اختتمت فعاليات مؤتمر دولي نظمته جامعة جيليشيم التركية، الخميس، حول التحديات التي تواجه
الشرق الأوسط على مختلف الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مدينة إسطنبول بحضور لفيف من الأكاديميين والباحثين السياسيين ورجال السياسة.
وسيطرت أحداث معركة "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع
غزة على كلمات المشاركين في المؤتمر الذي بدأ الإعداد له قبل نحو شهرين، وامتدت أعماله على مدى ثلاثة أيام متتالية.
وعمل المؤتمر على تسليط الضوء على أسباب دوامة التوقعات السياسية وعدم اليقين التي أصبحت سمة لمنطقة الشرق الأوسط. وفي هذا الاتجاه تركزت جهود المشاركين على تقديم رؤى جديدة للبحث عن حلول للمشاكل السياسية للجهات الفاعلة الإقليمية من خلال خلق بيئة من النقاش العلمي بما يتماشى مع فهم متعدد التخصصات يدرس الديناميكيات التاريخية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية الفريدة للبلاد.
وتطرق المؤتمر الدولي إلى أبرز الأزمات التي تعصف بدول الشرق الأوسط على مدى العقدين المنصرمين، مثل النزاعات الإقليمية في جغرافية الشرق الأوسط، وحركات الهجرة، والصراعات العرقية والطائفية، وأمن الطاقة، والإرهاب، والحرب الأهلية.
كما تناول مواضيع التحول الديمقراطي، وحقوق الإنسان، وحرية الصحافة، فضلا عن التنمية الاقتصادية والازدهار والعدالة والتفاوت الاجتماعي.
"طوفان الأقصى أوقفت مساعي الغرب"
وقال أستاذ العلوم السياسية والفكر السياسي الدكتور سيف عبد الفتاح، إن الوقت قد حان ليجتمع المشروع التركي والإيراني والسعودي والمصري في مشروع واحد، يجمع دول الأركان ودول الحماية ودول الأطراف معا لتحرير الأمة وحماية مقدساتها.
وأوضح الباحث السياسي خلال كلمته الافتتاحية أن دول الأركان يُقصد بها مصر والمملكة العربية السعودية وإيران وتركيا، محذرا من أن الهدف الغربي الرئيسي إضعاف هذه الدول.
وبيّن أن دول الحماية تتمثل في كل من العراق وسوريا ودول المغرب العربي، والتي تعتبر حاضنة لرباعية دول الأركان. ومن ثم تحدث عن دول الأطراف موضحا أنها تترامى على امتداد الجغرافيا من طنجة إلى جاكرتا الإندونيسية.
وذكر عبد الفتاح أن الغرب يتبع منذ مدة طويلة ما يسمى بـ "سياسة شد الدول الأطراف" عن طريق تطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بهدف إضعاف القلب، الذي يتمثل في
فلسطين وقضيتها العادلة، مشيرا إلى أن معركة "طوفان الأقصى" أوقفت المساعي الغربية في هذا الصدد، وهو ما شكل فرصة لدول الأطراف والأركان والحماية لاستعادة القلب (فلسطين) والحفاظ عليه.
وكانت فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وفي مقدمتها "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" أعلنت بدء عملية عسكرية واسعة ضد الاحتلال تحت اسم "طوفان الأقصى" قبل عشرين يوما، ردا على انتهاكات الاحتلال المتواصلة بحق الفلسطينيين ومقدساتهم، وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك.
وفي السياق ذاته، أوضح المفكر السياسي أن جهود الغرب تبلورت في إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عما عرف بـ"صفقة القرن"، التي هدفت إلى إضعاف قلب الأمة وهدم الأركان بعد شد دول الأطراف، بحسب تعبيره.
وشدد الدكتور سيف عبد الفتاح على أن معركة "طوفان الأقصى" التي بدأتها المقاومة في السابع من شهر تشرين الأول /أكتوبر، فرضت على الغرب حلقة جديدة للتوحد من أجل إضعاف القلب، منوها إلى ضرورة وجود تكاتف عربي إسلامي في وجه التحالف الغربي.
وحذر من أنه في حال لم تتحد دول الأركان في مشروع واحد لمواجهة صفقة القرن، فإن الهدف الأول المتمثل في إضعاف القلب وهو فلسطين سيمتد بعد عملية "طوفان الأقصى" إلى إيران ومن ثم
تركيا انتهاء بالمملكة العربية السعودية لتكون مصر جائزته الكبرى، بحسب تعبيره.
