أحقاً أنّ إسرائيل جارة .. وأن لها ذماماً أو طهارة؟!
وهل شارونُ ذَبّاحُ اليتامى .. له غير الجريمةِ من تجارة؟!
وأمريكا هل انعطفت إلينا .. فتصبح للعروبة مستشارة؟!
وهل ذهبت مذابحُنا هباءً .. وهل ينسى الكريم الحرُّ ثاره؟!
وأرضي في الفَلوجة أين ضاعت .. وأين دماء أطفال الحجارة؟!
أيصفعُ كافرٌ أمي وأختي .. وأزعمُ أنه تركَ القذارة؟!
يكسّر خصمُنا عظمَ الصبايا .. ونهتفُ للسلامِ وللحضارة؟!
هذه الأبيات ألقاها الشاعر أحمد فرح عقيلان في حفل افتتاح السفارة الفلسطينية في الرياض عام 1989، بحضور الملك سلمان بن عبد العزيز (كان يومها أمير الرياض ورئيس اللجنة السعودية لدعم الانتفاضة) ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات في ذروة انتفاضة الحجارة. وقد أفرد لها عرفات رداً مطولاً في خطابه يومها.
قصيدةٌ أنشدَتْها في تسعينيات القرن الماضي فرقة فنية فلسطينية لشباب مهاجرين في أمريكا لشاعر فلسطيني مهجر من الفالوجة إلى غزة ويقيم في السعودية، تدل على ترابط الفلسطينيين في كل مكان. فإذا كانت أبيات شعر عن القضية تجمعهم بهذه الطريقة، فكيف هو حال القضية مع الأجيال الفلسطينية التي قيل عنها يوماً أنها ستنسى؟!
ترجمة الشاعر عقيلان
يُعد شاعرنا الشيخ أحمد فرح عقيلان من شعراء فلسطين الإسلاميين، ولد عام 1924 في الفالوجة، في قطاع غزة، وكان والده من علماء الأزهر، فنشأ في بيئة متدينة وتعلم في مدارس القطاع، ثم انتقل إلى القدس وحصل على الشهادة الثانوية من "المدرسة الرشيدية" عام 1942، بعدها حصل على الشهادة العليا لمدرّسي اللغة العربية من الكلية العربية عام 1946.
عمل مدرّساً للّغة العربية في بعض مدن فلسطـين، مثل رام الله وغزّة، شهدت بلدته حصاراً شديداً إبان النكبة، وعانت عائلته من ويلات النكبة والتشرُّد، وقدَّمت الكثير من الشهداء، وقد أدّت أحداث النكبة إلى نزوحهم نحو خان يونس في قطاع غزة عام 1948.
وفي عام 1957، هاجر إلى السعودية، ودرّس فـي "معهد العاصمة النموذجي" بالرياض حتى عام 1976، وعمل مديراً للأندية الأدبية برئاسة رعاية الشباب، ثم مـسـتشاراً بها. وعمل مستشاراً للأمير فيصل بن فهد في الشؤون الثقافية، وكان من ضمن مؤلفي مناهج مواد اللغة العربية بوزارة التعليم السعودية. كما كان داعية في الإذاعة وقدم برنامج "في تفسير القرآن". وكان إماماً وخطيباً لمسجد الخيال بحي النسيم في الرياض. وكان عضواً في رابطة الأدب الإسلامي العالمية.
تظلِّلنا هذه الأيام ذكرى مرور ربع قرن على وفاة شاعرنا، حيث تُوفي في المسجد حين كان يؤمّ الناس في صلاة العشاء، يوم الأربعاء 19/2/1997، بعد حياة أفناها بالعطاء والدعوة والإبداع، حاملاً همّ فلسطين حتى آخر أيامه.
تميّز شاعرُنا بجودة شعره، وله في النقد الأدبي دراسات جادة واعية، وهو ذو اطلاع واسع على الأدب المكتوب باللغة الانجليزية وله فيه قراءات متعددة، ويُحسن نقد الشعر الإنجليزي ويعرف قواعده واتجاهاته ومنطلقاته الثقافية والعقدية والفكرية.
وأحسب أن شاعرنا كان يكتب من صميم قلبه، ولم يكن ينظمُ نَظماً، وكانت مشاعره والتزامه الوطني تظهر في قصائده الجميلة كقصيدة "فلسطين"، أو في إلقائه كما في قصيدته عن مجزرة صبرا وشاتيلا، التي غصّ بالكلمات وأدمع عندما ذكر شاتيلا في أثناء إلقائه للقصيدة في الرياض (المقاطع موجودة على اليوتيوب).
