كتب

الأديان والفنون الجميلة بين الإنكار والتوظيف والتشجيع في كتاب

الإسلام شجع الفنون وسما بها للتعبير عما يختلج في نفس الإنسان من مشاعر وأحاسيس

الكتاب: الإسلام والفنون الجميلة 
المؤلف: محمد عبد العزيز مرزوق 
الناشر : الهيئة المصرية العامة 2015


تؤدي الفنون دورا مهما في حضارة الشعوب ووعيها وتشكيل وجدانها على مر العصور. وفي العصر الحديث صارت الفنون، خاصة الفنون الجميلة من عمارة ورسم وتصوير وزخارف، تؤدي دورا مهما في التواصل بين الشعوب وتعظيم دور الدول التي استفادت منها كقوة ناعمة لها تكسبها قوة وانتشارا في محيطها، بل وتوظيفها سياسيا أحيانا لتخدم مصالحها ومصالح وشعوبها.

في هذا السياق، تأتي أهمية كتاب "الاسلام والفنون الجميلة" لمؤلفه محمد عبد العزيز مرزوق، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ليدلل على أهمية هذه الفنون ودورها المؤثر على الأصعدة كافة، وليدلل أيضا على عناية الإسلام بالفنون وانفتاحه عليها والتشجيع عليها، باعتبارها تعبر عن كيان الإنسان ووجدانه وتلبي متطلبات بداخله، ورفض الإسلام كبتها وتحريمها بالمطلق، ولكنْ تعامل معها بواقعية.

مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة 

تضمن الكتاب مقدمة وثلاثة أبواب رئيسية وخاتمة، الباب الأول جاء  تحت عنوان "الأديان السابقة على الإسلام والفنون الجميلة"، وشمل عدة موضوعات منها عصر ما قبل التاريخ: الوثنية والفنون الجميلة، اليهودية والفنون الجميلة، المسيحية والفنون الجميلة. أما الباب الثاني، فكان تحت عنوان "الإسلام والفنون الجميلة"، وشمل عنوانين؛ الأول الاتجاهات الإيجابية وشمل موضوعات، منها: فن الخط، فن الزخرفة، فن العمارة. أما الثاني، فكان تحت عنوان "الاتجاهات السلبية" وشمل عدة موضوعات، مثل: تحريم الربا، كراهية التصوير، تنظيم النقابات، الذهب والفضة، العوامل المساعدة والنقابات الإسلامية، الحسبة، الوقف، وختم بخاتمة لوصف اللوحات المرفقة بالكتاب باللغة العربية والإنجليزية.

خصائص الفن الإسلامي
 
في المقدمة، يتناول الكاتب ما تميز به الإسلام في هذا المجال، حيث أوجد لنفسه فنا جميلا كيفه بتوجيهاته بحسب الكاتب، وبث فيه روحه حتى استقام عوده ونضجت شخصيته، وتجلت للعيان مميزاته، مؤكدا أنه أخذ على عاتقه مهمة إجلاء هذه الميزة، مستعينا بالتحف التي كانت معروضة بدار الآثار العربية.

وهنا يعترف الكاتب بأنه ليس أول من طرق هذا الموضوع، لافتا إلى أنه سبقه في ذلك علماء أجانب من فرنسا وألمانيا، وأنه لم يحط به إحاطة تامة، وأن ما تناوله قابل للتعديل والتطوير لمن يأتي بعده ولا يحتكر وحده هذا الموضوع، بل ربما هذه دعوة منه للاهتمام بهذا المجال والإضافة إليه.

وينهي مقدمته حول الفنون التي يقصدها في كتابه هذا، وهي فنون العمارة والتصوير والنحت والحفر والنقش، أما بخصوص الموسيقى والشعر، فلم يتعرض لهما كون أن كتابه هذا منصب على الفنون المشار إليها سابقا.

