كتاب عربي 21

الأخطر في صفقة ترميم وتطوير مساجد آل البيت بمصر!

مسجد الحسين- CC0
وقد انتهت "الهوجة" التي صاحبت افتتاح عبد الفتاح السيسي بصحبة سلطان البهرة وأولاده، لمسجد السيدة نفيسة بالعاصمة المصرية القاهرة، بعد تطويره، فإن الأخطر في صفقة تطوير وترميم مساجد آل البيت رضوان الله عليهم، لم يُقل بعد!

اللافت هنا أن هذه الصُحبة ليست الأولى، فهي تكرار لما حدث من قبل، ومر مرور الكرام بدون ضجة، وذلك بحضور سلطان البهرة في الهند والسيسي افتتاح مسجد الإمام الحسين بعد الانتهاء من تطويره، في نيسان/ أبريل من العام الماضي (2022). وقد ظن الجنرال أنه في كل مرة تسلم الجرة، مع أن هذا الافتتاح كان يستدعي وقفة خاصة، لأن النظام العسكري قرر أن يلعب على المكشوف إلا قليلاً، فتجاهل مخططه السابق في إدخال الغش والتدليس على الناس، والترويج بأن من قام بهذا التطوير هي مؤسسة مصرية، ليتم الإعلان بعد ذلك أن المشروع تقوم به طائفة البهرة، واستحق تكريماً خاصاً بمنح سلطانها "وشاح النيل"، الذي يُمنح بنص المادة (6) من القانون 12 لسنة 1972 بشأن الأوسمة والأنواط المدنية، لأولياء العهود ولرؤساء الوزارات من المواطنين وغيرهم ولنواب رؤساء الوزارات، ومن يُرى منحهم من رؤساء المجالس التشريعية أو حكام الأقاليم، وهو يعد الوسام الثالث في ترتيب الأوسمة والأنواط؛ بعد قلادة النيل، وقلادة الجمهورية!

ونظرة إلى الأسماء التي مُنحت هذا الوسام، فإنها شخصيات مصرية، من عمرو موسى، إلى عصمت عبد المجيد، وأنور المفتي، إلى د. رفعت المحجوب، وليس نهاية بالفريق العصار. وهي حفاوة بالسلطان الهندي، تتجاوز حفاوة رؤساء مصر السابقين به، ثمنا لما أنفقت يداه، وإن كان في تبرعاته الآن يرد الجميل للانقلاب العسكري الذي حافظ على وجودهم في مصر، والاستمرار في تأميم مسجد الحاكم بأمر الله بمنطقة الجمالية، والسماح لطائفته بالعمل والحركة، بعد أن سيطر عليهم الخوف بعد الثورة، لا سيما في عهد الرئيس محمد مرسي، واعتقدوا خلالها أن أيامهم في مصر صارت معدودة، فلن يستمروا فيها ليشهدوا عودة إمامهم الغائب، وعودة الدولة الفاطمية لتحكم مصر، وهذا جزء من عقيدتهم الدينية!

ولأن الإثم هو ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس، فقد حاول أهل الحكم إخفاء هوية الممول لعملية ترميم وتطوير مساجد آل البيت، الأمر الذي دفعني بعد الإعلان عن تطوير وترميم مسجد الإمام الحسين، أن أبث فيديو حمل عنوان "علامات استفهام حول جهة التمويل"، فلم يعلن القوم أن طائفة البهرة تقف وراء مشروع التطوير، وتم إعلان هذا على استحياء في افتتاح مسجد الحسين بعد تطويره، لكن الأمر اختلف عند افتتاح مسجد السيدة نفيسة، فقد تم الإعلان رسمياً عن أن سلطان البهرة هو من قام بعملية ترميمه وتطويره وتطوير محيطه، ضمن مشروع كبير خاص بتطوير مساجد آل البيت. فقد قرر القوم الجهر بالمعصية، وإذا لم تكن هذه معصية فلماذا سترها في البداية "الحاكم الضرورة" بطرف ثيابه؟!