الإنتاج الشعري
تنوّعت الأغراض في شعره، ولكن قضية فلسطين، ممتزجة بالهمّ الإسلامي العام تبقى المحور الذي تتفرع عنه، وتعود إليه القضايا الأخرى، فهناك قضية الدعوة الإسلامية، والواقع الاجتماعي للمسلمين، وما يتصل به من قضايا المرأة والشباب، إنها تتجاذب وتتداخل لتدلّ على موقف الشاعر.
لُغتُه قريبةٌ مأنوسةٌ طيِّعة تأخذ الكلمات مواقعها المناسبة فلا تجد للضرورة أثراً ولا للتكلف مكاناً، يجمع بين التعبير المباشر الذي يقترب من لغة الخطاب اليومي، والتصوير المستمَدّ من الموروث الشعري، أو من تركيب مخيلته.
قدم رحمه الله العديد من الإنتاج الشعري والإبداعي والسِّيَر والتراجم، منها: "أبطال ومواقف" عن دار ابن حزم، بيروت. وله في النقد الأدبي "جناية الشعر الحر" عام 1982. "الأصالة والحداثة" عام 1986.
له ثلاثة دواوين: "جرح الإباء" عام 1980. "رسالة إلى ليلى" عام 1981. "لا يأس" عام 1998 (نُشر بعد وفاته).
قصيدة "إلى بلدتنا"
بلدي أتذكرني؟! أتذكر أحمدا؟! .. أنا مانسيتك رغم ما فعل العِدا
في كل شبرٍ من ثراك تشدّني .. ذكرى شبابي عاطراً ومورَّداً
فالوجتي الزهراء يا حلمَ المنى .. روحي فداكِ وأنت أغلى مفتدى
منذ افترقنا يا حبيبةُ لم أزل .. عبداً وكنت على ترابك سيّداً
واللهِ منذ فراقنا ما لذَّ لي .. عيشٌ ولا برحَ الفؤادُ مشرَّداً
والعمرُ بعدك يا حبيبةُ قد غدا .. سجنًا من الموت البطيء مؤبَّداً
ومن أقوى شعره قصيدة "قذائف الكلام" ومطلعها:
يا بني العرب يا حماة البيد .. أين عشقُ العُلا وعزمِ الأسودِ
ومنها قوله:
لا ترد الحقوق في مجلس الأ .. من، ولكن في مكتب التجنيد
الشكاوى إلى المجالس لغوٌ .. وأزيز الرصاص بيت القصيدِ
إن ألفي قذيفة من كلامٍ .. لا تساوي قذيفةً من حديدِ
وتُعدّ قصيدة "فلسطين" إحدى أرقى نماذج شعره المعبر عن فلسطين.. الأرض والشعب والقضية.
أفدي التي علمتني كيف أفديها .. وأتحفتني نظيمَ الدُّرِّ من فيها
أبهى من الوردِ في أبريلَ بسمتُها .. إذا رأتني أغني في مغانيها
كان الجمالُ الفلسطينيُّ يأسِرُني .. فيها وحِلْيةُ آدابٍ تُحلِّيها
لهفي عليها فلسطينيةٌ نُظمت .. فيها الملاحةُ في أبهى مَعانِيها
لو أنَّ قَيساً رآها في صَواحِبِها .. لقالَ يا ليتَ ليلى مِن جَوارِيها
كانت على قِمّةٍ شَمّاءَ دارتها .. وحولَها مرجُ رامَ الله وواديها
وكان شرخُ شبابي عارماً غَزِلاً .. يسوقني رغم أنفي نحو أهليها
وتمتدّ القصيدة الطويلة في التاريخ والأمجاد ثم يختمها الشاعر بالدعوة إلى استرداد الحق بالمقاومة:
درس العلا من صلاح الدين علمنا .. أن البطولات تؤتى من أعاليها
ما نفعُ ألفِ خطابٍ صارخٍ زَلِقٍ .. تكفيكَ لحظةُ صمتٍ من فِدائيها
لن نَشحذَ الحقَّ مِن لِصٍّ وَمُغتصِبٍ .. هَذى السياسةُ حَامِيها حَرَاميها
إن شئتَ فاذهبْ معي فالقدسُ مُنتظرٍ .. هذى الكرامةُ في أسمى مَعانِيها
يا أُمَّتي في ظَلامِ الليلِ لا تَهِني .. لا يَطلعُ النّورُ إلا مِن دَياجِيها
محمد البرعصي.. ترك "الميري" وحمل سلاح الدفاع عن فلسطين
رمزان في التاريخ المكتوب والشفوي للهوية الوطنية الفلسطينية
سلمى الخضراء الجيوسي.. أطلقت الشعر الفلسطيني إلى العالمية