· تصريحاتي الأخيرة بشأن موقفي من الثورات بها اجتزاء واضح يقطع المعنى.. أنا مع الشعوب والتغيير
· نحن لا نتمنى الثورات بل الإصلاح السلمي، لكن إذا ثارت الشعوب المقهورة فنحن معها وسنؤيدها
· من حق الشعوب أن تثور وأن تُغيّر بالقوة ما لم تحصل على حقوقها وحرياتها بطريقة سلمية
· الأمة لن تستقر تحت الاستبداد وعندي اطمئنان كامل بأن الشعوب لن ترضى إلا بالحرية والكرامة والعزة
· التفاهمات التي تجري في المنطقة تمثل خيرا للأمة بدلا من الفرقة والتشتت ومواجهة بعضنا البعض
· أي تفاهمات تحدث مع الكيان الصهيوني "خيانة لا تجوز".. وهذا موقفي من "التطبيع التركي"
· إيران تحوّلت لدولة طائفية مشغولة جدا بنشر التشيع ومحاولة السيطرة على كل العالم العربي
. ما زلت ممنوعا من دخول مجموعة من الدول العربية والغربية لهذه الأسباب
قال الداعية والمفكر الإسلامي، الدكتور طارق السويدان، إن "الاستقرار تحت الاستبداد أمر مرفوض تماما، وينبغي ألّا نقبله"، مضيفا: "الأمة لن تستقر تحت الاستبداد، بل ستستقر تحت الحرية والكرامة والعزة، والعودة إلى شريعتها ومنهجها، وعندي اطمئنان كامل بأن الشعوب لن ترضى إلا بذلك. لذا، فإن جولات التغيير ستستمر حتى تنتصر الشعوب في نهاية المطاف".
وأضاف السويدان، في مقابلة خاصة وشاملة مع "عربي21": "أنا لا أؤيد مطلقا التعايش مع الظلم والطغيان والاستبداد، وإنما أدعو دائما للتغيير، وأن تُصرّ الشعوب على مواقفها، واختياراتها، وتمنع الاستبداد والفساد المالي والأخلاقي، فإن تم هذا بطريقة سلمية، فهذا أمر طيب، وإن لم يتم، فمن حق الشعوب أن تثور، وأن تُغيّر بالقوة".
ولفت إلى أن تصريحاته الأخيرة التي قالها بشأن موقفه من الثورات، والتي أثارت ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، فيها "نوع من الاجتزاء الواضح الذي يقطع المعنى، إلا أننا قلنا -وسنظل نقول- إننا لا نتمنى الثورات، وإنما نتمنى الإصلاح السلمي، لكن إذا ثارت وتحركت الشعوب المقهورة فنحن معها وسنؤيدها"، منوها إلى أن "الذباب الإلكتروني لا يزال يعمل بشكل واضح على اجتزاء كلامي".
وتاليا نص المقابلة الشاملة والخاصة مع "عربي21":
أثارت تصريحاتك الأخيرة مع إذاعة "هلا أف أم" العُمانية ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما قلت إنك لست مع الثورات، وهو ما اعتبره البعض تناقضا صريحا مع تصريحاتك السابقة التي أعلنت فيها دعمك وتأييدك لثورات الربيع العربي.. فكيف تابعت تلك الضجة؟ وهل هناك تناقض بالفعل في مواقفك تجاه ثورات الربيع العربي؟
بعض المقاطع التي شاهدتها بها نوع من الاجتزاء الواضح، كمَن يذكر قول الله تعالى: «لا تقربوا الصلاة»، ولا يكمل الآية، وهو اجتزاء لا يصح؛ لأنه يقطع المعنى.
أما عن اللقاء، فقد عدت قبل أيام من البلد الحبيبة عُمان، وكان لي لقاء مع إذاعة هلا -وهي إحدى المحطات الخاصة- وكان اللقاء طويلا، ربما زاد عن الساعة، وسألوني عن موقفي من الثورات، فقلت، وما زلت أقول، والكلام لم يتغير -وليس هناك ما يمنع أن يُغيّر الإنسان كلامه لو تبيّن له أن الحق في شيء آخر- لكن في هذه المسألة أنا لم أغيّر كلامي؛ فأنا إنسان عاقل، وأعرف أن هذه الثورات تؤدي إلى خراب، ومشاكل، وعادة ما تمر الشعوب بعد الثورات بحالة من عدم الاستقرار، ومتوسط عمر هذه الحالة 13 سنة، قد تزيد أو تقل قليلا، وهذا ما جرى.