لم يعلن القوم أن طائفة البهرة تقف وراء مشروع التطوير، وتم إعلان هذا على استحياء في افتتاح مسجد الحسين بعد تطويره، لكن الأمر اختلف عند افتتاح مسجد السيدة نفيسة، فقد تم الإعلان رسمياً عن أن سلطان البهرة هو من قام بعملية ترميمه وتطويره وتطوير محيطه، ضمن مشروع كبير خاص بتطوير مساجد آل البيت. فقد قرر القوم الجهر بالمعصية، وإذا لم تكن هذه معصية فلماذا سترها في البداية "الحاكم الضرورة" بطرف ثيابه؟!

عندما أعلنوا عن ترميم وتطوير المسجد الحسيني، تم الإعلان عن أن مؤسسة تسمى "مودة" يرأس مجلس إدارتها مفتي مصر السابق علي جمعة هي من ستتولى المهمة، (راجع جريدة الوطن 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2020)، وأن هذه المؤسسة بجانب نقابة الأشراف ومشيخة الطرق الصوفية، وقعت بروتوكولاً للقيام بالمهمة مع وزارة الأوقاف. وفي مرحلة لاحقة اختفت هذه الكيانات من عملية التطوير، لتظهر مؤسسة أخرى اسمها "مساجد" وقعت الاتفاق مع الوزارة، ونظمت احتفالية كبيرة بهذه المناسبة، حضرها وزير الأوقاف، والمستشار الديني برئاسة الجمهورية أسامة الأزهري، كما حضرها علي جمعة، بجانب محافظ القاهرة، واللواء أمير سيد أحمد؛ مستشار رئيس الجمهورية للتخطيط العمراني!

وإذا كان رئيس مجلس إدارة "مودة" هو علي جمعة، فإن المذكور هو رئيس مجلس الإدارة الشرفي لمؤسسة مساجد، وهي مؤسسة أنشئت حديثاً، ويتولى موقع رئيس مجلس إدارتها نيازي سلام، رئيس مجلس إدارة شركة إيديال، ورئيس بنك الطعام الذي تردد أنه من يجهز كراتين السلع الغذائية التي توزع تارة باسم حزب مستقبل وطن، وتارة باسم "تحيا مصر"، وفي الحالتين تحمل الكراتين صورة السيسي كدعاية له!

عندما اطلعت على أسماء أعضاء مجلس إدارة جمعية "مساجد"، لم أعثر بينهم على رجل أعمال واحد، فهم مجرد موظفين في السلطة، وأحدهم شغل موقع نائب رئيس جامعة الأزهر لفترة مؤقتة، ولأنه انتقد شيخ الأزهر، فقد اختاروه عضواً في البرلمان، لكنه، وغيره، صعدوا أم نزلوا هم على باب الله، ولا يملكون ثروات ليهبوها لوجه الله، ومن ثم قرروا بها تطوير مساجد آل البيت، لا سيما وأن التكلفة المعلنة في حالة مسجد الحسين هي 150 مليون جنيه، وعندما صدروا لنا هذه الجمعية بهذا الدور الكبير، قلت إن الموضوع خلفه "إنّ"؛ كناية عن الشك والريبة!

واللافت كذلك، أن وزارة الأوقاف التي كان وزيرها ضمن حضور احتفال جمعية "مساجد" بتوقيع البروتوكول مع الوزارة بتطوير مساجد آل البيت، نفت "ما يتردد من أنباء تشير إلى أن إدارة مسجد الحسين ستؤول إلى مؤسسة خيرية، فالوزارة هي الجهة الرئيسية في عملية الترميم، ومؤسسة مساجد شريك مساهم"!

وإن كان البيان نفى الإدارة، فلم ينف صفة أنها شريك (مجرد شريك) في الترميم، وأن الوزارة هي الأصل، فما الحاجة لشركاء، و"مساجد" مؤسسة حديثة ليس لها سابقة أعمال في هذا المجال، أو غيره من المجالات! ولا يمكن اعتبارها المالك الحقيقي للأموال المخصصة للتطوير والترميم!

لغز الشركة الألمانية:

وإن كان رئيس الجمعية نيازي سلام قد أعلن في الاحتفال أن تطوير مسجد الحسين هو باكورة عمل المؤسسة، وأن الجمعية عرضت تبرعها بالمهمة على السيسي، فأحالهم إلى الهيئة الهندسية، التي أوكلت المهمة لشركة المقاولين العرب!

