أعاد نفي الحكومة المصرية قيامها بدراسة وقف القطار الكهربائي الخفيف "LRT"، بسبب ضعف الإقبال بعد افتتاحه جزئيا، الجدل مجددا حول جدوى مشروعات النقل والطرق التي تنفذها الدولة من خلال الاستدانة والاقتراض وليس من خلال فوائض مالية، وتداعياتها على الاقتصاد الذي يمر بأوقات عصيبة منذ ثورة 25 يناير وما تلاها من أحداث.
وقدّر رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، تكلفة تلك المشروعات في قطاع النقل والمواصلات بنحو 1.9 تريليون جنيه، خلال السنوات القليلة الماضية، علما أن سعر الدولار تراوح ما بين 8 جنيهات و19 جنيها خلال تلك المدة.
ونفت الهيئة القومية للأنفاق في بيان، قبل يومين، وجود دراسة بشأن وقف القطار الكهربائي الخفيف LRT بسبب ضعف الإقبال في المسافة من محطة عدلي منصور التبادلية حتى العاصمة الإدارية الجديدة، والذي تم افتتاح إحدى مراحله قبل نحو شهرين.
تذاكر بأسعار مضاعفة
في تموز/ يوليو الماضي، افتتح السيسي محطة عدلي منصور التبادلية، والمرحلة الأولى من القطار الكهربائي الخفيف LRT عدلي منصور – العاشر من رمضان – العاصمة الإدارية، ضمن عدة مراحل يجري العمل عليها من أجل ربط العاصمة الإدارية بعدد من المدن.
يبلغ طول الخط 103 كيلومترات بعدد 19 محطة، حيث من المفترض أن ينقل حوالى مليون راكب يوميًا، ويتم تنفيذه على 3 مراحل: المرحلة الأولى التي تم افتتاحها بطول 70 كيلومترًا وبعدد 12 محطة، وجارٍ تنفيذ المرحلة الثانية بطول 18.5 كيلومتر وبعدد 4 محطات، والمرحلة الثالثة بطول 16 كيلومترًا وبعدد 3 محطات.
وجاءت أسعار التذاكر مرتفعة الثمن، حيث بلغت قيمة التذكرة حتى 3 محطات 15 جنيها، والتذكرة حتى 5 محطات 20 جنيها، والتذكرة حتى 7 محطات 25 جنيها، والتذكرة حتى 9 محطات 35 جنيها، وهي تعد أضعاف أسعار تذاكر أبعد نقطة بالمترو قبل الانقلاب في 2013، والتي لم تتجاوز جنيها ونصفا لعدد 33 محطة .
اقرأ أيضا: ما سر تناقضات مشروع قطار مصر الكهربائي؟
مشروع 23 مليار دولار
وقعت الحكومة المصرية في مطلع العام 2021 مذكرة تفاهم بين وزارة النقل، ممثلة في الهيئة القومية للأنفاق وشركة سيمنز العالمية؛ لتنفيذ منظومة متكاملة للقطار الكهربائي السريع في مصر بإجمالي أطوال حوالي 1000 كم على مستوى الجمهورية.
تبدأ المنظومة من مدينة العين السخنة على ساحل البحر الأحمر، وحتى مدينة العلمين الجديدة على البحر المتوسط، مرورا بالعاصمة الإدارية الجديدة، ومدينة السادس من أكتوبر، ومحطة سكك حديد الإسكندرية الحالية، ومدينة برج العرب، بتكلفة قدرها 360 مليار جنيه، ما يعادل حينها 23 مليار دولار.
مشروعات صحراوية لا عمرانية
انتقد خبير الطرق والمواصلات، المهندس محمد فرج، "قيام تلك المشروعات من خلال الاستدانة من الخارج، وتنفيذها في مناطق نائية بعيدة عن التكتل السكاني والعمراني، لا لشيء سوى لخدمة العاصمة الإدارية الجديدة التي لم ينته العمل بها بعد ولا يقطنها أحد، وبالتالي لا يتوقع أن يكون عليها إقبال من قبل المواطنين، ناهيك عن ارتفاع أسعار تلك الوسيلة".
