قضايا وآراء

اعترافات السيسي.. وقضية التخابر

جيتي
في كلمته بمناسبة يوم الشهيد (9 آذار/ مارس 2023) قدم المشير عبد الفتاح السيسي اعترافات جديدة حول اللحظات الأولى لثورة 25 يناير 2011، حيث كان في ذلك الوقت مديرا للمخابرات الحربية. وحسب اعترافاته الأخيرة فإنه مع اندلاع الثورة تحدث مع المشير محمد حسين طنطاوي، وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة الراحل، حول احتمالات قيام الجماعات المسلحة في سيناء، التي كانت تمتلك حضورا قويا في شبه الجزيرة، بشن عمليات مسلحة ضد إسرائيل، مما يعقّد الموقف، وطلب تدخل قوات مصرية في سيناء للتصدي لتلك المشكلة. وقد وافقه طنطاوي على ذلك، وأنه (أي السيسي) قام بالاتصال مع الجانب الإسرائيلي للسماح بإدخال قوات مصرية إلى العريش ورفح والشيخ زويد، للسيطرة على الوضع هناك. ويضيف السيسي: "الحقيقة التي أحب أن أسجلها للتاريخ أن الإسرائيليين كانوا متفهمين، ولكن طلبوا التنسيق معهم بخصوص حجم القوات، واستمر الحال على هذا المنوال من 2011 حتى اليوم مع زيادة القوات للتعامل مع التحديات هناك".

ليس فيما قاله السيسي جديد بالنسبة للمتابعين للشأن السياسي، فمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية قسمت سيناء إلى 3 مناطق يسمح في أولها (المنطقة أ) بوجود قوات مصرية وهي مجرد شريط محاذ لقناة السويس، ويسمح في المنطقة (ب) بوجود عدد محدد من قوات حرس الحدود (4 آلاف جندي) أما المنطقة (ج) والتي الأقرب للحدود الفلسطينية فلا تسمح الاتفاقية بأي وجود للجيش المصري، وإن سمحت بوجود رمزي للشرطة المصرية، وبالتالي فإن إدخال أي قوات مصرية إلى المنطقتين (ب) و(ج) يحتاج موافقة إسرائيلية، وقد وافقت للسيسي لسبب بسيط؛ أن تلك القوات كانت لحمايتها بالأساس.

المعلومات في ذاتها ليست جديدة، ولكن الجديد هو أن يتباهى من يجلس الآن على سدة الحكم في مصر بذلك، بينما كان سابقوه يخجلون من الحديث عن هذا الوضع، لأنهم كانوا يدركون مدى حساسيته للمواطن المصري والعربي، فما الدافع الذي دفع السيسي للإدلاء بهذه الشهادة علنا، والتباهي بتعاون الطرف الإسرائيلي؟ وهل ما فعله هو محض تعاون طبيعي أم تخابر مجرم؟!

يعترف السيسي إذن أنه كان هو المكلف بملف سيناء والتعامل مع إسرائيل مفوضا من قيادة الجيش، وأنه نجح بالتعاون مع إسرائيل في إيصال قوات مصرية إلى المنطقة ج في سيناء منذ يوم 28 كانون الثاني/ يناير، ولا ننسى أنه كان مدير المخابرات الحربية منذ العام 2008 وهي المسئولة بشكل عام عن سيناء، وهذا ما يستدعي على الفور قضية التخابر مع حماس التي صدرت فيها أحكام مغلظة ضد رئيس الدولة الراحل محمد مرسي
الحقيقة أن السيسي لديه قناعة مثل كثيرين من حكام المنطقة المستبدين أن قرار بقائهم في السلطة بيد الكيان الصهيوني، وليس بيد شعوبهم، فهذا الكيان هو القادر على صناعة أحلاف ولوبيات دعم إقليمية ودولية. وقد فعلها مع السيسي نفسه عقب انقلابه في 3 تموز/ يوليو 2013، ومع شعور السيسي بتصاعد الأخطار ضد نظامه، ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية بالبلاد، وزيادة منسوب الغضب الشعبي، وبعد أن استنفد كل المسكنات، فإنه لجأ إلى الحائط الأخير لحمايته، وكان لا بد أن يخرج بروايته تلك عن مزاعم الخطر الشديد الذي تعرض له الأمن المصري من ثورة يناير، والذي أمكنت مواجهته بفضل التعاون مع الكيان الصهيوني، وهي محاولة ربما لضخ دماء جديدة في شريان التطبيع المتجمد كنوع من رد الجميل للصهاينة، والتقرب منهم.