ولم يسأل أحد القائمين على جمعية "مساجد "من أين لكم هذا؟ وما هي صفة الهيئة الهندسية ما دامت شركة المقاولين العرب ستقوم بالمهمة؟ لكن مثل هذه الأسئلة لم تعد تثير اهتمام الناس في ظل نظام حكم، تجاوز المعقول بمراحل، وذهب بممارساته إلى فضاء العبث، ومما فاجأنا في هذه المرحلة هو الإعلان عن أنه تم الاتفاق مع شركة "أس أل راس" الألمانية للقيام بالتصميمات، وقيل إن هذه الشركة رائدة في تطوير المساجد على مستوى العالم، وأنها شاركت في تطوير الحرمين المكي والنبوي!

لم يسأل أحد القائمين على جمعية "مساجد "من أين لكم هذا؟ وما هي صفة الهيئة الهندسية ما دامت شركة المقاولين العرب ستقوم بالمهمة؟ لكن مثل هذه الأسئلة لم تعد تثير اهتمام الناس في ظل نظام حكم، تجاوز المعقول بمراحل، وذهب بممارساته إلى فضاء العبث

والحال كذلك، فقد لعب الفأر في عبي، كناية عن الشك والريبة، فجمعية خيرية تتولى الأمر، وفي مسجد واحد كانت كلفة التطوير والترميم هي 150 مليون جنيه، ثم يُعرض الأمر على شركة ألمانية تتولى التصميمات، وهو تصرف غير مسبوق، فالشركات المصرية كافية للغرض، ولا نعرف شيئاً عن هذه الشركة، التي مقرها ألمانيا ومع هذا هي رائدة في تطوير المساجد على مستوى العالم، فهل كان الزج بالحرمين المكي والنبوي صحيحاً، أم من باب أدخل الغش والتدليس على الناس؟! ولماذا تم الأمر كله بالأمر المباشر؟!

لا بأس فهذا تبرع كريم من شركة مساجد، لم يحمّل ميزانية الدولة مليماً واحداً، وهي بعد ذلك من حقها أن تختار من ينفذ العملية، ولو كان شركة ألمانية رائدة في مجال تطوير المساجد على مستوى العالم، فمن دل عليها نيازي سلام؟!

لقد ثبت أن شكوكي في محلها، فعند افتتاح مسجدي الحسين والسيدة نفيسة اختفى نيازي سلام، واختفت جمعية "مساجد"، وظهر سلطان البهرة وأولاده جنباً إلى جنب مع عبد الفتاح السيسي، وتراجع للخلف الوزير المختص مختار جمعة، كما تراجع رئيس الحكومة، ولم تظهر الشركة المنفذة وهي شركة المقاولين العرب ولو للشرح للفاتحين، إذا اعتبرنا أن السيسي يمثل الهيئة الهندسية، ولا ذكر للشركة الألمانية، فهل كانت ستاراً لجهة ما، تماماً كما "مساجد"، والتي لم يحضر ولو رئيس مجلس إدارتها الشرفي علي جمعة الافتتاح المهيب؟!

اللعب على المكشوف:

لقد خرج المارد من القمقم، وتم الإعلان عن القائم الفعلي على أمر تطوير مساجد آل البيت، وهو سلطان البهرة، ولا صوت يعلو على وجوده، وإذا كان قد تم الإعلان عن الافتتاح يوم الجمعة (11 آب/ أغسطس الجاري)، فقد كانت المفاجأة في تبكير السيسي في عملية الافتتاح، ليس فقط لأنه يبتعد بطبيعته عن أجواء الزحام، فحتى الجمعة الأخيرة من شهر رمضان لا يصليها رسمياً خلافاً لتقاليد الدولة المصرية، ولكن لأن البهرة لا يصلون الجمعة انتظاراً لعودة إمامهم الغائب!

المقلق هو محاولة إخفاء القائم الحقيقي على عملية الترميم في البداية، والاختفاء خلف جمعية مودة، التي قالوا إنها ستبدأ بمسجد السيدة عائشة، ثم اختفت لصالح جمعية "مساجد"، والأولى يرأسها علي جمعة، في حين أنه الرئيس الشرفي للثانية التي بدأت بمسجد الحسين، فهل كان هذا ستاراً لإخفاء معالم الجريمة، ثم كان الرأي الغالب هو "اللعب على المكشوف"؟ ليكون السؤال هو: لماذا قبل علي جمعة أن يكون مجرد كوبري لعبور طائفة البهرة، إلى مساجد آل البيت، وكان السكوت على تمكينهم من مسجد الحاكم بأمر الله في منطقة الجمالية على مضض باعتباره كان عطية من الحاكم، لكن السادات ومبارك لم يطلبا من المؤسسة الدينية الرسمية ورموزها تغيير الحكم الديني من الطائفة، في حين جعلت السلطة الحالية من علي جمعة جسراً للعبور!