وأكد عضو لجنة النقل والمواصلات بالبرلمان سابقا في حديثه لـ"عربي21": "كان يفترض أن يكون الاقتراض من أجل قضايا أو مشروعات ذات أولوية تساعد على زيادة حجم الإنتاج، ولكن ما حدث هو العكس، تم الاقتراض من أجل مشروعات ليست إنتاجية، وليس لها مردود مادي يكفي مصروفات الدين".
واعتبر أنه من الفائت لأوانه إيقاف أو تجميد تلك المشروعات التي أثقلت موازنة الدولة بالديون، قائلا: "لقد سبق السيف العذل، لا يمكن وقف أو تجميد مثل تلك المشاريع بعد أن استجلب لها النظام القروض وتعاقد مع شركات عالمية، ما يجعل التفكير في إرجائها غير مطروح، إلا في حالة واحدة، وهي عجز الدولة عن سداد الالتزامات والمستحقات التي عليها".
السيسي يتراجع عن تصريحاته
وتراجع السيسي عن قناعاته بخصوص دراسات الجدوى، وقال إن المشروعات التي يجري تنفيذها حاليا تتم بعد دراسات مسبقة، مؤكدا خلال كلمته بفعاليات تدشين الوحدات البحرية الجديدة لهيئة قناة السويس، والقرية الأولمبية في الإسماعيلية، اليوم، على ضرورة الرد بكل الحجج والبراهين على كافة الشائعات والأكاذيب التي تستهدف المواطن، وهي لا تمت للواقع بصلة.
وأضاف أن الهدف من هذا الكلام هو التشكيك في البلاد، يقولون (في إشارة إلى المعارضين ووسائل التواصل) إن الدولة تطلق المشروعات دون تفكير أو دراسة، في حين أن مشروع مثل قناة السويس الجديدة حقق عوائد أكبر من التكلفة التي دفعت فيه، ووصل لأكبر عائد في تاريخ القناة بعد 5 سنوات.
مشروعات للشو الإعلامي
اعتبر خبير الاقتصاد الاستراتيجي، الدكتور علاء السيد، أن "ما يتم إثارته حول جدوى ما يسمى المشروعات القومية، هو ليس التشكيك في الإنجازات، إنما هو نقد بناء ضد الإنفاق بترف وبذخ على مشاريع وقصور طرأت فكرتها في عقل شخص واحد (السيسي)، في وقت تعاني فيه البلاد من أوضاع اقتصادية سيئة، وتقترض من أجل شراء وتأمين السلع الأساسية والاستراتيجية".
اقرأ أيضا: ما دوافع السيسي من مشروع قطار سريع بتكلفة 23 مليار دولار؟
وأوضح في تصريحات لـ"عربي21": "جميع تلك المشاريع تمت دونما دراسة جدوى حقيقية، سواء لتكلفتها، أو مصدر تمويلها، أو احتساب العوائد منها، وتأثيرها على السيولة النقدية، وحجم الديون والعجز في الموازنة والوظائف، وغيرها من دراسات الجدوى، وتم تنفيذها بشكل عشوائي، وجلبت انتقادات القاصي والداني؛ لأنها لم تتفق مع المعايير المحلية أو حتى الدولية".
ومن آثار ذلك على الاقتصادي المصري، بيّن السيد أن "البلاد باتت على وشك الإفلاس، وتنوء تحت وطأة الديون، وشروط صندوق النقد الدولي، ورحمة ودائع دول الخليج، بعد أن نفد منها الدولار؛ بسبب التزاماتها النقدية لدى الدائنين من أجل إنشاء مشروعات للاستخدام الإعلامي وليس الشعبي، والدليل على ذلك أنها لم تساهم في تقليل نسبة الديون، بل على العكس ضاعفتها".
وطالب الخبير الاقتصادي "بالتوقف عند هذه النقطة من الخسائر، وتجميد العمل في تلك المشروعات، وعدم تحميل المواطن الكثير من الأعباء المادية بسبب مثل تلك المشروعات، وتجنب سقوط الدولة في هاوية الإفلاس، بعد أن بات 75% من الاحتياطي النقدي هو ودائع خليجية والباقي ذهب.
"موديز" تتوقع خفضا رسميا للجنيه المصري.. والخليج كلمة السر
استقالة رئيس مجلس العاصمة الإدارية بمصر.. وتفاعل واسع
قرار غير متوقع للبنك المركزي المصري بعد استقالة طارق عامر