نشر موقع "
ميدل إيست آي" مقالا تحليليا للكاتب أوسكار ريكت، قال فيه إن الولايات المتحدة والإمارات تتجهان إلى المواجهة بسبب التهرب الروسي من
العقوبات، حيث تستضيف أبوظبي العديد من الشركات الروسية منذ بداية الحرب في أوكرانيا في 24 شباط/ فبراير 2021.
ولجأت عديد المؤسسات الروسية إلى
الإمارات بسبب العقوبات الغربية التي فُرضت على موسكو بسبب غزوها لكييف، حيث قال الكاتب إن أبوظبي أصبحت واحدة من الوجهات الرئيسية للشركات الروسية التي تغادر أوروبا، وللأثرياء الروس الذين يتركون
روسيا.
وأشار ريكت إلى أنه في خلال 2022؛ السنة التي بدأت فيها موسكو حربها في أوكرانيا، زاد حجم التجارة بين روسيا والإمارات بنسبة 68 بالمئة، ووصل إلى مستوى قياسي بلغ 9 مليارات دولار.
وأثار هذا الأمر قلق الولايات المتحدة، إذ بدأ صبر واشنطن ينفد سريعًا حيال الإمارات، وهي ترى حليفتها تواصل مساعدة روسيا على التهرب من العقوبات المفروضة في أعقاب غزو أوكرانيا، بحسب الكاتب.
وتعتزم إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن فرض نوع من الإجراءات ضد أبو ظبي؛ بحسب الموقع الذي نقل جوناثان وينر، المبعوث الأمريكي الخاص السابق إلى ليبيا والباحث غير المقيم في "معهد الشرق الأوسط" قوله: "بالتأكيد يفضل الإماراتيون عدم الاضطرار إلى الاختيار بين روسيا والولايات المتحدة، لكن في هذه الحالة لا يمكنك أن تكون محايدًا، وأي حياد مفترض هو في الواقع دعم روسيا".
وتاليا نص المقال كاملا الذي ترجمته "عربي21":
في نهاية شهر كانون الثاني/ يناير؛ سافر وفد رفيع المستوى من الولايات المتحدة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، بقيادة بريان نيلسون، وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، وسبقت الرحلة مذكرة دبلوماسية خاصة تنص على أن المسؤولين الأمريكيين يريدون مقابلة أعضاء رفيعي المستوى من عائلة آل نهيان الحاكمة في أبو ظبي.
كان هدف الأمريكيين من الذهاب إلى الخليج هو مواصلة التنسيق بشأن التمويل غير المشروع وقضايا إقليمية أخرى، منها الحديث عن كيفية استخدام روسيا للإمارات للتحايل على العقوبات الغربية، ثم أعقبت هذه الزيارة بوقت قصير زيارة من جيمس أوبراين، رئيس قسم العقوبات في وزارة الخارجية الأمريكية.
أوبراين - الذي كان يعمل في مجموعة أولبرايت ستونبريدج، وهي شركة استشارية أنشأتها وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت بعد تركها للحكومة في عام 2001 - هو عضو ديمقراطي داخلي منذ فترة طويلة يعود إلى أيام بيل كلينتون حين عمل كمبعوث رئاسي خاص لمنطقة البلقان، وهو مقرّب جدًا من وزير الخارجية الحالي، أنتوني بلينكين، ومن سوزان رايس، مستشارة السياسة الداخلية لجو بايدن، التي كانت مستشارة باراك أوباما للأمن القومي.
إن نشاط هذه الزيارات لم يكن مصادفة، إذ بدأ صبر واشنطن ينفذ سريعًا حيال الإمارات، وهي ترى حليفتها تواصل مساعدة روسيا على التهرب من العقوبات المفروضة في أعقاب غزو أوكرانيا.
يوم الحساب قادم، مع عزم إدارة بايدن فرض نوع من الإجراءات ضد أبو ظبي؛ حيث قال جوناثان وينر، المبعوث الأمريكي الخاص السابق إلى ليبيا والباحث غير المقيم في "معهد الشرق الأوسط" لموقع "ميدل إيست آي": "بالتأكيد يفضل الإماراتيون عدم الاضطرار إلى الاختيار بين روسيا والولايات المتحدة، لكن في هذه الحالة لا يمكنك أن تكون محايدًا، وأي حياد مفترض هو في الواقع دعم روسيا".