لماذا قبل علي جمعة أن يكون مجرد كوبري لعبور طائفة البهرة، إلى مساجد آل البيت، وكان السكوت على تمكينهم من مسجد الحاكم بأمر الله في منطقة الجمالية على مضض باعتباره كان عطية من الحاكم، لكن السادات ومبارك لم يطلبا من المؤسسة الدينية الرسمية ورموزها تغيير الحكم الديني من الطائفة، في حين جعلت السلطة الحالية من علي جمعة جسراً للعبور!

إن الأزهر الذي أجاز التعبد على مذهب الشيعة الاثني عشرية له موقف حاد من "البهرة" حد الإفتاء بخروجها عن الإسلام، وتواترت فتاوى دار الإفتاء المصرية التي تؤكد على ذلك، لأن البهرة تعتقد أن الوحي انقطع عن الرسول أثناء حياته، وانتقلت الرسالة إلى الإمام علي، وأنهم لا يعترفون بوجود الجنة والنار، وينكرون الحياة الآخرة، والعقاب الأبدي. واستمر الإفتاء على هذا النحو حتى في عهد الانقلاب نفسه بالفتوى الصادرة بتاريخ 18 شباط/ فبراير 2014، والتي حرّمت أكل ذبائحهم والزواج من نسائهم، بل إن علي جمعة نفسه أخرجها عن ربقة الإسلام!

وليظل ما لكسرى لكسرى وما لله لله، فلا مؤسسة الإفتاء الرسمية تحتج على الرئيس إذا التقى سلطان البهرة، ولا الرئيس يطلب منها العدول عن موقفها منهم!

لقد التقى عبد الناصر بسلطان البهرة، لكنه لم يمد جذور المودة معهم، والبداية كانت بالسادات، واستمر الحال على ما هو عليه في عهد الرئيس مبارك، مجرد صورة سنوية مع سلطان البهرة، مع الإعلان عن تبرعه بمبلغ عشرة ملايين جنيه، وهو المبلغ الذي لم يزد في عهد السيسي إلا في 2018 حيث بلغ ثلاثين مليون جنيه، ويتم الإعلان في كل عام على أنه تبرع لصالح صندوق تحيا مصر، قبل القفزة الكبرى بتطوير مساجد آل البيت جميعها. لكن كان عطاء السلطة في عهدي مبارك والسادات في حدود مسجد واحد، مع تمكينهم من العيش في انتظار عودة الدولة الفاطمية، بيد أن العلاقة ازدادت عمقاً في عهد السيسي؛ هو يريد المال ولا يلوي على شيء، وهم يريدون الحضور والتمكين، وقد رأوا نهاية حلمهم بأعينهم!

مبارك وإيران:

فمما أنتجته ثورة يناير هو هذا الحضور القوي للسلفيين في المشهد العام، ومن ثم بدأوا في التمكين لفكرهم، وفي الموقف المعادي للشيعة بشكل فصائلهم، حد تصوير أن مرور شيعي بجانب سني سيشيّعه، وهو المنطق الذي عارضته وقتئذ، وكنت مع الانفتاح على إيران والاهتمام بالسياحة الإيرانية، لكسر الحصار الخليجي المفروض على مصر، لكن السلفيين كانوا يعملون على استمرار الهيمنة السعودية، ورأيت أن استمرار هذه الهيمنة خطر على الثورة، لأن المملكة ضدها وضد خياراتها، فلماذا نرهن أنفسنا لها؟!

ولكي لا تبكوا على ما فاتكم، فقد كانت عاطفة الرئيس محمد مرسي مع الطرح السلفي في العلاقة بالإقليم، ولدى الإخوان ضعف شديد تجاه السعودية، لم يجعلهم البتة على استعداد لإغضابها ولو بشطر كلمة، ولو حاصرتهم، أو اتخذت منهم موقفاً عدائيا، وهذا أمر شرحه يطول، والخلاصة؛ ليس كل من تهواه يهواك قلبه، ولا كل من صفيت له قد صفا!