ما حدث أن الشعوب اليوم بعد الثورات تمر بمصائب؛ فبعض الشعوب استقرت أمورهم، وبعضهم صارت عندهم ردّة على الحرية، وبعض الأنظمة قمعت الثورة قمعا؛ فبالرغم من أننا ضد الثورات في أي بلد، لكن أحيانا تصل الشعوب إلى انفجار بسبب الكبت والظلم والطغيان؛ فإذا تحركت الشعوب ما يجوز لنا إلا أن نؤيدها، وهذه الثورات لم تحدث لا بتخطيط منا، ولا بإرادة، ولا برغبة منا، لكن الشعوب ثارت لأنها مكبوتة ومظلومة، وبالتالي فمن حقها أن تطلب الحرية والكرامة والعدالة.
وبالتالي إذا تحركت الشعوب المقهورة، واجب علينا أن نؤيدها، هذا ما قلته في الثورات، وذكرته في اللقاء، والمقطع الذي انتشر لم يُذكر فيه هذا الكلام؛ فقد اُقتطع الجزء الذي أعارض فيه الثورات لأنها تؤدي إلى مشاكل، ثم قارنه بمقطع آخر أؤيد فيه الثورات؛ ففي البداية قلت: "نحن نعارض الثورات، لكن نؤيد الشعوب"، وهو ما ذكرته الآن.. ولا أعرف مَن فعل هذا، غفر الله لي وله.
وقد أوضحت هذه الفكرة أكثر من مرة، لكن "الذباب الإلكتروني" لا يزال يعمل بشكل واضح على اجتزاء كلامي، والإجابة باختصار: نحن لا نتمنى الثورات، وإنما نتمنى الإصلاح السلمي، لكن إذا ثارت الشعوب فنحن معها وسنؤيدها.
المفكر الإسلامي المصري، محمد عمارة، كان له كتاب بعنوان "الإسلام والثورة"، وأكد فيه أن الإسلام أيّد التغيير والوقوف في وجه الظلم، فنجد أن التغيير والتمرد على الظلم أمر مفروض في الإسلام، خاصة أن الله أمر المسلمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالفعل لا بالقول فقط، مؤكدا أن الإسلام كان فعلا يمثل ثورة شاملة لمواجهة الظلم وإقامة دولة العدل.. ما تعقيبكم؟
لا شك أن الرسول ﷺ هو أعظم مَن غيّر على مر التاريخ؛ فإذا سمينا التغيير ثورة، فهو أكبر وأعظم ثائر في التاريخ، لكن الثورة بمفهومها الفكري تختلف عن الثورة بمفهومها السياسي، وتختلف عن الثورة الشعبية التي تنزل في الشارع؛ فكلامي كان عن الثورات في الشوارع، أما الثورة على الفكر الضال (كالإلحاد والكفر والشرك والظلم والاستبداد)، كلها يجب القيام بها، لأنها أصل ديننا، وصدق الدكتور محمد عمارة في كلامه -رحمه الله- وأسأل الله أن تفهم شعوبنا هذا المعنى.
كيف ترى الدعوات التي تنادي الشعوب العربية بالتعايش مع الأنظمة الحالية دون أن "يثوروا" عليها؟
بالطبع أنا لا أؤيد مطلقا التعايش مع الظلم والطغيان والاستبداد، وإنما أدعو دائما للتغيير، وأن تُصرّ الشعوب على مواقفها، واختياراتها، وتحرص بشكل كبير على أن تعيش بعزة وكرامة وحرية، وتمنع الاستبداد والفساد المالي والأخلاقي، فإن تم هذا بطريقة سلمية فهذا أمر طيب، وإن لم يتم فمن حق الشعوب أن تثور وأن تُغيّر بالقوة، «ومن رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل..»، هذا الذي علمنا إياه الرسول ﷺ؛ فلم يعلمنا أن نرى المنكر -ونحن قادرون على أن نغيره- ونتعايش معه، فهذا أمر مرفوض في ديننا.