يعترف السيسي إذن أنه كان هو المكلف بملف سيناء والتعامل مع إسرائيل مفوضا من قيادة الجيش، وأنه نجح بالتعاون مع إسرائيل في إيصال قوات مصرية إلى المنطقة ج في سيناء منذ يوم 28 كانون الثاني/ يناير، ولا ننسى أنه كان مدير المخابرات الحربية منذ العام 2008 وهي المسئولة بشكل عام عن سيناء، وهذا ما يستدعي على الفور قضية التخابر مع حماس التي صدرت فيها أحكام مغلظة ضد رئيس الدولة الراحل محمد مرسي (قبل وفاته) وعدد من مساعديه، وعدد من قادة الإخوان.

كان أساس تلك القضية هو الزعم بتسلل عناصر من حماس وحزب الله يستقلون سيارات دفع رباعي، اخترقوا بها الحدود المصرية وتحركوا فيما يشبه استعراضا عسكريا حتى وصلوا إلى سجن وادي النطرون، حيث حطموا أبواب السجن، وأطلقوا سراح المعتقلين. هذه هي الرواية التي بنيت عليها تلك القضية وبموجبها صدرت الأحكام المشددة النهائية، وبما أن السيسي اعترف علنا بإرسال قوات إلى سيناء يوم 28 كانون الثاني/ يناير2011 فلماذا لم يتمكن بقواته من منع هؤلاء المهاجمين من دخول مصر والمرور مئات الكيلومترات داخل سيناء وعبور قناة السويس ومنها التحرك حتى سجن وادي النطرون؟ إن هذا التقصير العسكري كان يستوجب محاكمة المسئول عنه، وليس تلفيق اتهامات باطلة لآخرين بهدف حبسهم والنكاية بهم.

التحذير المتكرر من الانفجار الثوري لن يعطل هذا الانفجار إذا استمر هذا التردي الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ولن يوقف تلك الثورة التي لا يخفي النظام خوفه منها سوى عودة الجيش لثكناته، وعودة المسار الديمقراطي ليختار الشعب بحريته من يستطيع إنقاذه
يصر السيسي على تقديم رواية مشوهة لثورة 25 يناير التي وفرت له فرصة الترقي الوظيفي إلى موقع وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة، وضمن هذه الرواية المشوهة اتهام الثورة بأنها السبب في الانفلات الأمني، والتدهور الاقتصادي، والديون الخارجية. ويدلل على ذلك في خطابه الأخير بأن الحرب على الإرهاب كلفت الدولة مليار جنيه شهريا على مدى 90 شهرا بعد الثورة، أي 90 مليار جنيه، وقد ادعى من قبل أيضا أن الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها مصر جراء تلك الثورة تجاوزت 450 مليار دولار.

والحقيقة أن ثورة يناير بريئة من تلك الافتراءات، بل إنها هي التي كانت ستنقل مصر نقلة كبرى في كل المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، وأن الانقلاب العسكري في 2013 هو الذي أورد مصر المهالك في كل المجالات، ونظرة واحدة على وضع مصر ضمن كل المؤشرات العالمية الاقتصادية والسياسية والإعلامية والحقوقية ستكشف هذا التردي عاما بعد عام. فالدين الخارجي لمصر قبل انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013 بلغ 43 مليار دولار بينما يبلغ الآن 160 مليار دولار، أي أنه تضاعف 4 مرات في عهد السيسي، وقس على ذلك بقية المؤشرات الأخرى.

التحذير المتكرر من الانفجار الثوري لن يعطل هذا الانفجار إذا استمر هذا التردي الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ولن يوقف تلك الثورة التي لا يخفي النظام خوفه منها سوى عودة الجيش لثكناته، وعودة المسار الديمقراطي ليختار الشعب بحريته من يستطيع إنقاذه.

twitter.com/kotbelaraby