كتاب عربي 21

إنقاذ الجندي فوزية

كشفت أزمة الجنود المصريين في السودان عن مدى نفوذ السيسي- تويتر
تساءل كاتب هذه السطور، إن كانت وزارة مسافة السكّة ستصنع مسلسلاً مصرياً على غرار فيلم "إنقاذ الجندي رايان" الأمريكي، يكون اسمه "إجلاء فرقة فوزية"؛ لعل المسلسل يردّ بعض الكرامة إلى "الشعب الثاني"، شعب علي الحجار وإلهام شاهين، بعد أن أهان جنود تاجر الإبل فرقة الصاعقة، وجعلهم يزحفون مثل دود الأرض مذكّرين بمشاهد نكسة حزيران المذلّة.

وظهر هنا أمران، أولهما، أن جنجويد حمدان حميدتي دقلو أهانوا "خير أجناد الأرض" في مصر والسودان، والثاني، أن شأن حميدتي يكبر ويعظم، حتى إن قادة أمريكا يخاطبون البرهان وحميدتي على "جزمة" المساواة، ويدعونهما إلى ضبط النفس والحفاظ على الهدنة ثلاثة أيام حتى ينتهي عيد الفطر، يعودان بعدها إلى إكمال الشوط الثاني من المباراة، لتدمير السودان على رؤوس أهله. فالحرب ستطول، والقوى العظمى ستعمل على أن تنتهي بخسارة الطرفين، ويكون المغلوب هو السودان أرضاً وشعباً ودولة.

وثمة أمر ثالث لم نقّدره قدره، وهو أن أمريكا تعظّم شعائر المسلمين وأعيادهم، بل إن نتنياهو أمر بعدم التعرض للمسجد الأقصى في العشر الأواخر، أما في العشرين الأوائل فهو مباح ومستباح.

قرأنا تغريدات لكاتب مصري ملء السمع والبصر والقول، قد أخذه الحماس الوطني والحمية الجاهلية، وهو يسمع فوزية، يقول للغزاة إنه النقيب المسؤول، فعدَّ الكاتب قول فوزية شجاعة وبطولة في عصر تحويل الجنس. وقد رأينا السيسي يسرّب صوراً لجنود مصريين يزحفون على بطونهم ويُجلدون ويُهانون في معسكرات التدريب، فوجدت أن ما فعله حمدان حميدتي بفوزية لا يقلُّ عن فعل السيسي بخير أجناد الأرض.

السيسي وحميدتي أخوان في الرضاعة والفظاعة.

حاولت منصات مصرية ستر الفضيحة، فالجيش المصري هو الصنم الأكبر في مصر، وقد أهين من لدن زعيم عصابة، وكانت السلطة المصرية قد حرّمت نشر أخبار أسر فرقة الصاعقة، وزعمت تغريدات قيادية وسيادية أن فرقة فوزية "177" قد أنقذت بالتعاون مع الجيش السوداني، وأن فرقة أخرى اسمها الرمزي GIS، وهي أسماء رمزية تشبه أسماء استخبارات أمريكية، وتعابير الأفلام الجاسوسية، قد أنقذت فرقة فوزية ونقلتها إلى قاعدة دنقلة بمساعدة المجموعة "27" وعادت بها إلى حضن الوطن.

وكان نور الشريف قد عمل فيلماً اسمه "131 أشغال"، وكلمة السر بين رفاق السلاح هي "زغللة"، ولعلها من البلح الزغلول والله أعلم. وكان أحد رفقاء الفيلم اسمه GR، وهي أسماء أمريكية بوليسية وتشويقية، وزعمت تغريدات رئاسية أن فرقة أخرى اسمها 777 (على غرار رمز جيمس بوند العميل السري) وإن التبس باسم منتوجات سمن ومنظفات، فسبعة رقم مقدس وهو سبع الأرقام.. قد أنقذت فوزية، وأغضت التغريدات عن تدمير تاجر الإبل طائرتين من طيارات خير أجناد الأرض، فعسى أن تقدم فرقة مصرية اسمها فرقة "الفور كات" وتنتقم من حمدان حميدتي، وتصادر أثمان الطائرتين إبلاً وجمالاً وجدياناً، كما فعلت مع شركة ألبان جهينة وغيرها من شركات الإخوان المسلمين وشركات الإخوان غير المسلمين.

ما لبثت بلابل السيسي على تويتر أن أجبرت على تصويب التغريدات الوطنية المتفاخرة وتبديل الأغاني والألحان، بعد رسائل إماراتية منذرة من غرف العمليات، فنسي أصحاب التغريدات نشيد "بشرة خير" القومي والأخوّة بين الصعيدي والبور سعيدي، واستخدام القوة الغاشمة، فشكرت وزارة الخارجية الإمارات في بيان رسمي:

"أعلنت جمهورية مصر العربية نجاح الجهود التي قامت بها بالتنسيق والتعاون مع دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة لتأمين سلامة باقي الجنود المصريين المتواجدين في جمهورية السودان لدى قوات الدعم السريع، وتسليمهم إلى سفارة جمهورية مصر العربية في الخرطوم. وأعرب البلدان الشقيقان عن تقديرهما للصليب الأحمر الدولي لما بذله من جهود في دعم عملية تأمين سلامة الجنود المصريين".