كيف تقيمون ما آلت إليه ثورات الربيع العربي بعد مرور 11 عاما على اندلاعها؟
الثورات لها تأثير كبير في تغيير الفكر، بل وتغيير المشاعر، والشعوب العربية لم تعش في استبداد فقط، بل كانت تعيش على الرضا بهذا الاستبداد، وللأسف كانت مُخدّرة ونائمة. بينما أوجدت الثورات العربية الشعور بأن ما يحدث استبداد وظلم، وكسرت حاجز الخوف عند كثير من الناس.
أما النتائج بمعنى قدرتها على تغيير الحكم والأنظمة؛ فقد غيّرت الأنظمة بالفعل في عدد من البلدان، لكن ما حدث أن بعض الحكومات الضالة والمجرمة، والتي بيدها الأموال، تدخلت وحركت أصحاب النفوس الضعيفة، وصارت ردّة على الحرية، وتراجعت نتائج الثورات التي كانت تمشي بخطى قوية جدا، والمسألة لم تنتهِ بعد؛ فالثورة الفرنسية التي يستشهد بها العالم في التغيير والانتقال إلى الديمقراطية الحقيقية، ويعتبرونها قمة الديمقراطية استمرت 88 سنة، وفشلت ثلاث مرات حتى انتصرت انتصارها النهائي؛ فهذه جولة وليست النهاية.
هل يمكن أن تعود المنطقة العربية إلى ما يوصف بـ"الاستقرار الاستبدادي" الذي كان موجودا وسائدا قبل اندلاع الربيع العربي؟
الاستقرار تحت الاستبداد أمر مرفوض تماما، ولا نرضى به، ولا ينبغي أن نقبله. نعم الأمة اليوم تعيش تحت هذا الظرف، وهو الاستقرار تحت الاستبداد، لكن ذلك لم يكن النهاية؛ فالشعوب ربحت جولة، لكن هذه الجولة لم تغير التغيير الكامل، وقد حدث تغيير كبير بالفعل، لكن تم التراجع عنه، والردّة عليه، لكنها جولة ضمن معركة كاملة، وعندي اطمئنان كامل بأن الأمة لن تستقر تحت الاستبداد، بل ستستقر تحت الحرية والكرامة والعزة، والعودة إلى شريعتها ومنهجها، وعندي اطمئنان كامل بأن الشعوب لن ترضى إلا بذلك، لذا فإن جولات التغيير ستستمر حتى تنتصر الشعوب في نهاية المطاف.
ما أبرز المراجعات المطلوبة في المنطقة، سواء من قِبل الأنظمة الحاكمة أو الشعوب الراغبة في التغيير وتحسين الأوضاع؟
المراجعات المطلوبة كثيرة، وقد شرحت أبرزها في سلسلة كاملة اسمها «الدولة التي أحلم بها» وموجودة في كتاب؛ فمطلوب مراجعات في كل شيء، كالمراجعات الدينية، ومراجعة العلماء لمواقفهم، والتي للأسف كثير منها سيئة، ومراجعة الحكام لاستبدادهم وظلمهم، وخنوعهم وتطبيعهم مع الكيان الصهيوني، وعمالتهم للغرب، ومطلوب تغيير على مستوى العلم، وعلى المستوى الاقتصادي. مطلوب تغيير ومراجعات في كل مكان؛ فالأمة اليوم في اضمحلال وضعف، لكنها ليست النهاية، والمراجعات هذه إن تمت في سلام فخير، وإن تمت بثورة فخير أيضا، فلا بد أن يحدث هذا التغيير، وتتم هذه المراجعات.
