قضايا وآراء

الانتخابات الليبية بعيون مصرية

1300x600
بين تأكيد وتشكيك تجري الاستعدادات للانتخابات الرئاسية الليبية يوم 24 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، حيث استقبلت مفوضية الانتخابات العديد من طلبات الترشح للرئاسة، ومئات طلبات الترشح للبرلمان، ولا تزال تنتظر المزيد حتى موعد إغلاق الترشيح يوم الاثنين (22 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021).

تضم خارطة المرشحين الرئاسيين حتى الآن طيفا واسعا من مرشحي الثورة والثورة المضادة والنظام السابق. هذه اللوحة الانتخابية تبدو مبهجة للبعض بما تضمنته من تنوع يمنح الليبيين خيارات واسعة في الانتخاب، وتبدو مرعبة للبعض ممن يدركون أن الانتخابات لا تحسمها أصوات الليبيين فقط؛ بل تحسمها حسابات وتدخلات دولية لا تخطئها عين.

المشهد في جانب منه يذكرنا بنظيره المصري في انتخابات الرئاسة عام 2012، والتي ترشح فيها 13 مرشحا يمثلون كل ألوان الطيف السياسي؛ سواء المنتمين للثورة، أو النظام السابق. فمعسكر الثورة ضم الفائز في تلك الانتخابات الدكتور محمد مرسي، والمرشحين حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح، وخالد علي، والدكتور سليم العوا، وأبو العز الحريري. وعلى الجانب الآخر ضمت قائمة مرشحي النظام السابق الفريق أحمد شفيق آخر، رئيس وزارة في عهد مبارك، واللواء عمر سليمان، نائب مبارك ورئيس المخابرات العامة (قبل رفض طلب ترشحه لنقص بعض المتطلبات، وهو ما انطبق على المرشح الإسلامي حازم صلاح أبو إسماعيل أيضا)، أيضا عمرو موسى، وزير خارجية مبارك لعشر سنوات، واللواء حسام خير الله، وكيل المخابرات العامة السابق.
المشهد في جانب منه يذكرنا بنظيره المصري في انتخابات الرئاسة عام 2012، والتي ترشح فيها 13 مرشحا يمثلون كل ألوان الطيف السياسي؛ سواء المنتمين للثورة، أو النظام السابق

في قائمة المرشحين الأولية الليبية حتى الآن يقف على رأس مرشحي ثورة 17 فبراير فتحي باشاغا، وزير الداخلية السابق وابن مصراتة صاحبة الدور الأبرز في الثورة، وإلى جانبه "بلدياته" أيضا أحمد معيتيق، نائب رئيس حكومة الوفاق السابق، ونوري بوسهمين، رئيس المؤتمر الوطني السابق، في حين أعلن خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة مقاطعته للانتخابات ترشيحا وتصويتا لعدم استنادها لقاعدة دستورية واضحة، وهو ما يؤيده فيه عبد الحميد دبيبة، رئيس الحكومة الحالي (والمحتمل أن يتقدم للترشيح في اللحظات الأخيرة إذا جرت تعديلات قانونية قبل إغلاق باب الترشيح، وهو ما يبدو صعبا).

وفي الطرف المقابل، ترشح كل من اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وزميله في المعركة عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، وسيف الإسلام القذافي ومعه أيضا صديقه محمد أحمد الشريف، رئيس جمعية الدعوة الإسلامية (الذراع الدينية الخارجية لنظام القذافي) والذي قضى بضع سنوات في السجن بعد الثورة، وبشير صالح، مدير مكتب القذافي الأب.

ومن الواضح أن ترشح عقيلة مع حفتر والشريف وبشير مع سيف ليكونوا مرشحين احتياطيين في حال رفضت اللجنة الوطنية للانتخابات ترشح كل من حفتر وسيف، أما إذا اجتازا العقبة فعلى الأغلب سينسحب كل من عقيلة والشريف، وبشير. ومن الواضح أنهما (حفتر وسيف) استفادا من خبرة الانتخابات الرئاسية المصرية، حيث ترشح الإخوان الدكتور محمد مرسي ليكون بديلا لخيرت الشاطر في حال رفض ترشحه، وهو ما حدث فعلا.