وأوضح المفكر السياسي أن على تركيا أن تستغل الفرصة المتاحة لصناعة مكانتها على مستوى الأمة عبر مواقف حاسمة وليس بيانات غائبة. كما دعا في ختام كلمته إلى بناء عقل استراتيجي في الأمة لمواجهة مساعي صفقة القرن، مقترحا أن يكون هذا العقل في تركيا لما تتميز به من مكانتها الجغرافية التي تجمع بين الغرب والشرق، إضافة لما اجتمع فيها من علماء ومفكرين عرب أتوا إليها من كل حدب وصوب بعد الثورات المضادة التي أطاحت بثورات الربيع العربي.
"قيم الغرب سقطت في غزة للأبد"
بدوره، تحدث أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر، الدكتور محمد صالح المسفر، عن معركة "طوفان الأقصى" التي كبدت الاحتلال خسائر تاريخية.
وقال المسفر إن العملية التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية كانت بمثابة السقوط الأعظم للقيم الأوروبية والغربية، مضيفا أن مصطلحات حقوق الإنسان والديمقراطية التي يتشدق بها الغرب سقطت إلى الأبد في غزة التي تتعرض لإبادة جماعية أمام أنظار العالم.
ودعا المفكر السياسي إلى تقوية العلاقات الاقتصادية والعسكرية والأمنية بين تركيا والدول العربية والإسلامية من أجل تحقيق نصر عسكري للأمة جمعاء، بحسب تعبيره.
"عوامل تفجر ثورات الربيع العربي قائمة"
من جهته، تطرق الدكتور عمرو دراج، وزير التخطيط والتعاون الدولي المصري في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، في كلمته إلى التحولات الإقليمية التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط.
وأضاف الوزير المصري الأسبق أن الشرق الأوسط تواجه مصيرا غامضا على المدى القريب، موضحا أن قادة الثورات المضادة في العالم العربي لم ينجحوا في تقديم نموذج يقنع شعوب هذه الدول الشرق أوسطية بجدوى تحركاتهم ضد ثورات الربيع العربي التي أدت إلى إفشالها والإجهاز عليها.
وشدد دراج على أن جميع العوامل التي فجرت ثورات الربيع العربي في مطلع العقد الماضي لا زالت قائمة حتى الآن ولم يتم خلق حلول لها، بل على العكس تفاقمت وتزايدت أكثر وهو ما يدل على فشل الثورات المضادة التي انقضت على الربيع العربي. كما نوه إلى مساعي الولايات المتحدة لإعادة تفكيك وتركيب المنطقة بما يتوافق مع أهدافها.
وأشار الوزير المصري الأسبق إلى أن القوى الأساسية الموجودة في منطقة الشرق الأوسط هي تركيا وإيران ودولة الاحتلال، مبيّنا أن لكل قوة من هذه القوى أهدافا ومصالح خاصة بها تتعارض مع الأخرى، وهو ما يدفع إلى تحديات كبيرة في المستقبل وبالتالي مواجهة حتمية بين هذه الدول.
بناء عليه، توقع دراج أن تسود حالة من حالات الغموض وعدم الاستقرار على منطقة الشرق الأوسط على المدى القريب.
"في دائرة الصراع الدولي"
وفي سياق متصل، تحدث الدبلوماسي العراقي السابق الدكتور قيس النوري، عن استهداف منطقة الشرق الأوسط على مدى التاريخ من قبل القوى الدولية الكبرى لاعتبارات عديدة في مقدمتها الموقع الجغرافي المهم الذي تشكل تركيا بوابته نحو مداخله الجنوبية امتدادا إلى شبه الجزيرة العربية.
أوضح الدبلوماسي الذي عين سفيرا للعراق قبيل الغزو الأمريكي للعراق بأيام ما حال دون تقلده مهامه الرسمية، أن هذه المنطقة دخلت في صلب الاستراتيجيات الغربية في سعيها للتوسع والهيمنة، ومن ثم جاء اكتشاف النفط فيها مع بدايات العقود الأولى من القرن المنصرم، وهو ما وضعها في صلب مفردات الأمن القومي للدول الغربية.
وأضاف النوري أن المنطقة استهدفت عسكريا وسياسيا واجتماعيا في الحرب العالمية الأولى والثانية؛ لتتشكل على إثر ذلك خارطة سياسية جديدة نتج عنها ولادة دول وكيانات لم تخرج جوهريا عن قيود السيطرة والإمساك بها لتظل في دائرة الصراعات الدولية.
وأكمل أن بعض دول الشرق الأوسط تشكل بؤرا مركزية في اهتمامات الغرب نحو المنطقة، من بين أهم هذه الدول تبرز تركيا والعراق لاعتبارات جيوبوليتيكية تتشابك فيها عناصر عديدة.