وعندما يئس الإيرانيون من إمكانية الحضور إلى مصر الثورة، عن طريق التيار الديني، دخلوها عن طريق اليسار وبعض أفراده. والحكم الإخواني منعهم من تملك قناة تلفزيونية، في وقت سمح لإعلام الإمارات بالعمل ربما بدون علم منهم، ولو فتشوا لتوصلوا للمالك الحقيقي. وتعرض الإيرانيون لعملية نصب من جراء التملك بالتحايل، وجاء الانقلاب ليحرمهم حتى من هذا مع أنهم أيدوه!

كان الإيرانيون يرون أن مبارك هو العقبة في طريق حضورهم لمصر، فاكتشفوا أن الحضور الديني هو أكبر عقبة، فلما رأوا الانقلاب اعتبروه فرصتهم، وبدأت وفود البعض إلى طهران، لكن في فترة معينة تم إغلاق الباب، ليصبح المفتاح بيد السلطة، فهي التي تطبّع وهي التي تعادي، وودّت لو أقامت علاقة مع القوم، لكنها تعمل حساباً دائماً لما قد لا تسامح فيه الولايات المتحدة الأمريكية، والتي قد تبدو ضعيفة وهي تطلب من النظام المصري تخفيف قبضته الأمنية، لكن الأمر يختلف فيما يتعلق بالعلاقة مع إيران، فحرّم ذلك على الأحزاب!

كان مبارك يناور معهم في أن القضاء المصري مستقل عندما يتعلق الأمر بإدانة معارض مشمول بالحماية الأمريكية أو بالحرج الأمريكي، للسكوت على ما يجري له من تنكيل، لكن عندما عرض عليه مصطفى كامل مراد، رئيس حزب الأحرار، تشكيل وفد من أحزاب المعارضة لزيارة إيران، فلا يجوز لهم تجاهل بلد بحجمها، قال له إن الأمريكيين سيغضبون إذا حدث، فلما عرض عليه تضليلهم بأن الأحزاب تصرفت من تلقاء نفسها، ولا ولاية له على المعارضة؛ علق: إنهم يعرفون البئر وغطاه، وأن سفرهم سيفسر على أنه تم برضاه!

هذا دفع كثيرا من البهرة في هذه الفترة لترك مصر، ثم شعورهم بأن أرواحهم رُدت إليهم بالانقلاب العسكري، فصدر من سلطانهم أول تصرف سياسي يخالف سلوك القوم، بإعلانه تأييد عزل الرئيس محمد مرسي، ومناصرة المسار الجديد، ثم استمر في دفع الملايين العشرة، إلى أن رفع القيمة في 2018 إلى ثلاثين مليون جنيه لصندوق تحيا مصر، ثم عاد مرة أخرى إلى الفئة القديمة؛ عشرة ملايين، قبل أن يتم القيام بمشروع كبير هو تأميم وتطوير مساجد آل البيت جميعها

إن وزارة الأوقاف في عهد الرئيس محمد مرسي، اكتشفت أن البهرة يقيمون في مصر على ذمة الوزارة، من خلال الأوراق الرسمية التي بمقتضاها تصدر لهم "الإقامة" من الجهات المختصة، وقد عطلت الوزارة الأمر، فظهر أحد الأجهزة السيادية يطلب سرعة إنهاء الأوراق لهم، لكن الوزارة اعتذرت عن عدم إتمام ذلك، وطلبت من الجهة السيادية أن تنهي لهم الأمر بطريقتها الخاصة، وهو ما فعلته بالفعل!

وإسناد أمر الإقامة للوزارة، إنما يدفع لضرورة مناقشة الحديث عن أنهم في مصر يمارسون التجارة، فالأصل في من يقيم مشروعاً أن يحصل بمقتضى ذلك على الإقامة، ولا حاجة لأن تقوم بذلك جهة رسمية كوزارة الأوقاف!

