ما زال
استئناف
العلاقات السياسية بين
إيران والسعودية يترك تبعاته وأصداءه في دولة الاحتلال، التي تشهد حربا ضارية بين معسكراتها السياسية والحزبية، وبدأت على الفور بمهاجمة بعضها حين أعلنت الرياض وطهران عن تقاربهما، في وقت عاشت فيه دولة الاحتلال أربع سنوات من
الفوضى السياسية التي أحدثت أضراراً جسيمة في خطابها الاستراتيجي، وباتت تقترب من نقطة
اللاعودة في مجموعة متنوعة من القضايا.
مايكل
ميلشتاين خبير الشؤون العربية، وراز تسيمت المتخصص في الشؤون الإيرانية، أكدا أن
"أحد الأضرار الجسيمة لتقارب
السعودية وإيران أن ما شهدته
إسرائيل في السنوات الأربع الأخيرة من الفوضى التي ابتليت بها هي فقدان القدرة على تشخيص دقيق للواقع، وبات كلّ
تحد استراتيجي ينشأ من الداخل والخارج لا يتم تحليله بشكل موضوعي، بل يتم وصفه بأنه
إنجاز لحزب سياسي واحد، أو دليل على فشل هائل للطرف الآخر".
وأضافا
في مقال مشترك نشرته صحيفة "
يديعوت أحرونوت"، وترجمته "عربي21"، أنه "بدلاً من صياغة رد مناسب على الإعلان المشترك لطهران والرياض، فقد بات الإعلان
سلاحا جديدا يتم استخدامه في إطار تبادل الضربات بين المعسكرين المتنافسين، وجاء تجديد
العلاقات بين إيران والسعودية دليلاً على نفس الخلل الإسرائيلي، فسارع السياسيون الإسرائيليون
لاستغلال الاتفاقية لمهاجمة بعضهم، وإلقاء اللوم على خصومهم".
وأكدا
أن "زعيم المعارضة يائير لابيد عرّف الاتفاق بأنه فشل كامل وخطير للسياسة الخارجية
للحكومة الإسرائيلية نتيجة الانشغال بـ"الجنون القانوني". وردّا على ذلك
ألقى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو المسؤولية على حكومتي نفتالي بينيت ويائير لابيد،
واتهمهما بعدم اتخاذ موقف قوي بما فيه الكفاية عندما بدأت المحادثات بين طهران والرياض
قبل حوالي عام، رغم أن الجولة الأولى من محادثاتهما حدثت بالفعل قبل شهرين من تولي
حكومتهما مهامها".
وأوضحا
أنه "من الناحية العملية، فإن الاتفاق السعودي الإيراني لا ينبع من سلوك إسرائيلي،
بل من تطورات إقليمية ودولية واسعة، حيث تسعى السعودية لتخليص نفسها من المستنقع الذي
وجدته في اليمن، وتخفيف التوترات مع إيران التي هاجمت منشآت وقود المملكة في 2019،
فيما تسعى إيران لتخفيف الضغط الدولي عليها، وإنهاء الدعم السعودي لقناة "إيران
الدولية" التلفزيونية، باعتبارها أداة رئيسية ضدها في موجة الاحتجاجات في الأشهر
الأخيرة".
وأشارا
إلى أنه "من المرجح بغض النظر عن هوية رئيس الوزراء الإسرائيلي، فإن الخطوة السعودية
الإيرانية كانت ستدمج في نهاية المطاف على شكل اتفاق يعكس فشل إدارة بايدن تجاه السعودية،
وصورة سيئة في واشنطن في الشرق الأوسط، فيما يظهر النفوذ الإقليمي المتزايد للصين التي
لعبت دورًا رئيسيًا في الوساطة بينهما، وحتى في الملف النووي، يواصل السياسيون في إسرائيل
لوم بعضهم في الفشل الاستراتيجي".
وأوضحا
أنه "في الآونة الأخيرة أعرب مسؤولون كبار في تل أبيب عن ارتياحهم لتقارب مواقف
إسرائيل والولايات المتحدة مع استمرار تقدم إيران نحو العتبة النووية، فيما يواصل لابيد
تقديم فشل مفاوضات العودة للاتفاق النووي بأنه نجاح حكومته، مع أنه يُعزى "الفضل"
في المأزق الذي أدى للمحادثات النووية بشكل أساسي إلى طهران التي حالت مواقفها المتعنتة
دون توقيع الاتفاق المتجدد في اللحظة الأخيرة، خاصة عقب قرارها بيع وسائل حربية لروسيا،
وقمعها الوحشي لموجة الاحتجاجات، ما أدى لتفاقم الضغط السياسي والاقتصادي".
وختما
بالقول إن "هذه التخبّطات تذكّر بالتصريح الشهير لهنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي،
وجاء فيه أن "إسرائيل ليس لديها سياسة خارجية، بل سياسة داخلية فقط"، ما
ينعكس سلبا على معالجتها للتحديات الأمنية، وعدم صياغة سياسة منظمة طويلة الأمد، وقبل
كل شيء اتخاذ قرارات مصيرية، بدءًا بالنووي الإيراني، ومستقبل العلاقات مع الفلسطينيين،
وفي بعض هذه القضايا، تقترب دولة الاحتلال، أو وصلت بالفعل، من نقطة اللاعودة، ما
يفاقم تحدياتها، وقد ينتهي بتحطيم الدولة على حين غرّة، وهي في وضع الدونية السلبية.
تكشف
هذه الانطباعات المتشائمة أن رد الفعل الإسرائيلي على الاتفاق السعودي الإيراني يكشف
عن تعبير وخطاب ضحل سائد على المستوى الاستراتيجي، وهو واضح في قضايا أخرى مثل الاتهامات
المتبادلة بشأن النجاحات والفشل في القضاء على المقاومة الفلسطينية، مع أنه في عهد
حكومتي نتنياهو وبينيت - لابيد اندلعت موجات تصعيد، والإشارة لتعزيز التطبيع مع دول
المنطقة، واستمرار استراتيجية المعركة بين الحروب ضد إيران ووكلائها على الجبهة الشمالية.
ما يحمله
الاتفاق السعودي الإيراني من إحباط إسرائيلي يضاف للمزيد من الظواهر السلبية التي تزيد
من التصدعات الأمنية لدولة الاحتلال، مروراً بالتهديدات التي تواجه الاقتصاد، وانتهاءً
بما يشعر بعد أعداؤها وهم يرون استهدافا إسرائيليا ذاتياً على المكونات التي كانت ذات
يوم مصدرًا لحصانة الدولة، بدليل حجم الأضرار الخطيرة التي لحقت بخطابها الاستراتيجي،
وكأنها بدأت بدفع ثمنها، ومن المتوقع أن يكون أثقل، أو سيتفاقم، إذا استمر انقسامها
الداخلي.