تطور الفنون الجميلة

وفي الباب الأول، يتناول الكاتب تطور الفنون الجميلة في عصر ما قبل الإسلام، في محاولة للمقارنة بين هذه الفترة وما بعد الإسلام، مشيرا إلى أن فترة ما قبل التاريخ كان الإنسان يعبر عن فنه من خلال زخرفة جدران كهفه وتزيين أدوات صيده وتجميلها، لافتا إلى أن الإنسان عرف الفنون الجميلة واستخدمها في حياته، ومحاولة لإرضاء القوة الخفية المتمثلة في الطبيعة، لاسترضائها عبر نحت التماثيل وإقامة النصب ورسم الصور.

وتحت عنوان "الوثنية والفنون الجميلة"، يتناول الكتاب الفنون لدى المصري القديم، الذي آمن بعودة الروح بعد الموت للجسد، واستعان بالفن الجميل على تحقيق عقيدته هذه، فزين جدران القبور بنقوش تمثل حياة الميت، ونحت التماثيل له لتحل فيها الروح، وإيداع هذه التماثيل القبور مع الجثة، وكل ما كان يستعمله الميت في حياته حتى يستعملها عند البعث.

ويشير الكاتب هنا إلى نقطة مهمة قائلا: "إذا كانت عقيدة البعث استفادت من فنون النقش والتصوير، فلدى المصري القديم مصادره المختلفة ومنابره الكثيرة، فقد انتفع بهذه الفنون أيضا إلى أبعد حد، فنحتت التماثيل العظيمة للآلهة، ونمقت جدران المعابد بالزخارف الرائعة، وطليت بالألوان الزاهية الجميلة"، ليدلل على أهمية الفنون في هذه الفترة ودورها المهم.

اليهودية والمسيحية والفنون 

ثم ينتقل إلى عنوان آخر يتعلق باليهودية والفنون الجميلة، وهنا يؤكد موقف اليهودية الرافض للفنون؛ باعتبارها دينا سماويا يدعو للتوحيد، والفنون قبلها كانت تدعو للوثنية، ومن هنا كان التحريم المطلق والصريح للفنون، طبقا لما جاء في سفر الخروج ونص يحرم هذا الأمر تماما، وهو ما قضى على الفنون الجميلة عند اليهود بحسب الكاتب، ويشير الكاتب هنا إلى أنه على الرغم من تقدم هذه الفنون في عهد النبي داوود سليمان، إلا أنه تمت الاستعانة بالمصريين والفينيقيين، ولم يمارس اليهود أي من فنون التماثيل والجفان والمعابد.

ثم يختم الكاتب هذا الباب بموقف المسيحية من الفنون، مشيرا إلى ما نادت به المسيحية من تجرد وترك متع الدنيا كما جاء في إنجيل متى، وهو ما جعل المسيحية تبعد عن الفنون ولا تشجع أي ازدهار لها؛ لأنها تنكر جمال هذه الدنيا وتطالب الإنسان بكبت ميوله وغرائزه، لذا لم تبدأ المسيحية بحسب الكاتب فنا جميلا، لافتا إلى أن الفن الذي عرف في المسيحية ما هو إلا فن وثني لبس ثوب المسيحية، وهو فن مسيحي فقط؛  باعتبار ما يؤديه من خدمات للدين المسيحي أو المسيحيين، وليس باعتباره معبرا عن فلسفة هذا الدين.

الإسلام ورقي الفنون الجميلة

وفي الباب الثاني، يتناول الكاتب موضوع كتابه الرئيسي، وهو الإسلام والفنون الجميلة، مشيرا إلى موقف الإسلام من الفنون، المختلف عن الديانات الأخرى، فهو لم يستخدم الفنون الجميلة في دعوته كما استخدمتها الوثنية والمسيحية، ولم ينكر هذه الفنون كما أنكرتها اليهودية، ولكنه تضمن توجيهات مختلفة كان لها أبعد الأثر في تكوين الفن الإسلامي بعضها إيجابي، وبعضها سلبي، وبعضها كانت بمنزلة عوامل مساعدة على رقي الفنون الإسلامية الجميلة ونضوجها، كما أورد الكاتب في صفحة ٢٣من كتابه.

