أصدر
رئيس النظام
المصري عبد الفتاح
السيسي، حركة ترقيات لافتة في الجيش لرتبة الفريق،
ما أثار تساؤلات وتكهنات حول أسبابها ودلالتها والنتائج المترتبة عليها.
وعلى
الرغم من ندرة قرارات الترقية لرتبة الفريق، والفريق أول، التي لا يصل إليها سوى
قادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة ورئيس أركان حرب القوات المسلحة والقائد
العام فقط؛ إلا أن السيسي، منح رتبة فريق خلال السنوات الماضية، مرات عديدة.
لكن
قرار ترقية 3 من كبار ضباط الجيش مرة واحدة إلى رتبة الفريق، يظل هو الحدث الأول
في تاريخ الترقيات لهذه الرتبة في عهد السيسي، (منذ منتصف 2014، وحتى اليوم) على
الأقل.
والخميس،
تمت ترقية كل من رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة اللواء أحمد خليفة، ورئيس هيئة
الشؤون المالية اللواء أحمد الشاذلي، ومدير الأكاديمية العسكرية اللواء أشرف سالم
زاهر، لرتبة الفريق.
وتأتي
الترقيات بعد ساعات من زيارة السيسي، فجر الخميس، للأكاديمية العسكرية المصرية،
بصحبة وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي، ورئيس أركان القوات المسلحة الفريق أسامة
عسكر.
لكن؛
المثير في تلك التعيينات وفق مراقبين، أن منصب رئيس هيئة الشؤون المالية للقوات
المسلحة، منصب إداري لا ينال دورة "أركان حرب" التي تعد أحد شروط
الترقية للمناصب العليا.
وهو
المنصب ذو الأهمية خاصة في عهد السيسي، خاصة مع توسع إمبراطورية الجيش الاقتصادية،
ودور رئيس هيئة الشؤون المالية بجميع القطاعات الاقتصادية والتجارية، وبالتالي دور
رئيسها الكبير بالإدارة المالية لتلك المشروعات.
"إستراتيجية
التحريك السريع"
الباحث
في الشؤون العسكرية المصرية محمود جمال، علق بالقول إن هذه الترقية تأتي بغرض
التصعيد مع اقتراب إتمام أسامة عسكر، المدة القانونية بمنصب رئيس الأركان، ومكوث
محمد زكي بمنصب وزير الدفاع لأكثر من 4 سنوات.
جمال،
في حديثه لـ"عربي21"، يرى أنها "ترقية بغرض التصعيد مع اقتراب
إتمام عسكر، المدة القانونية في منصب رئيس الأركان، ومكوث زكي بمنصبه لأكثر من 4
سنوات".
ولكن؛
هل تأتي تلك التعيينات كي يتخلص السيسي من أسامة عسكر الذي جرى إبعاده مؤقتا عام
2017، ثم تعيينه مجددا في منصب رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، ثم رئيسا لأركان
الجيش في تشرين الأول/ أكتوبر 2021؟
كذلك،
هل ينهي خدمة زكي صاحب الدور الهام في انقلاب 2013، بالتحفظ على الرئيس الراحل
محمد مرسي، 30 حزيران/ يونيو 2013، حينما كان قائدا للحرس الجمهوري؟
وهنا
يجيب جمال، قائلا: "بخصوص احتمالية تغيير عسكر، أو زكي، في أي فترة من
الفترات فإن هذا من المؤكد سيحدث طبقا للقانون الذي صدق عليه السيسي، 13 حزيران/
يونيو 2021".
ولفت
إلى أنه "من أهم تعديلات ذلك القانون، تحديد مدة بقاء رئيس الأركان وقادة
الأفرع في مناصبهم بعامين، بعد أن كانت 4 أعوام".
ويسيطر
منصب رئيس الأركان، على تشكيلات القوات المسلحة الرئيسية، بشكل كامل، فيما يظل
لمنصب وزير الدفاع القرارات السياسية العامة.
وأكد
الباحث المصري، أنه "بشكل عام يحرص السيسي، على عدم تثبيت القيادات العسكرية
في أماكنها لمدة طويلة"، موضحا أن "استراتيجيته التي يتبعها هي التحريك
السريع للقيادات، بخلاف استراتيجية حسني مبارك (الرئيس الأسبق 1981- 2011)".
وألمح
أن ذلك "حتى لا تتكون مراكز قد تشكل تهديدا له في فترة من الفترات عند
الاختلاف حول قضايا معينة، أخذا للدرس مما تم مع مبارك في كانون الثاني/ يناير
2011".