في الأسبوع الماضي، برزت الإمارات كبلد "محل اهتمام" من واشنطن، حيث قالت إليزابيث روزنبرغ، المسؤولة في وزارة الخزانة الأمريكية، إن الشركات الإماراتية صدرت ما قيمته أكثر من 18 مليون دولار من البضائع إلى "كيانات روسية مصنفة من قبل الولايات المتحدة" بين تموز/ يوليو وتشرين الثاني/ نوفمبر 2022.
ووفقًا لروزنبرغ، فإن 5 ملايين دولار من ذلك المبلغ تتكون من بضائع أمريكية المنشأ تخضع لسيطرة الولايات المتحدة على الصادرات إلى روسيا، بما في ذلك أجهزة أشباه الموصلات، ويمكن استخدام بعضها في ساحة المعركة.
في سنة 2022؛ السنة التي بدأت فيها موسكو حربها في أوكرانيا، زاد حجم التجارة بين روسيا والإمارات العربية المتحدة بنسبة 68 بالمائة، ووصل إلى مستوى قياسي بلغ 9 مليارات دولار.
وأثناء استضافته نظيره الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان في سانت بطرسبرغ في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتطور المستمر للعلاقات الثنائية بين البلدين.
دوبيغراد (نسبة إلى لينينغراد)
تحتل الإمارات موقعًا إستراتيجيًا بين آسيا وإفريقيا، وأصبحت - وخاصة إمارتي أبو ظبي ودبي - واحدة من الوجهات الرئيسية للشركات الروسية التي تغادر أوروبا، وللأثرياء الروس الذين يتركون روسيا.
انتقل الروس الأقوياء الذين كانت لهم أعمال في لندن أو سويسرا، إلى دبي أو أبو ظبي، حيث يمكنهم الاستمرار في أعمالهم والقيام بأنشطتهم المعهودة دون لفت للانتباه.
وفقًا لما ورد في النشرة الإخبارية للصيد البحري؛ شوهدت اليخوت الفارهة للمليارديرات الروس الخاضعين للعقوبات - بما في ذلك أندريه سكوتش، و"ملك النيكل" فلاديمير بوتانين ورجل الأعمال الفولاذي ألكسندر أبراموف - في مرسى ميناء راشد، بالقرب من مصب خور دبي.
وفي آذار/ مارس الماضي، رُصد مالك نادي تشيلسي السابق لكرة القدم رومان أبراموفيتش، وهو أيضًا ملياردير روسي يخضع للعقوبات، يبحث عن منزل في نخلة جميرا بدبي.
وقال مصرفي استثماري بريطاني لموقع "ميدل إيست آي": "لقد انتهت لندنغراد إلى حد ما"، في إشارة إلى الوجود الساحق للأموال والأعمال الروسية في مدينة لندن.
وأضاف: "هناك قائمة عقوبات ضخمة والكثير من الناس يشعرون بالقلق عندما يتعلق الأمر بأي شيء يتعلق بروسيا.. هناك عدد هائل من الشركات ذات المسؤولية المحدودة والشركات الوهمية في الإمارات العربية المتحدة التي يمكن استخدامها في هذا العمل".
ووفقًا لأوليفيا أليسون، وهي مستشارة مستقلة تبحث في التدفقات المالية من الإمارات العربية المتحدة وخارجها إلى روسيا، فإن الحكومات الغربية تبحث في التهرب من العقوبات في الإمارات العربية المتحدة فيما يتعلق بالهياكل النفطية والمالية والشركات، والتجارة في السلع الخاضعة للعقوبات وذات الاستخدام المزدوج.
انتقل الكثير من الروس العاملين في الخدمات المهنية إلى دبي منذ بداية الحرب. في هذا الشأن؛ قال إيفان، عامل التكنولوجيا الروسي الذي كان يعيش ويعمل في دبي ولم يرغب في الكشف عن اسمه الكامل: "أستطيع أن أقول إن الجالية الروسية هنا نمت بشكل كبير منذ بدء الحرب".
وأضاف: "الكثير من الوكالات الإبداعية والمطورين واستوديوهات الإنتاج، وعدد قليل من العلامات التجارية للبيع بالتجزئة، كلهم يحاولون إنشاء بديل هنا في الإمارات العربية المتحدة".
الروس الذين ينتقلون إلى دبي أغلبهم أثرياء، وكثير منهم ليسوا من مؤيدي الحرب أو فلاديمير بوتين، لكنهم ما زالوا يعملون لدى الشركات الروسية لأنه ليس لديهم طريقة أخرى للحفاظ على أسلوب حياتهم.
ومثلها مثل الشعب الروسي، تنتقل الشركات الروسية من أوروبا إلى الإمارات، ولا سيما دبي.
