قضايا وآراء

المعادلة القديمة للمقاتلين الأجانب في أوكرانيا

1300x600

نزعت الدولة الحديثة حق استخدام السلاح من الأفراد والجماعات ووضعته في يد أجهزة الأمن والجيوش النظامية. كما اعتبرت أن أي ممارسة للعنف المنظم خارج الإطار هو عدوان يستحق الردع. وطبقت أيضا عدة استثناءات لهذه الحالة معظمها تم بسبب الرغبة في توسيع دائرة الصراع وعدم قدرة الجيوش النظامية والغربية تحديدا في الانخراط. وكل هذه التجارب تقريبا أفضت إلى نتائج مؤلمة. لذلك فإن الدعوة الأوكرانية الرسمية للمقالتين الأجانب والمباركة الغربية لها تستدعي وقفة للتحليل.
 
قبل نحو مائة عام وفي أتون الحرب العالمية الأولى كان القتال العابر للحدود أمرا طبيعيا، إما بسبب تجنيد أبناء المستعمرات ولو بغير رضاهم من أجل القتال. كما حدث مع إجبار الإمبراطورية البريطانية لمسلمي الهند مثلا على قتال الدولة العثمانية. أو بسبب تطوع بعض الشباب للقتال في حروب بعيدة عن موطنهم لأسباب عقائدية مثل ذهاب أول أمين عام لجامعة الدول العربية عبد الرحمن باشا عزام المصري للقتال في البلقان قبل الحرب العالمية الأولى حين كان طالبا للطب في جامعة لندن وتركها ليلبي نداء الجهاد الذي أطلقه السلطان العثماني وقتها. وبالمناسبة ذهب عزام بعدها لليبيا ليقاتل الإيطاليين وعاد لمصر ليستأنف نشاطه السياسي والدبلوماسي وأصبح أول أمين عام لجامعة الدول العربية. 

تغيرت الظروف بعد الحرب العالمية الثانية وأصبح القتال العابر للقوميات شبه مجرَّم حتى أتت حرب أفغانستان بعد الاجتياح الروسي لها أواخر السبعينيات لتعيد إحياء هذا التقليد القديم برعاية غربية وتحديدا أميركية حتى انهار الاتحاد السوفيتي وأثمر أكثر من عقد من القتال خبرة كبيرة لدى مقاتلين متعددي الجنسيات أصبحوا عبئا على الغرب والشرق والدول العربية كما نعرف جميعا القصة. 

حرب أوكرانيا اليوم ليست مثل الحرب الروسية على أفغانستان. إنها أشبه ما تكون بحرب البلقان. ووجه الشبه في أنها تقع في قلب أوروبا ولدى الدول الغربية مصلحة مباشرة في ألا تنهزم أوكرانيا. كما أنها تفتح الباب أم المقاتلين الأجانب تماما كما فتحت الحرب في البوسنة الباب أمام كثير من المقاتلين العرب والمسلمين. 

في خضم المعارك الضارية في البلقان سابقا وأوكرانيا حاليا، لا يلتفت أحد كثيرا إلى دور المقاتلين الأجانب الذين تقدر وزارة الخارجية الأوكرانية عددهم بأكثر من عشرين ألف مقاتل. وليس من المعروف إن كانوا يحدثون فرقا في المعارك الدائرة هناك وسط ترسانة الأسلحة التي تشحنها الدول الأوروبية والولايات المتحدة إلى أوكرانيا أم لا. لكن المؤكد أنهم سيكونون علامة استفاهم كبرى سواء وضعت الحرب أوزارها قريبا أم بعد فترة طويلة.

 

حرب أوكرانيا اليوم ليست مثل الحرب الروسية على أفغانستان. إنها أشبه ما تكون بحرب البلقان. ووجه الشبه في أنها تقع في قلب أوروبا ولدى الدول الغربية مصلحة مباشرة في ألا تنهزم أوكرانيا. كما أنها تفتح الباب أم المقاتلين الأجانب تماما كما فتحت الحرب في البوسنة الباب أمام كثير من المقاتلين العرب والمسلمين.

 



في البوسنة والهرسك، كان الرئيس الراحل علي عزت بيجوفيتش قائدا استثنائيا. فقد وفر حماية لهؤلاء المقاتلين ومنح كثير منهم الجنسية البوسنية واعتبرهم وقت المعارك دلالة على دعم العالم الإسلامي لنصرة بلاده في معاركها. وشكل لهم كتيبة خاصة أطلق عليها كتيبة المجاهدين. المشكلة ظهرت بعد اتفاق دايتون لسلام عام 1995 حيث طالبت عديد من الدول العربية بتسليم كثير منهم باعتبارهم متورطين في قضايا إرهاب. وعندما لم تقدم أي من هذه الدول أدلة كافية، رفض الرئيس بيغوفيتش أن يسلمهم. لم يستمر هذا الحال طويلة حيث أتت حكومة بوسنية مقربة من الولايات المتحدة وحدثت ضغوط كثيرة منها ضغوط لحلف شمال الأطلسي لسحب الجنسية من أكثر من سبعمائة منهم. 

لا تقدم الحرب الأوكرانية الحالية أية حلول أو تصورات لمآلات وأوضاع هؤلاء المقاتلين بعد الحرب، خاصة وأنها تشكيلة متنوعة تضم المسلمين وغير المسلمين والأوروبيين وغير الأوروبيين. ولأن أعدادهم كبيرة فإن الأمر يستدعي توضيحا، فقد كانت أزمة البوسنة مع المقاتلين الأجانب بضعة آلالاف من المقاتلين لم تتجاوز الخمسة آلاف مقارنة بأكثر من عشرين ألف في أوكرانيا حاليا. 

https://twitter.com/hanybeshr