"خوف
وحذر.. وترتيب وتمهيد"
من
جانبه، قال مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية، الدكتور ممدوح
المنير، إن "السيسي، ومنذ استيلائه على السلطة عام 2013، يعتمد استراتيجية
التغيير المستمر لقيادات الجيش ليضمن عدم تشكّل مراكز قوى ونفوذ بالمؤسسة
العسكرية".
المنير،
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "الرجل جاء بانقلاب عسكري، ويعرف أنه
استن سنة سيئة يمكن أن تتكرر معه؛ لذلك هو مسكون دائما بهاجس الخوف والحذر".
ولفت
إلى نقطة أخرى، وهي أن "مصر تعيش الآن على صفيح ساخن اقتصاديا، والأزمة
تتعقد، وبالتالي هو في حاجة لمزيد من ولاء الجيش له خشية وقوع أي اضطرابات أو
تظاهرات ضده".
وأعرب
عن اعتقاده، أنه بهذا "يسعى لإعادة ترتيب الأوضاع في الجيش بالشكل الذي يضمن
استمرار السيطرة الكاملة عليه؛ خصوصا مع نية الدولة في التخلي عن أصول حيوية للأمن
القومي المصري لحل جزء من أزمة الديون المتفاقمة".
ورأى
المنير، أنه "بالتالي لا يمكن التكهن على وجه الدقة بأسباب بعينها لحركة
الترقيات الحالية"، مبينا أن "الدول العسكرية تظل المعلومات بها حكرا
على فئة بعينها، لكننا فقط نستطيع فهم سياقات سلوك هذه الدول واستقراء
أفعالها".
"وعليه؛
فإن التغييرات هي تمهيد لمرحلة صعبة يتحرك لها السيسي، ويريد ضمان السيطرة والولاء
الكامل من الجيش له"، بحسب تقدير المنير.
"في
سياقها المعتاد"
وفي
رؤيته لترقية السيسي، 3 ضباط مرة واحدة لرتبة فريق، قال الباحث المصري في الشؤون
الأمنية أحمد مولانا: "ليس لدي متابعة دقيقة لعدد من رقاهم السيسي لرتبة
فريق، إنما بشكل عام يحرص على عدم وجود مراكز قوى بأي منصب مهم".
مولانا
في حديثه لـ"عربي21"، أضاف أن "هذا لا يعني أنه يريد التخلص من
الفريق أسامة عسكر، لأنه هو من عينه بهذا المنصب الرفيع، وإن لم يكن يثق فيه ما
ولاه، لكنه يُعد شخصيات بديلة سواء تتولى منصب رئيس الأركان أو منصب وزير الدفاع،
كأمر طبيعي".
وأكد
أن "السيسي، حريص على عدم تسكين شخص ما بمنصب مدة طويلة حتى لا يتحول لمركز
قوى، كما كان في عهد حسني مبارك، ببقاء المشير حسين طنطاوي نحو 20 عاما كوزير
للدفاع، واللواء حبيب العادلي بوزارة الداخلية لنحو 14 عاما".
ولفت
إلى أنه "حريص في كل فترة على تغيير منصب رئيس الأركان، وعسكر هو الثالث في
عهده، والأول كان محمود حجازي، ثم محمد فريد حجازي، والتغيير طبيعي الآن، كذلك حتى
وزير الدفاع يتم تغييره بشكل دوري".
لذا
رأى مولانا، أن "الترقيات الثلاث الجديدة تأتي في سياقها المعتاد، وليست
شيئا ذا دلالة جديدة"، لافتا إلى أنه "حتى الفريق صدقي صبحي، عندما كان
معه رئيسا للأركان قبل وخلال وبعد انقلاب 2013، ثم عينه وزيرا للدفاع خلفا له
لفترة ثم أقاله".
وختم
بالقول إنها "سياسة ناظمة للسيسي، بهدف عدم تكون مراكز قوى لأشخاص بأي مناصب
حساسة أو مهمة، وتغيير القائمين عليها باستمرار دون أن يعني ذلك التخلص
منهم".
"ضوابط
الاختيار"
وبشأن
ضوابط التغيير للقيادات العسكرية المصرية، ومدى ارتباط الاختيار بتدخل خارجي
(إسرائيلي- أمريكي- خليجي)، وحضور عنصر الكفاءة أم طغيان عنصر الولاء، على تلك
الاختيارات، يرى المنير أن "الولاء للسيسي هو الضابط الوحيد".
وأضاف:
"فضلا عن المزاج الشخصي"، مؤكدا أنه "اختيار لا يرتبط بأي شكل
بعنصر الكفاءة، بل العكس هو الصحيح، بمعنى أنه كلما كان القائد فاسدا زادت
حظوظه في الترقيات".