وماذا عن رؤيتكم لإعادة تموضع التيار الإسلامي تحديدا في المشهد العربي بعدما تعرض لضربات موجعة وحملات شيطنة واسعة خلال السنوات الماضية؟
الإسلاميون كغيرهم من أجزاء المجتمع والشعب تحت الاستبداد والظلم، لكنهم تعرضوا أكثر من غيرهم لهذا الظلم، لذا نجدهم في كثير من الدول في السجون بلا ذنب، وتم القضاء على كثير من القيادات، وسجن الباقين، والحركة الإسلامية بحاجة لأن تعيد النظر في كل المعادلة، وتعيد النظر في خطتها، وفي إعداد قيادات المستقبل القادرة على التغيير، والأهم من ذلك هو أن تعيد النظر في أدواتها، بحيث تستطيع الوصول لجذور المجتمع وأفراد الشعب والتواجد بينهم، والحركة الإسلامية لها دور كبير في النتائج الفكرية، والتطور الفكري الذي حدث في الأمة، كما أن دورها مشهود في العمل الخيري والإغاثي والاجتماعي، بل حتى العلمي والتعليمي والسياسي وغير ذلك، لكن إذا كان المقصود الوصول للحكم فهذا آخر المطاف وليس أوله.
المفكر دائما ما يحتاج إلى إجراء مراجعات فكرية وحياتية وما إلى ذلك، فما أهم الأمور الفكرية والمفصلية في فكر الدكتور طارق السويدان التي قام بمراجعتها ويعمل على مراجعتها من وقت لآخر؟
بالطبع، على كل إنسان أن يراجع فكره باستمرار، وكلما تعلمنا أكثر اكتشفنا حجم الجهل الذي نعيشه وكنّا نعيشه، وأنا من هؤلاء الذين أعادوا النظر في كثير من الأفكار، لكن الحمد لله لم يحدث تغيير في القضايا الكبرى التي أؤمن بها، وهي الإسلام والمنهج الإسلامي في الإصلاح والحرية والديمقراطية وغيرها، لكن من الموضوعات التي تراجعت عنها على سبيل المثال: موقفي من الموسيقى، كنت أراها حراما، الآن لا أراها كذلك، وموقفي بأن المرأة لا يجوز لها أن تحكم، لكن بالمراجعات والتأمل الشرعي العميق وجدت أن الأدلة على ذلك ضعيفة، وبالتالي يجوز لها أن تحكم وتصل إلى الخلافة، وغير ذلك من المراجعات، فلا حرج من المراجعات، والإنسان إذا رأى الحق في أمر يجب أن يتراجع عن رأيه إن لم يكن مع هذا الحق.
كيف تنظرون للمصالحات والتفاهمات الجارية في المنطقة بين تركيا والإمارات ومصر وقطر والسعودية والبحرين وإسرائيل؟
التفاهمات التي تجري في الأمة إذا كانت بين أجزائها (السعودية، مصر، الإمارات، تركيا، إيران) فهي خير لنا، وهذا أفضل من الفرقة والتشتت ومواجهة بعضهم دون مواجهة أعدائهم.
أما التفاهمات التي تجري مع الكيان الصهيوني، فهذه خيانة لا تجوز، والذي يفعلها بالنسبة لي خائن، ومطبع.. استثني من ذلك بعض الذين وصلوا للحكم والتطبيع قائم، لكنهم يعملون على تخفيف آثاره، أو الاستفادة منه؛ فالسياسة فيها شيء من المرونة في هذا الجانب؛ فننظر لكل دولة بالمنظور الشامل، هل هي ضد العمل الإسلامي، وضد مصالح الأمة، وضد قضية فلسطين، وضد المقاومة الفلسطينية، وضد حماس.. فإن كان هذا موقفها فهذه خيانة كاملة، أما إذا كانت عندها تفاهمات مع الكيان الصهيوني، لكنها في الوقت ذاته تؤيد القضية الفلسطينية وتؤيد المقاومة المسلحة، فهذه لا نقبل موقفها مع الكيان الصهيوني وتفاهماتها، لكن بالتأكيد موقفها أخف من الخيانة الكاملة.