فن الخط والزخرفة والعمارة
 
يتناول الكاتب هنا ما أسماه التوجيهات الإيجابية للإسلام في الفنون، التي تشمل فنون الخط والزخرفة والعمارة، فعن فن الخط يقول المؤلف؛ إنه حَظِي بعناية المسلمين جميعا بنصيب وفير، وكان للخطاطين عندهم مركز ممتاز، لدرجة وصفها الكاتب بأنه تسامى على مركز الملوك والأمراء، مشيرا إلى أن هؤلاء نزلوا إلى ميدان الخطاطين ينافسونهم في صنعتهم، ليس سعيا وراء الكسب المادي، ولكن رغبة في الحصول على الفخر الأدبي، فكانوا يكتبون بأيديهم نسخا من القرآن الكريم يقدمونها للبقاع المقدسة.

وحول فن الزخرفة، أكد الكاتب أنه قد بلغ شأنا بعيدا أقل ما يشهد به أن كلمة "الأرابيسك" علم في تاريخ الفن، ونوع من الزخرفة ابتدعها الفنان المسلم، وصارت ماركة مسجلة باسمه.

ويعترف الكاتب بأن الفنان المسلم لم يخترع وحدات زخرفية جديدة، لكنه أبدع في طريقة رسم هذه الوحدات وتوزيعها،والتأليف بينها وتنسيقها تنسيقا يجعلها تبدو وكأنها اخترعت لأول مرة، وذلك بصهرها في بوتقته ومزجها بفلسفته، مسلطا عليها أشعة عبقريته، بحيث لا يمكن أن تنكر عليه شخصيته القوية عليها.

وحول أداء الفنان المسلم، يؤكد الكاتب أن الفنان المسلم يعنى عناية واضحة بالتفاصيل الدقيقة، بل ويسرف في هذا الميل أحيانا، حيث كان حريصا على أن يخرج زخرفته بحيث لا يكون هناك فراغ ملحوظ بين الوحدات الزخرفية.

 

يعترف الكاتب بأن الفنان المسلم لم يخترع وحدات زخرفية جديدة، لكنه أبدع في طريقة رسم هذه الوحدات وتوزيعها والتأليف بينها، وتنسيقها تنسيقا يجعلها تبدو وكأنها اخترعت لأول مرة، وذلك بصهرها في بوتقته ومزجها بفلسفته، مسلطا عليها أشعة عبقريته، بحيث لا يمكن أن تنكر عليه شخصيته القوية عليها.

 



اما بخصوص فن العمارة، فيرى الكاتب أن الإسلام دفع بمعتنقيه إلى العناية بالفن بطريقة غير مباشرة، من خلال وصف القرآن لجنات النعيم، وصفا شيّقا لعله كان مبعث الوحي للمسلمين فيما سيكون من عمائر، فما كادوا يفتتحون الأمصار ويرون ما لها من آثار، حتى أقبلوا على البناء وشيدوا الصور الشاهقة رشيقة التكوين، موزونة الأبعاد، منمقة الجدران.

يقول الكاتب عن فن العمارة عند المسلمين: "لقد سار المسلمون بفن العمارة إلى الأمام خطوات واسعة، ويكفي أن نذكر فضلهم على العالم أجمع في تحسين القبة، ذلك العنصر المعماري الذي يعتبر من المميزات البارزة في العمارة الإسلامية، فقد ورثها المسلمون صغيرة، ساذحة، بسيطة، محدودة الاستعمال، وردوها إلى العالم كبيرة معقدة جميلة"، مدللا على عظمة الفن المعماري الإسلامي.

النهي عن المحرمات ودوره الإيجابي في الفنون 

وفي الباب الأخير الذي جاء تحت عنوان "التوجهات السلبية"، يتناول الكاتب الآثار التي نجمت فنيا عن  التوجيهات السلبية للإسلام، أي النهي عن بعض الأمور مثل الربا وتحريم التصوير وخلافه، بقوله: "نلمس أثر هذه التوجيهات واضحا فيما نجم عن تحريم الربا، وعن كراهية التصوير، وعن الطريقة التي نظم بها الإسلام استعمال الذهب والفضة والحرير".