ورأى
أن "فساد القائد يمثل للسيسي، ورقة ضغط عليه لتنفيذ ما يريده، فضلا عن أن
فساد القائد يجعله مكروها من القيادات الأدنى، وبالتالي يصعب عليه صناعة نفوذ
بالجيش، وهو ما يريده السيسي، وهكذا تتم إدارة لعبة الحكم بمصر".
وأكد
المنير، أنه "معروف تاريخيا أن تعيينات القوات المسلحة من رتبة عميد فأعلى
تُعرض على الجيش الأمريكي لاعتمادها أولا، فالجيش المصري مرتهن للأمريكي منذ
اتفاقية السلام مع إسرائيل، والمعونة السنوية المقدرة بالمليارات التي يتلقاها
سنويا مقابل ذلك".
وختم
بالقول: "بالتالي الترقيات الجديدة لا بد وأن تكون قد تمت الموافقة عليها أولا
خارجيا من واشنطن وربما تل أبيب قبل اعتمادها".
وفي
تعليقه على هذه النقطة، قال الباحث محمود جمال، إن "اختيارات السيسي، كلها
مبنية على معيار الولاء، وليس معيار الكفاءة".
واعتبر
مولانا أن "ضوابط التغييرات هي الأقدمية والثقة ثم الكفاءة، ولا أرى أن
لأطراف خارجية تأثيرا أو تدخلا في عملية الاختيار، فهذا ملف بيد السيسي وحده".
"حماية
نفسه"
مصدر
صحفي متخصص في الشؤون العسكرية، أكد لـ"عربي21"، أن "ترقيات السيسي
المتتابعة لضباط بالجيش لرتبة فريق، تأتي بهدف شغل كبار الضباط بحلم الوصول لهذه
الرتبة، وأن تظل أحلامهم منحسرة بالوصول لها دون تخطيها".
وأضاف
رافضا ذكر اسمه ولا صفته الصحفية، أن "السيسي يهدف بهذا زيادة أعداد رتبة
الفريق لكي لا يظل خيار الوصول لرتبة الفريق أول أو المشير ومنصب وزير الدفاع على
عدد قليل، وبالتالي حماية السيسي نفسه من طمع قائد ما في ما بيده شخصيا".
"قرارات
سابقة"
وعين
الرئيس الراحل محمد مرسي، السيسي وزيرا للدفاع في آب/ أغسطس 2012، ورقاه من رتبة
لواء إلى فريق أول.
ثم قام الرئيس المؤقت عدلي منصور بترقية السيسي
لرتبة مشير، في كانون الثاني/ يناير 2014، ليحصل السيسي خلال 18 شهرا على 3 رتب هي
الأعلى في
الجيش المصري.
ومع
تولي السيسي، حكم البلاد قام بترقية العديد من القادة لرتبة فريق، التي تأتي
بالمرتبة الثالثة بالجيش المصري، بعد رتبة المشير والفريق أول، فيما يمثلها علامة
النسر والنجمة والسيفين.
وفي
تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، صدق السيسي، على ترقية قائد القوات البحرية اللواء
أشرف إبراهيم، وقائد القوات الجوية اللواء محمود فؤاد لرتبة فريق.
وفي
تشرين الأول/ أكتوبر 2021، أصدر السيسي قرارا بترقية اللواء محمد حجازي قائد
الدفاع الجوي لرتبة فريق، ليصبح بذلك قادة الأفرع الرئيسة الثلاثة البحرية والجوية
والدفاع الجوي، برتبة فريق.
وفي
آذار/ مارس 2021، رقى السيسي رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب اللواء
كمال أحمد عامر، بعد وفاته لرتبة فريق فخري، واصفا إياه بأنه "معلمي وأستاذي
وقائدي".
وعلى
الهواء مباشرة خلال ندوة تثقيفية للقوات المسلحة في آذار/ مارس 2019، رقى السيسي،
وزير النقل اللواء كامل الوزير، لرتبة فريق.
وفي
كانون الثاني/ يناير 2017، رقى السيسي اللواء محمد زكي قائد الحرس الجمهوري لرتبة
فريق.
وفي
تموز/ يوليو 2018، صدق على ترقية زكي بعد تعيينه وزيرا للدفاع، لرتبة فريق أول.
وفي
نيسان/ أبريل2017، أصدر السيسي، قرارا بترقية قائد قوات الدفاع الجوي اللواء علي
فهمي، وقائد القوات البحرية اللواء أحمد خالد حسن سعيد، لرتبة فريق.