وقالت أليسون لموقع "ميدل إيست آي": "أعتقد أن الإمارات العربية المتحدة هي الخيار الأكثر جاذبية لأن الجميع موجود هناك".
وأضافت: "يعمل العديد من الروس الخاضعين للعقوبات عبر دبي، ويتمثل الدور الرئيسي الذي تلعبه الإمارات في كونها وسيطًا، بما في ذلك في الماضي فيما يتعلق بالتهرب من العقوبات الأخرى، هناك الكثير من المعرفة حول كيفية الالتفاف على العقوبات".
وسبق أن اتهمت الولايات المتحدة الشركات الإماراتية بتسهيل التهرب من العقوبات الإيرانية.
وقالت أليسون: "من السهل جدًا إخفاء هوية التجارة في الإمارات ومن السهل جدًا إخفاء الملكية الحقيقية للشركات".
ولطالما كانت هذه هي الكيفية التي استخدمها اللاعبون الأقوياء المثيرون للجدل، سواء في الخليج أو في مدينة لندن، والهدف هو التخفي، وهكذا يمكن للأوليغارشية الروس الخاضعين للعقوبات إنشاء شركات بأسماء أقربائهم.
منطقة عبور للبضائع المتجهة إلى روسيا
وفقًا لمحلل جيوسياسي مقيم في دلهي، فإن البضائع - غالبًا من المواد الغذائية - تأتي من جميع أنحاء العالم إلى روسيا عبر الإمارات العربية المتحدة، وقال هذا المحلل الذي فضل عدم ذكر اسمه: "روسيا لم تكن مستعدة لحرب طويلة"، وأضاف: "على سبيل المثال، نفد منهم ورق المراحيض. وتأتي البضائع والمنتجات من الهند أو سنغافورة أو ماكاو أو من أي مكان آخر، ويتم تمريرها عبر الإمارات العربية المتحدة - عادةً دبي ولكن في بعض الأحيان أبو ظبي - ثم يتم نقلها بعد ذلك عبر الميناء، كبضائع تحمل علامة "المنشأ: الإمارات العربية المتحدة".
الآن، تُعدّ الإمارات العربية المتحدة مليئةً بالوسطاء الذين يعملون نيابة عن الروس والكيانات الأخرى الخاضعة للعقوبات. وفي مملكة مليئة بالتمويل والتجارة ورجال الأعمال من جميع أنحاء العالم، فإن فرصة إبرام صفقة - بما في ذلك مع الأمريكيين - قائمة دائمًا.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر من السنة الماضية، تم توجيه اتهامات لخمسة مواطنين روس واثنين من تجار النفط في نيويورك في إطار مخطط عالمي للتهرب من العقوبات وغسيل الأموال.
أحد الروس، يوري أوريخوف، كان يقيم في دبي، وكان يتباهى باستخدام "أسوأ البنوك في الإمارات" -على حد وصفه- كجزء من خطة "للحصول بشكل غير قانوني على التكنولوجيا العسكرية الأمريكية والنفط الذي تبيعه فنزويلا من خلال عدد لا يحصى من التحويلات التي تشمل الشركات الوهمية والعملات المشفرة".
وتعليقًا على القضية، قال وكيل مكتب التحقيقات الفيدرالي جوناثان كارسون: "سنواصل تطبيق ضوابط التصدير غير المسبوقة التي تم تنفيذها ردًا على الحرب الروسية غير القانونية ضد أوكرانيا، ويعتزم مكتب إنفاذ قوانين التصدير ملاحقة هؤلاء المخالفين أينما كانوا في جميع أنحاء العالم".
وقال المحلل المقيم في دلهي، والذي يقدم المشورة لحكومة إقليمية كبيرة، إنه يعتقد أن القيمة الحقيقية لهذا النوع من التجارة التي تتهرب من العقوبات يتم التقليل من شأنها بشكل خطير وأنه لا توجد طريقة حقيقية لإنشاء أرقام أكثر دقة.
يشير"موقع ميدل إيست آي" إلى أن بعض البنوك الكبرى وشركات البيع بالتجزئة محبَطة أيضًا من التضحية بالأرباح المتاحة لأولئك الذين يصلون إلى السوق الروسية، إذ تخلت العديد من الشركات الغربية عن التجارة مع روسيا ليس بسبب العقوبات ولكن لأنها تعلم أن القيام بذلك سيكون علاقات عامة سيئة.