برأيكم، ما تداعيات التطورات الأخيرة، وخاصة الحرب الروسية- الأوكرانية، على المنطقة العربية؟
الحرب الروسية الأوكرانية ما زالت قائمة، فلا نعرف نتائجها، لكن من الواضح جدا أن هناك تغييرا يحدث في النظام العالمي؛ فبعد أن كانت هناك سيطرة أمريكية فقط على العالم، أصبحت هناك مواجهة لهذه السيطرة، وبدأ تشكّل تحالف أقوى -كان موجودا لكنه زاد في المشرق- وهذا التغيير الذي يجري في النظام العالمي يصب في مصلحة العالم كله، بما فيه العالم العربي، لكن هل هناك انعكاس مباشر على العالم العربي؟ بالطبع هناك انعكاسات إذا تغيرت أسعار النفط، أو تعطل وصول القمح؛ فهذه أشياء تؤثر على الناس بشكل إيجابي أو سلبي، أما عن تغيير سياسي في العالم العربي فلا أعتقد ذلك.
الإمارات كانت أول دولة تستقبل رئيس النظام السوري بشار الأسد منذ اندلاع الثورة السورية.. كيف استقبلت هذه الزيارة التي تأتي في ظل محاولات ومساع عربية للتطبيع مع النظام السوري وإعادته للجامعة العربية؟
النظام السوري نظام مجرم ومستبد وطاغ، وتسبب في أكبر كارثة شهدها عالمنا العربي والإسلامي منذ سقوط فلسطين؛ فلم يتغير موقفه ولم يتعدل أو يتحسن، فلماذا يُستقبل؟ ولماذا يعود التفاهم معه؟ ينبغي الاستمرار في الضغط عليه، والعمل على إسقاطه، لذا أعتبر أي استقبال له هو خطأ وخلل كبير يجب ألّا يستمر، بل على الأمة أن تواصل المزيد من الضغط لتغيير هذا النظام المجرم.
وزارة الداخلية السعودية نفّذت مؤخرا أكبر وجبة إعدامات جماعية في تاريخها الحديث، طالت 81 شخصا أدينوا بقضايا متعلقة بـ"الإرهاب".. فهل تعتقد أن المملكة ربما تُقدم لاحقا على إعدام الدعاة والعلماء المعتقلين في سجونها؟
إعدام المجرمين لا حرج فيه، لأن الله -عز وجل- أمر بالقضاء على المفسدين في الأرض، أما إعدام الأبرياء والعلماء فهذا ظلم وجريمة، قد تحدث، وربما حدثت سابقا، فلا نستبعد هذا، لكن شخصيا لا أتوقع أن يحدث ذلك للدعاة في السعودية.
ما أبعاد دعوات بعض الحكام العرب (مثل السيسي ومحمد بن سلمان ومحمد بن زايد وغيرهم) إلى تجديد الخطاب الديني بزعم "إنقاذ الإسلام والمسلمين"؟ وإلى أي مدى تتقاطع دعواتهم مع دعوات بعض المفكرين كالدكتور طارق السويدان؟
تجديد الخطاب الديني كمبدأ وكفكرة هذا أمر مطلوب دومًا، لكن تعتمد على النية، إذا كان تجديد الخطاب الديني ليكون أكثر فاعلية، وأكثر منهجية وعلمية وتطورا، فهذه هي دعوتنا، وهذا الذي نريده ونتمناه؛ لأن كثيرا من الخطاب الديني -مع الأسف- أصابه خلل علمي، بالإضافة أن كثيرا من الدعاة والعلماء أيّدوا الطغيان وأيدوا الاستبداد، لذا نحتاج لتجديد الخطاب الديني، كذلك كثير من الوعاظ، وخطباء الجُمع يخاطبون الناس بطريقة غير فعالة وغير منهجية، وبالتالي النتائج غير مؤثرة، نحن نتحدث اليوم في العالم الإسلامي عن مليون خطبة الجمعة كل أسبوع، أين أثرها؟ هذا دليل على ضعف الخطاب الديني؛ فمن هذه الناحية مطلوب تجديد الخطاب الديني.