وتحت عنوان "تحريم الربا"، يقول الكاتب؛ إن الربا لم يكن له تأثير مباشر في صميم الفن، ولكنه ساعد على تقدمه وازدهاره وانتشاره؛ لأن هذا التركيز الذي جاء صريحا في القرآن، دفع المسلمين إلى استخدام الفائض من أموالهم في توفير وسائل الترفيه المباح في حياتهم، وهذا كان له أثره في بعض الفنون بحسب الكاتب، حيث الإقبال على اقتناء التحف الجميلة، والسخاء في بذل الثمن لها، مما بعث في الفنانين والصناع روح المنافسة والإتقان لها.

ثم يسوق في هذا الإطار عددا من الموضوعات الأخرى، مثل كراهية التصوير، وإجماع علماء الدين الإسلامي على حرمة التصوير المجسمة ما لم تكن صغيرة كلعب الأطفال، مشيرا إلى انقسام الفقهاء حول الصور المسطحة وكذلك علماء الآثار، وهنا يلفت الكاتب النظر إلى بديل التصوير والاتجاهات للمخطوطات، واصفا ذلك بالعبقرية الفنية، حيث شغف المصورون المسلمون بتجميل المخطوطات وتزيين كتب العلم والدين والأدب والتاريخ والصناعة بصور تفسر ما تتضمنه من بحوث وحوادث.

وهنا يدلل الكاتب على استبدال التصوير بفن المخطوطات والاستفادة من التوجيهات السلبية، أي التي تنهى عن أشياء معينة.

وفي هذا السياق، يتناول تحريم الحرير والذهب وتجنب الفنانيين المسلمين هذا الأمر، وصولا إلى الحلي المصنوعة من الذهب والنشاط والتفنن في صنعها والإبداع المدهش فيها، مدللا على ذلك بما تم العثور عليه في أطلال مدينة الفسطاط الإسلامية.

ويشير الكاتب إلى ثلاثة عوامل مساعدة عاونت على نضوج الفن الإسلامي وتقدمه، هي النقابات الإسلامية والحسبة والوقف، فقد أسهمت النقابات الإسلامية بنصيب وافر في تقدم الصناعة، حيث وجود شيخ لكل حرفة ونقيب لها، وأدى ذلك دورا مهما في تطوير وتجويد هذه الصناعات المتعلقة بالفنون، وجاءت الحسبة لتطور أداء هذه النقابات.

أما بالنسبة للوقف، فيؤكد الكاتب دوره في تطوير الفنون وتقدمها قائلا؛ "إننا ندين له في هذا الأمر"، لافتا إلى أن كثيرا من تحف الآثار العربية كانت موقوفة على المساجد، فهذا الأمر ضمن حركة تطور الفنون، خاصة التي تتصل بالمساجد من بناء وصناعة وزخرفة، فلولا تلك الأموال، لضاع هذا التراث الفني العظيم، بحسب الكاتب.

خاتمة

وفي خاتمة كتابه، يشير الكاتب إلى موقف الاسلام من الفنون الجميلة، وكيف أنه يختلف عن باقي الأديان الأخرى، فلم يستخدمها في دعوته كما فعلت الوثنية والمسيحية، ولم ينكرها كما أنكرتها اليهودية، ولكنه أثر فيها ببعض توجيهاته ونظمه وترك الإنسان يلبي ما تنطوي عليه نفسه من غرائز السمو، دون أن يعترض سبيله أو يحد من نشاطه، وهذا التسامح من جانب الإسلام مع الفنون، دفع المسلمين إلى الإقبال عليها بنفس راضية مطمئنة.

وينهي كتابه بالقول: "لقد اعترف علماء الآثار من الغربيين بما تركه الفن الإسلامي في فنون بلادهم من آثار واضحة، حيث الحروف العربية والزخارف الإسلامية، نباتية كانت أو هندسية، قد أثرت جميعها في فنون أوروبا"، مدللا على ذلك بوصف عدد من اللوحات التي أوردها في نهاية كتابه باللغتين العربية والإنجليزية.