ومهما يكن، فهذا دفع كثيرا من البهرة في هذه الفترة لترك مصر، ثم شعورهم بأن أرواحهم رُدت إليهم بالانقلاب العسكري، فصدر من سلطانهم أول تصرف سياسي يخالف سلوك القوم، بإعلانه تأييد عزل الرئيس محمد مرسي، ومناصرة المسار الجديد، ثم استمر في دفع الملايين العشرة، إلى أن رفع القيمة في 2018 إلى ثلاثين مليون جنيه لصندوق تحيا مصر، ثم عاد مرة أخرى إلى الفئة القديمة؛ عشرة ملايين، قبل أن يتم القيام بمشروع كبير هو تأميم وتطوير مساجد آل البيت جميعها!

المشروع الإيراني:

إن مسجداً فقط تكلف ترميمه وتطويره 150 مليون جينه، هو مسجد الإمام الحسين، وإذا كانوا في البهرة أغنياء ومن كبار التجار الهنود، فهل تستطيع طائفة بعينها مهما كان ثراء الأعضاء القيام بهذه المهمة وحدها؟!

إن مشروع تطوير القاهرة الفاطمية، ومساجد آل البيت، مشروع إيراني بعنوان تطوير العتبات المقدسة، قُدم في عهد مبارك عبر وسطاء، لكنه رُفض، ثم أعيد تقديمه عن طريق أحد الشخصيات الشيعية المصرية وذلك في سنوات حكمه الأخيرة، وكان الحاكم الحقيقي هو جمال مبارك ورجاله، وهم مجموعة حساباتها مالية، كحسابات الحكم الآن، ولا يشغلها مقتضيات الأمن القومي، لكن وزير السياحة أحمد المغربي ومن بعده زهير جرانة، أقبلوا وأدبروا، وابتهجوا بالمشروع لأنه يتضمن ضمان الآلاف من الحجاج الإيرانيين في كل عام، لكن الهواجس الأمنية أرهقتهم!

وبصريح العبارة، وكما كانت جمعية مودة ومن بعدها مؤسسة مساجد، فضلا عن علي جمعة، كوبري لمرور البهرة وسلطانهم، فهل السلطان نفسه هو مجرد كوبري لإيران، مع تسليمنا بالخلاف بين الفرقتين!

الغموض الذي يحيط بعملية ترميم مساجد آل البيت، هو ما يدفع للقلق حقاً، فلماذا أخفوا سلطان البهرة في البداية؟ وأين جمعية مساجد، بل وأين علي جمعة؟ وما هي هوية الشركة الألمانية هذه؟!

عندما نعرف هوية الشركة الألمانية (الرائدة في تطوير المساجد على مستوى العالم)، فقد يسهل التوصل إلى ما إذا كانت نهاية الأمر عند البهرة، أم أنهم مجرد جسر يسمح لصاحب القسمة والنصيب بالعبور؟ وحتى لو توقف الأمر عند البهائيين وسلطانهم، فإن السؤال المطروح: أي بلد في الدنيا يمكن فيه السماح لأصحاب طائفة هي بحسب المؤسسات الدينية الرسمية خارجة عن الملة، أن تتمدد داخل عقلها وأن يصل نفوذها حد القيام على درة التاج من أماكن العبادة فيها، وما يصنف على أنها مساجد الدرجة الأولى، وما يمثله هذا من الخطر على الأمن القومي المصري؟!

إنني مع علاقة متكافئة مع إيران، ولا أرى مبرراً للقطيعة معها، لكن أن تكون مع دولة صاحبة إرادة، وليس سلطة تفرّط في أصول البلد، كما تفرط في عقيدته الدينية، إذا كان هناك مقابل مادي مجز!

ومع حق الناس في الاعتقاد، ومن بين هذا أن يكونوا شيوعيين أو شيعة، لكن سلوك "تاجر الخردة" قد يدفع بنا إلى أن يوجد من بيننا مَن ولاؤهم السياسي بالجملة للخارج، وهو ما كان يغلب على التفكير الأمني في عهد مبارك، بما ألقاه العملاء السلفيون في روع الأجهزة الأمنية ووصل إلى الموقف المتأخر من الطرق الصوفية، بأن من تصوّف فقد تشيّع ومن تشيع فقد صار تابعاً للسلطة الإيرانية!

إن الغموض الذي يحيط بعملية ترميم مساجد آل البيت، هو ما يدفع للقلق حقاً، فلماذا أخفوا سلطان البهرة في البداية؟ وأين جمعية مساجد، بل وأين علي جمعة؟ وما هي هوية الشركة الألمانية هذه؟!

إن الإثم هو ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس!

twitter.com/selimazouz1