أما الدعوات التي يطلقها بعض الحكام ليس المقصود بها هذا، وإنما المقصود هو تمييع الخطاب الديني، ليجعلوه أكثر مرونة في أيديهم ليمارسوا إجرامهم واستبدادهم على الشعوب، وليمارسوا تفاهمهم على الكيان الصهيوني، وهذه محاولة للتلاعب بالدين يجب مواجهتها.
مؤخرا أطلق مغردون على مواقع التواصل الاجتماعي حملة إلكترونية ضد تسويق فكرة ما يسمى "الدين الإبراهيمي" التي تعد دولة الإمارات أبرز المروجين لها.. فكيف ترون ما تسمى الديانة الإبراهيمية؟
"الدين الإبراهيمي" إن كان المقصود به أن هناك أصولا لجميع الأديان، وهي مسألة التوحيد، ودين إبراهيم الحنيف، فهي دعوة حق، لكن الدعوة التي تجري ليست هذه الدعوة، وإنما هي محاولة لإيجاد "مسخ" في الموقف الإسلامي الذي يتبرأ من الولاء لليهود والنصارى تبرؤًا واضحا كما هو في القرآن الكريم، أما جعل المسألة تسامح ولين، فهذا تمييع للدين، وخطاب يجب مواجهته، والوقوف أمامه؛ لأنه ضلال وربما يصل إلى الكفر.
انتقدت بشدة تطبيع الإمارات والمغرب والبحرين مع إسرائيل، بينما لم تأخذ موقفًا واضحا تجاه تطبيع تركيا.. ما تعقيبكم؟
نعم، انتقدت مواقف التطبيع، لأنها ليست تطبيعا بل انبطاحا أمام الكيان الصهيوني؛ فمن اليوم الأول تعاون، واتفاقات وغيرها.. حتى على مستوى شعوب الدول التي بدأت في التطبيع، لكن الشعب في مصر أو الأردن -الذي يعرف التطبيع منذ سنوات طويلة ماضية- يرفض هذا التطبيع، إذن فالتطبيع درجات؛ فما يحدث الآن تمييع شديد، ودرجة غير مقبولة من الذل والخذلان الذي يحدث في الأمة، بالإضافة لحدوث ذلك في ظل مقاومة الدعاة، والعلماء، ومواجهة المقاومة الفلسطينية والتضييق عليها، إذا هي "خيانة كبرى".
أما عن تركيا، فالتطبيع أيضا "خيانة وخلل"، لكنه تم قبل مجيء أردوغان، واستمرار التطبيع أيضا "خيانة وخلل" بالنسبة لي، ويجب عدم الرضا به، لكن بالتأكيد موقف تركيا المؤيد للقضية الفلسطينية وحتى للمقاومة المسلحة، رأينا ذلك خلال «أسطول الحرية» ومحاولة رفع الحصار عن غزة، والكثير من المواقف، وكما أن الخير درجات، كذلك الفساد والطغيان درجات، لذلك موقف تركيا خطأ، وخلل بقبولها التطبيع مع إسرائيل، لكنه بالتأكيد أقل من الآخرين في ذلك، فنحن عقلاء نفهم هذه المعادلات، ونحاول مواجهة البعيد، وتقريب القريب، وليس مواجهة الجميع، وهذا هو موقفي.
خلال الفترة الأخيرة، عاد بعض المعارضين الكويتيين إلى بلادهم إثر عفو أميري.. فكيف تنظرون لواقع الحقوق والحريات في الكويت اليوم؟ وهل لا تزال ترى الكويت بلد الحرية رقم 1 في العالم العربي؟
لا شك أن العالم العربي كله هو أقل حرية من العالم الغربي للأسف، وهذا يخالف ديننا، لكن بالتأكيد أن الكويت لها موقف مُتقدم في الحريات، أحيانا تكون الأولى، وأحيانا تكون تونس، وأحيانا تكون لبنان، ولا أعرف الترتيب الأخير لها الآن، لكن بالتأكيد من الدول المتقدمة في هذا المجال، وهذا لا يعني عدم وجود خلل أو أن الحرية كاملة؛ فما زالت الكويت تتقدم في هذا الاتجاه، ونحن الكويتيين نشعر بحرية شديدة، ونستطيع أن نقول ما لا يستطيع أن يقوله الآخرين في معظم الدول، وهذا من رحمة الله وفضله، ونحمد الله تعالى على الموقف الكويتي الصامد أمام الخيانة والتطبيع، والصامد في وجه الكيان الصهيوني، والرافع صوته في هذه القضية؛ فكل هذه المواقف تُحسب للكويت، لذا أتشرف بكوني كويتيا، وأحمد الله تعالى على الحرية التي نمارسها في بلدنا.
