نبرة تقييم ما وقع في جنيف بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري حذرة وتكشف عن حرص على عدم الرغبة في وصف المفاوضات بالفاشلة، كان هذا موقف مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفاني ويليامز، وهو ما ظهر من بيان رئاسة مجلس النواب وكلام المشري في لقائه المتلفز.
ويمكن القول إن اللقاء إيجابي جدا وناجح إذا كان الحال هو التوقف عند مسألة واحدة من بين عدد غير قليل من المسائل الخلافية، وترحيلها إلى لقاء قريب بين الرئيسين قد يكون بعد عطلة عيد الأضحى.
لكن يمكن القول إن الحديث عن توافق بين الجسمين غير مسلم به حتى في المسائل التي قيل إنه تم الاتفاق حولها، ذلك أن مدخل الحوار ومنطلق التفاوض يشوبه خلل واضح وليس عارض وشكلي، ذلك أن وفد مجلس النواب ورئيسه يقاربون الحوار والتفاوض مع وفد الأعلى للدولة ورئيسه من خلال تنفيذ بنود التعديل الدستوري الثاني عشر بحجة التوافق عليه مع الأعلى للدولة، وهذا ما يرفضه الأخير ويعتبر التعديل غير قانوني ولا دستوري.
بيان رئاسة مجلس النواب تعقيبا على ما وقع في القاهرة وجينيف سمى اللجنة التي جمعت أعضاء من النواب والأعلى للدولة في القاهرة بلجنة صياغة دستور للبلاد، فيما جاء على لسان المشري أنهم اتفقوا مع النواب، أعضاء ورئاسة، على اعتبار مخرجات لجنة القاهرة وثيقة دستورية تصبح مشروع دستور قابل للاستفتاء عليه بعد إجازتها من هيئة وضع الدستور المنتخبة، وهذا في حدث ذاته لغم قابل للتفجير ونسف ما قيل إنه توافق بين الجسمين.
في ظل تعقيدات المشهد الليبي، قد يكون من المبكر الحكم بنجاح القاهرة وتفاوض جينيف، وفي كلام ويليامز الذي تضمن البحث عن بدائل لحل الخلاف أكثر من مجرد ممارسة ضغط على الجسمين، ويمكن أن تكون لحالة الغضب الشعبي، الشبابي، التي عبرت عن نفسها بعنف في طبرق وبنغازي وطرابلس مؤخرا، أثرها في توجيه الأحداث اتجاها مخالفا لكثير من التوقعات.
الجميع، ويليامز والنواب والأعلى للدولة، أكدوا أن حجر العثرة أمام التوافق الكامل والنهائي هو مسألة حق مزدوجي الجنسية في الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ويبدو أن تدخلا قويا من قبل حفتر وداعم إقليمي لجبهة طبرق الرجمة قد أفسد ما قيل إنه توافق بين الجسمين على منع مزدوجي الجنسية من الترشح.
وبحسب مخرجات لجنة حوار القاهرة فقد تم الاتفاق على استبعاد حاملي الجنسيات الأجنبية من الليبيين من الترشح للانتخابات، وهو الموقف المبدئي لعقيلة صالح حسب ما ذكره المشري في لقائه المتلفز بعد لقاء جنيف، ثم تغير الموقف جذريا في اليوم الثاني من الاجتماع حيث طالب وفد النواب بإعادة النظر فيما تم الاتفاق عليه والسماح لمزدوجي الجنسية بالترشح وحاول عقيلة تبرير الموقف الجديد بمبررات يبدو أنها تفسر الضغط الذي يواجهه، الأمر الذي رفضه المشري.
لغم مزدوجي الجنسية كبير، فمجلس النواب لا يستطيع تجاوزه بسهولة والسبب نفوذ حفتر وسطوته ودعم القاهرة لحليف إن خسرته فقد تخسر مشروعها في ليبيا، وبالمقابل لن يكون من اليسير على الأعلى للدولة تمريرها، لأن المجلس ورئاسته ستكون في مواجهة غضب جبهة عريضة في الغرب، وحفتر اليوم يواجه تحديات كبيرة في الشرق والجنوب ويحمل مسؤولية الأزمة في طبرق وتحرق صوره في بنغازي وتخرج مكونات اجتماعية فاعلة عن طوعه وتسير في اتجاه يناقض رؤيته وطموحه، فكيف يطلب من أعدائه الألداء في الغرب رمي طوق نجاة له؟
بالإضافة إلى ما سبق عرضه، فإن مسائل جدلية وشديدة الحساسية لم يتم التطرق إليها ضمن حزمة التوافقات بين المجلسين ورئاستيهما، منها النظام السياسي والإداري للدولة وتوزيع الثروة، وهي مسائل حيوية جدا بالنسبة للفاعلين في مجلس النواب.
بيان رئاسة مجلس النواب أشار إلى اعتبار الأقاليم التاريخية الثلاثة، طرابلس وبرقة وفزان، أساسا في الشكل السياسي والإداري للدولة، ووردت عبارة الأخذ بالدوائر الثلاثة عشر في أي انتخابات ستجرى في كلام المشري، والموضوع أكثر تعقيدا من أن تشرحه العبارتان اللتان وردتا في بيان رئاسة مجلس النواب وتصريحات المشري المتلفزة.
وعليه، وفي ظل تعقيدات المشهد الليبي، فقد يكون من المبكر الحكم بنجاح القاهرة وتفاوض جينيف، وفي كلام ويليامز الذي تضمن البحث عن بدائل لحل الخلاف أكثر من مجرد ممارسة ضغط على الجسمين، ويمكن أن تكون لحالة الغضب الشعبي، الشبابي، التي عبرت عن نفسها بعنف في طبرق وبنغازي وطرابلس مؤخرا، أثرها في توجيه الأحداث اتجاها مخالفا لكثير من التوقعات.
كيف نقرأ الاتفاق الثلاثي التركي ـ السويدي ـ الفنلندي؟
أبعد من جمعيات تحفيظ القرآن الكريم
البرهان يواصل الولوغ في الدماء