ورأينا السيسي في اليوم التالي لغزوة مطار مروي، يتزعم اجتماعاً للحربية وبعض القادة وهو بالزيّ المدني في مكتب فاخر، ويخطب واحدة من خطبه العصماء، بنبرة برنامج همسات الليل التي اشتهر بها، ويقول إن قواته الصاعقة كانت للتدريب ( بريء والله العظيم يا حميدتي)، وليس لمؤازرة طرف ضد طرف. فالطرفان، الجيش السوداني وجيش دقلو على سواء، والسيسي ما يزال من دول عدم الانحياز. وكنت أوهم نفسي الخاطئة المذنبة -أنا صاحب هذه السطور- بأنَّ السيسي سيظهر مرتدياً الزيّ العسكري المرقّط برقط النمور والفهود، وهو يرتدي النظارة السوداء مثل حسين فهمي بطل أغنية خلِ بالك من زوزو؛ حتى يضفي على مظهره الوسيم مزيداً من الغموض والوعيد، ويقول:

أوصيت الجيش باستعمال الفانيليا الغاشمة، والضرب بيد من بسكويت على كل من تسوّل له نفسه إيذاء فوزية وإهانتها، لكن ظنّ كاتب السطور خاب، وأظن أن فرقة فوزية ستُستقبل من الرئيس عند عودتها، وأنّ رئيس عاشر أقوى جيش في الأرض، وآسر قائد الأسطول السادس وقلوب العذارى والأيامى، سيذهب إليهم على دراجة، ويربّت على أكتاف المحررين وقد وقفوا على خط الجمبري بالزيّ العسكري (خط عسكري مثل خط بارليف وخط ماجينو)، ويثني عليهم ويعظهم باحترام أمهاتهم وخالاتهم وعمّاتهم.. إن له جنوداً من كعك وعسل أسود.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه ويضربها هو:

لماذا يهين ابن زايد حليفه ومولاه السيسي كل هذه الإهانة، ولم يكتف بما فعله به مذيعه فيصل بن حريز، مقدم "برنامج القصة"، في القمة العالمية للحكومات، وأحبَّ تحلية المحادثات بحلوى من السيرك السياسي، فقّدم تلك النمرة، وأخذ دور المطرب في الفرح، فحيّا كبير الإمارات عدة مرات، وكانت ذروة النمرة هي أن يتوسل إليه وريث الفراعنة، أصحاب الحضارة العتيقة؟

أما سبب إهانة حميدتي فرقة الصاعقة المصرية، فهو إخزاء السيسي في محل اعتزازه وفخره، وتذكيره بفضل سيده في الإمارات، وأن براعة مصر الأولى هي في النِمَر والمقالب وليس في الغزو العسكري، وأن ابن زايد هو "واكل الجو والبر والبحر"، وتلك الأيام نداولها بين الناس.

نستخلص بعض الخلائص مما جرى، وهو أن السيسي يصغر، وأن حميدتي يكبر، وهو جنرال مغامر، اتصل به معظم رؤساء العالم يستعطفونه على الهدنة، ومنحوه شرعية سياسية وعاملوه معاملة البرهان القذة بالقذة والجزمة بالجزمة. وأن الرجل علا كعبه، فقد تعهّد للوافدين بفتح المطارات لنقل رعاياهم، وأصبح عالمياً "إنترناشيونال" ويغرد بالإنجليزية (بحساب يدار من عفاريت الإمارات) ويحارب الإرهاب والإسلاميين، فنحن أمام حفتر سوداني يسعى إلى إقامة الديمقراطية بالحديد والنار.

نخلص إلى فائدة من هذه المصيبة التي حاقت بالسودان، وهي أن مصر استثناء بين الدول التي أجلت رعاياها المدنيين بقوات عسكرية مثل السويد وألمانيا وسواهما، فقد أجلت عساكر صاعقتها بشفاعة ووساطة مدنية هي الإمارات، ودينية هي الصليب الأحمر!

وأغلب الظن أنَّ السودان سيجري لها "كوبي بيست" من صورة ما جرى لأخواتها العربيات سورية والعراق واليمن وليبيا، وأنَّ إثيوبيا هي أحد الكاسبين، وأنَّ الإمارات العربية المتحدة تتسع وتمتد أكثر من سبع إمارات، وأنّ طرفاً ثالثاً يريد الانتقام لبني إسرائيل الذين أذلّهم فرعون قديماً، ويردّ الصاع القديم أصواعاً كثيرة، بتسليم البلاد إلى زعماء صائعين.

twitter.com/OmarImaromar