدت الضربات الإسرائيلية إلى مقتل 8005 أشخاص وإصابة أكثر من 20,000 آخرين في غزة. كما حذّرت الأمم المتحدة من أن قرار إسرائيل بتقليص إمدادات الكهرباء والوقود والماء والمواد الأساسية إلى غزة بشكل كبير قد يؤدي إلى كارثة إنسانية.

ووفق الصحيفة؛ فقد تركزت التحركات الأولية للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة بالقرب من بيت حانون في الشمال والبريج في وسط القطاع. ويرى المحللون أن هذه الاستراتيجية قد تشير إلى محاولة إسرائيل تطويق مدينة غزة تدريجيًا، التي يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أنها تحتوي على الجزء الأكبر من البنية التحتية العسكرية لحماس.

وذكر أموس هاريل، الصحفي العسكري ومؤلف كتاب حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أن القوات الإسرائيلية تقدمت لمسافة تتراوح بين 3 و4 كيلومترات داخل القطاع، لكنها لم تبدأ بعد بخوض القتال الحضري إذ يبدو أن الاستراتيجية تعتمد على ممارسة الضغط، وإجبار مقاتلي حماس على الخروج من أنفاقهم لمهاجمتهم".

وأوضحت الصحيفة أن هاريس، المطلع على خطط القتال الإسرائيلية، أشار إلى أن المقاومة التي واجهتها إسرائيل حتى صباح يوم الأحد لم تكن "كبيرة"، وكان من غير الواضح لماذا لم تقم حماس بإطلاق المزيد من الصواريخ المضادة للدبابات على الآليات المدرعة الإسرائيلية عند دخولها إلى غزة.

مع ذلك، حذر البعض من تفسير رد فعل حماس بشكل مفرط في هذه المرحلة الأولى، خاصةً بعد أن أظهرت الأحداث في وقت سابق من هذا الشهر أن تقديرات إسرائيل لقدرات ونوايا حماس قد تكون قد أخطأت بشكل كبير. وفي تعليقه على الأحداث، قال هولاتا: "كل ما حدث منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول/ كان مفاجأة كبرى، ولذلك يجب أن نتعامل بحذر شديد عند إصدار أحكام حول ما يمكن أن تقوم به حماس أو لا تقوم به".
الأكثر قراءة في أسبوع