وتمت ملاحظة التركيبة السكانية المتغيرة في دبي من قبل المقيمين الأجانب منذ فترة طويلة، وقال رجل إنجليزي، عاش في دبي منذ 10 سنوات، لموقع "موقع ميدل إيست آي": "من الصعب ألّا تلاحظ تدفق الروس، لقد جاءوا بأعداد كبيرة".
وأضاف: "أكبر مشكلة بالنسبة للمقيمين على المدى الطويل مثلي هي أنهم جميعًا أثرياء للغاية، لذا فهم يرفعون أسعار العقارات والإيجارات، بينما تكلفة المعيشة هنا تجعل الكثير من الناس يفكرون في المغادرة".
تاريخ من الضغوطات
يعود الانزعاج الأمريكي من الإماراتيين إلى سنوات أوباما على الأقل، عندما كانت الإمارات العربية المتحدة تعمل على تعزيز العلاقات مع موسكو؛ حيث توسطت الإمارات في اجتماع سري في كانون الثاني/ يناير 2017 بين إريك برنس، مؤسس شركة "بلاك ووتر" الأمنية، وكيريل ديميترييف، الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار المباشر الروسي، وهو صندوق ثروة سيادي روسي.
وكان الاجتماع مع برنس، الحليف المقرب لدونالد ترامب، جزءًا من جهد واضح لإنشاء قناة خلفية بين موسكو والرئيس القادم، وفقًا لمسؤولين أمريكيين وأوروبيين.
ومنذ ذلك الحين؛ تقاربت المصالح الروسية والإماراتية في ليبيا، حيث تم النظر إلى تطلعات موسكو في الغالب من خلال أنشطة "مجموعة فاغنر"، وهي جماعة مرتزقة خاصة تعمل في سوريا وأوكرانيا وجمهورية إفريقيا الوسطى ويقودها مساعد بوتين يفغيني بريغوزين.
ويُعتقد أن مقاتلي فاغنر، الذين تم نشرهم في ليبيا بموافقة موسكو في سنة 2019، قد تم تمويلهم من قبل الإمارات، على الأقل في البداية.
في واشنطن؛ تمتع الإماراتيون بقدر كبير من النفوذ خلال سنوات ترامب. وعلى الرغم من أن السفير الإماراتي في الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، هو أحد أفضل الدبلوماسيين الإماراتيين، إلا أن العاصمة الأمريكية انزعجت من جماعات الضغط التي تعمل نيابة عن أبو ظبي.
ومنذ سنة 2016؛ أنفقت الإمارات أكثر من 154 مليون دولار على جماعات الضغط، وفقًا لسجلات وزارة العدل الأمريكية التي نشرها موقع "ميدل إيست آي" في كانون الأول/ديسمبر 2022.
وكان إليوت برويدي وجورج نادر، اللذان عملا على الضغط ضد قطر نيابة عن الإمارات والسعودية، أمثلة بارزة. وتم توجيه لائحة اتهام إلى توم باراك، حليف ترامب، بتسع تهم ناجمة عن ممارسة الضغط لصالح الإمارات العربية المتحدة، وتَبيّن أنه غير مذنب في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022.
وقال جوناثان وينر لموقع "ميدل إيست آي": "حظي الإماراتيون خلال إدارة ترامب بامتياز التأثير الهائل على السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من خلال العلاقات الشخصية التي طوروها مع أشخاص في البيت الأبيض، وقد يفضلون الوقوف على جانبي القضية الروسية الأوكرانية لانتظار عودة محتملة لترامب أو نسخة عنه، لكن الأحداث الجارية قد لا تسمح لهم بذلك".
وقال المحلل، الذي يتخذ من دلهي مقراً له: "فكرة أن الإمارات العربية المتحدة ستفعل أي شيء مهم للحد من التهرب من العقوبات الروسية هي حلم أمريكي".
سيستغرق تنفيذ الآليات المالية وقتًا طويلاً، وفي الوقت نفسه، فإن عقارب الساعة تقترب من الانتخابات الرئاسية الأمريكية في سنة 2024؛ حيث العودة المحتملة لرئيس جمهوري إلى السلطة.
للإماراتيين مصالحهم الوطنية الخاصة، وهم لا يتماشون بشكل كامل مع مصالح الولايات المتحدة، وسيمتثلون لطلبات الولايات المتحدة عندما يرون أن القيام بذلك من مصلحتهم العامة.
إن مساعدة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها ضد الغزو الروسي لها أهمية حيوية لإدارة بايدن، لذا فإن الخيارات التي يتخذها الإماراتيون هنا سيكون لها حتما عواقب أوسع على العلاقات الثنائية، طالما ظل الرئيس بايدن في منصبه.