هل "الثورة الإسلامية في إيران" و"تجربة حركة طالبان في أفغانستان" أضافت أم خصمت من رصيد الحركة الإسلامية؟ وإلى أي مدى ترى أن هناك اختلافا بين تجربة طالبان الأولى والثانية؟
لا شك أن الثورة الإسلامية في إيران قد غيّرت الأوضاع هناك، وأنهت الاستبداد الذي كان يمارسه الشاه، وهو من أشد الاستبداد في العالم العربي والإسلامي، لكنها للأسف تحولت لدولة طائفية، ومشغولة جدا بنشر التشيع في العالم العربي، ومحاولة السيطرة على كل العالم العربي من خلال وجودها في العراق، وفي سوريا، وفي لبنان، وفي اليمن، وحتى أجزاء من الخليج العربي، فصاروا مشغولين جدا حتى قسموا الأمة، وتسببوا في حروب داخل الأمة، ولو أنهم تركوا هذا التطرف في التشيع، وحاولوا التفاهم مع أهل السنة، وأن يتركوا المسألة للناس، وليس محاولة الدولة التدخل في ذلك، وابتعدوا عن مساندة الانقلاب في اليمن وأمثاله.. لكان موقفها خير، لكن بشكل عام فإن موقف إيران موقف سيئ، وسلبي، وشرير، ومع الأسف يُسبّب المزيد من الأذى للأمة.
أما طالبان؛ فهي جماعة تريد الإسلام، وموقفهم السابق واضح جدا في التشدّد، لدرجة أنهم كرّهوا الناس ونفروهم من الإسلام، أما الآن وبعد وصولهم للحكم هل ما زالوا على موقفهم القديم، أم بات لديهم شيء من المرونة؟ لم يتضح هذا بعد، لذلك لا أحكم حتى أرى النتائج، ونرى فعلا مدى وعيهم، ومدى فهمهم للإسلام، ومدى مرونتهم في هذه المسألة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يرشدنا ويرشدهم إلى الصواب.
أخيرا.. هل الدكتور طارق السويدان لا يزال ممنوعا من دخول بعض الدول العربية والغربية؟ ومتى سينتهي هذا المنع برأيكم؟
نعم، أنا ممنوع من دخول مجموعة من الدول العربية والغربية، أما عن منعي من الدول العربية؛ فبسبب كوني من قيادات الحركة الإسلامية، أو بسبب موقفي الرافض -وما زال- للانقلاب الذي حدث في مصر، والتراجع عن ثورة الكرامة التي اندلعت في 2011، كنت قبل هذا الموقف ممنوعا من بعض الدول، لكن بعده زادت قائمة المنع في الدول العربية.
أما عن منعي من دخول أمريكا، وكندا، وبريطانيا، وأستراليا، ونيوزيلندا، وغيرها من الدول الغربية.. فبسبب موقفي تجاه الكيان الصهيوني، وهذه كلها أعتبرها "أوسمة شرف" أتشرف بها، وسأستمر عليها، أما المنع فلا يضر، لأنه لا يوجد منع في عالم الأفكار، ولا في عالم الفضائيات والإنترنت؛ فأنا ما زلت ألقي محاضرات في أمريكا وبريطانيا، وحتى اليوم أقوم بذلك، فالحرمان حرمان من السياحة فقط وهذا لا يضر، أما الوصول للأفكار فالحمد لله؛ فاليوم كتبي صارت إلكترونية، وبرامجي تعرض على الفضائيات والإنترنت، ومحاضراتي مباشرة على تطبيق زووم وغيره.