يعود السجال بين
روسيا والغرب بزعامة
الولايات المتحدة حول إيقاف أو استمرار الآلية الأممية لإدخال
المساعدات الخاصة
بسوريا إلى عام 2020، حين بدأت روسيا تعلن بشكل دوري رغبتها في وقف هذه الآلية،
واستخلافها بآلية أخرى تكون بين طرفين فقط، هما الأمم المتحدة والنظام السوري.
السبب واضح، وهو محاولة تعويم النظام
قانونيا وسياسيا من البوابة الإنسانية، وهي البوابة التي أصبحت تختزل الملف السوري
في أروقة المجتمع الدولي، سواء داخل منظمة الأمم المتحدة، أو بين الدول الفاعلة في
الملف السوري.
لكن، منذ عام 2020، لم تصل الأمور في مجلس الأمن
إلى مرحلة إيقاف الآلية الحالية، بل ما زال المجلس يوافق عليها دوريا كل ستة أشهر،
مع إدخال تعديلات على هذه الآلية، أهمها برنامج "التعافي المبكر"، وهو
نهج يلبي حاجات التعافي في مرحلة الاستجابة الإنسانية للطوارئ، ويسمح بتوسعة
الاستثناءات الممنوحة للمنظمات غيرِ الحكومية في سورية، سعيا لتسهيل إشراكها في
أنشطة ومعاملات إضافية.
وبناء على هذه الصيغة، تم التوافق على دعم
البنى التحتية في
سوريا في مناطق المعارضة والنظام معا، وقد أعلن مكتب مراقبة
الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية (OFAC) على توسعة الاستثناءات حيال سوريا.
الأسباب الروسية
هل إدخال برنامج "التعافي المبكر"
هو السبب في بقاء هذه الآلية على قيد الحياة؟
نعم، هذا سبب مهم، لأنه يشكل بالنسبة لروسيا
مسارا قد يشهد تغيرات كبيرة فيه، تصب في نهاية المطاف لصالح النظام السوري، ولكن
أيضا ثمة أسباب أخرى، أهمها:
أولا، ما يزال النظام السوري، بسبب الأوضاع
الاقتصادية المتردية، بحاجة إلى استمرار إدخال المساعدات، وأية محاولة روسية
لإيقافها لن تدفع الغرب إلى إدخال المساعدات عبر بوابة النظام، ما يعني خسارة دمشق
لمصدر هام، لا على مستوى المواد العينية، بل أيضا على مستوى توفير هذه الآلية
للعملة الصعبة لدمشق، ناهيك بعمليات تطوير البنى التحتية في مجالات الكهرباء
والصحة والتعليم والبنى التحتية، وإن كانت هذه العمليات ما تزال في حدوها الدنيا.
ثانيا، البديل عن إيقاف هذه الآلية، هو
اللجوء إلى منظمات المجتمع المدني، الدولية والمحلية في الشمال السوري، وقد أعلنت
هيئة الإغاثة الإنسانية الدولية أنه يمكن استبدال الأمم المتحدة ووكالتها لإدخال
المساعدات بالمنظمات الدولية التي لا تعمل تحت إطار الأمم المتحدة، أو تكون هناك
عقود واتفاقات مباشرة مع المنظمات المحلية السورية.
ما يزال النظام السوري، بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية، بحاجة إلى استمرار إدخال المساعدات، وأية محاولة روسية لإيقافها لن تدفع الغرب إلى إدخال المساعدات عبر بوابة النظام، ما يعني خسارة دمشق لمصدر هام، لا على مستوى المواد العينية، بل أيضا على مستوى توفير هذه الآلية للعملة الصعبة لدمشق
وكشفت رئيسة الهيئة أن الفترة الأخيرة شهدت
تحضير منصة بديلة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، وهي
منصة "إنصاف" التي تأخذ على عاتقها دورا تنسيقيا لتوزيع المنح بين
المنظمات".
وتم إنشاء المنصة للحفاظ على استمرارية
المساعدة الإنسانية للمحتاجين، في المجتمعات المحلية ولتكملة الاستجابة الشاملة
وتستند إلى الاحتياجات الإنسانية وحدها.
ودعمت أربع دول هي: ألمانيا وفرنسا
وبريطانيا والولايات المتحدة إلى إنشاء الصندوق أو المنصة، على أن تقودها شركة
"آدم سميث" الدولية، مع فريق توجيهي ومساعد من المنظمات المحلية السورية
والدولية.
لكن المشكلة تكمن في هذا المسار، فإدخال
المساعدات يجب أن يدخل إلى الشمال السوري عبر الأراضي التركية، ما يعني أن
تركيا
ستكون هي الطرف الأساسي فيه، وهذا أمر قد يؤدي إلى توتر، بل اشتباك سياسي بينها
وبين روسيا من شأنه أن يتطور إلى نزاع أوسع، يدفع موسكو إلى اللجوء لأساليبها
التقليدية في الضغط، والمتمثلة بشن عمليات عسكرية في الشمال الغربي من سوريا، ما
يهدد المشروع التركي بأكمله هناك.
لا تفضل أنقرة على الإطلاق تسميم علاقاتها
بروسيا في هذه المرحلة، وربما يكون هذا أحد الأسباب المخفية في استمرار الآلية
الأممية للمساعدات، وهو أن إيقاف الآلية سيدفع أنقرة بالضرورة إلى إدخال المساعدات
عبر أراضيها بحكم التأثيرات السلبية الكبيرة التي ستنعكس عليها في حال لم تصل
المساعدات إلى الشمال السوري، وهو ما تدركه موسكو جيدا.
ثالثا، يسمح استمرار هذه الآلية باستمرار
قنوات الاتصال المباشر بين روسيا والولايات المتحدة، وقد عبر مسؤول أميركي في جنيف
عن ذلك، حين قال إن عدم تمرير قرار التمديد سيؤدي إلى قطع قنوات الحوار التي
بالكاد بدأت موسكو تفتحها مع واشنطن.
على الرغم من المعطيات السابقة، أرادت روسيا
تسجيل سابقة، وهي أن الموافقة على الآلية الأممية بصيغتها المعتمدة منذ منتصف 2020
لم تأت منها، بل جاءت من النظام السوري الذي أعلن موافقته منح الأمم المتحدة
ووكالاتها المتخصصة إذنا باستخدام معبر باب الهوى لإيصال المساعدات الإنسانية إلى
شمال غرب سورية لمدة ستة أشهر، شرط أن يكون هذا الأمر بالتنسيق مع حكومة النظام،
وهو تأكيد على سيادة "الدولة السورية".