وكما حدث في مصر تكرر الأمر في ليبيا، فقد فشلت كل الجهود خلال الفترة الماضية للتوافق بين تيار الثورة على مرشح واحد يخوض المعركة منعا لتفتت الأصوات، وغلبت النزعات الشخصية والقبلية، فتقدم أكثر من مرشح، وهو ما يمثل خطرا عليهم جميعا. ولكن الوضع في الشرق أو ممثلي الثورة المضادة ليس أحسن حالا، فترشح حفتر وسيف القذافي وعارف النايض وعلي زيدان يفتت أصوات هذه الجبهة أيضا.
فشلت كل الجهود خلال الفترة الماضية للتوافق بين تيار الثورة على مرشح واحد يخوض المعركة منعا لتفتت الأصوات، وغلبت النزعات الشخصية والقبلية، فتقدم أكثر من مرشح، وهو ما يمثل خطرا عليهم جميعا. ولكن الوضع في الشرق أو ممثلي الثورة المضادة ليس أحسن حالا،

لكن الفارق الأبرز بين الانتخابات الرئاسية المصرية والليبية هو افتقاد الأخيرة لقاعدة دستورية تحدد مهام واختصاصات رئيس الدولة وعلاقته بباقي السلطات.. الخ، ولهذا السبب تتصاعد المعارضة لها في الغرب الليبي، وتنذر بعدم إتمامها مع تهديد العديد من البلديات بإغلاق لجان الاقتراع، وهو ما قابلته القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) بتهديدات صريحة لكل من يعيق العملية الانتخابية وشطبه من الحياة السياسية والعسكرية.

وهذا بدوره يقودنا إلى دور القوى الكبرى في هذه الانتخابات، وهو الدور الذي يفوق دور الناخب الليبي. فالولايات المتحدة تريد إتمام الانتخابات بأي شكل أملا في طرد القوات الأجنبية من ليبيا خاصة الفاجنر الروسية، وفرنسا تبذل كل جهودها كما حدث في مؤتمر باريس الأخير لإتمام الانتخابات، أملا في فوز أحد مؤيديها. والمرشحون الكبار في هذه الانتخابات يستندون لقوى دولية ذات نفوذ في الشأن الليبي، فسيف الإسلام يستند للقوة الروسية، وحفتر يستند للقوة المصرية الإماراتية، وحتى الفرنسية، وفتحي باشاغا يحاول تنويع داعميه بين أمريكا وإيطاليا وحتى فرنسا، بينما تبدو تركيا أقرب لموقف المطالبين بتأجيل الانتخابات الرئاسية حتى يتم إقرار قاعدة دستورية لها (وقد تعدل موقفها في الجولة الثانية).

ستبذل القوى الكبرى ما في وسعها لإيصال المرشح المفضل لها إلى الدور الثاني والذي سيكون الأكثر استقطابا، ولعل التجربة المصرية التي ستكون ملهمة لقوى الثورة الليبية هي تجربة الجبهة الوطنية المصرية التي عرفت باسم جبهة فيرمونت، وهي الجبهة التي ضمت ممثلين لمعظم القوى الثورية من كل التيارات، ودعمت المرشح الدكتور محمد مرسي حين ظهرت احتمالات حدوث تزوير لصالح مرشح الدولة العميقة (أحمد شفيق) في الجولة الثانية.

قد يكون العزوف عن التصويت هو سيد الموقف في ظل الخلافات الحالية، وفي ظل الوقائع على الأرض، فالذين لهم حق التصويت هم 4.7 مليون ليبي، بينما قام بالتسجيل لدى مفوضية الانتخابات 2.8 مليون فقط، وربما لن يتجاوز عدد المصوتين الذين يمتلكون بطاقات انتخابية نصف هذا العدد، أي أن 700 ألف ناخب يمكنهم حسم النتيجة من الجولة الأولى. وتتمتع قوى فبراير بغالبية هذه البطاقات لكنها موزعة بين أكثر من مرشح، بينما يمتلك الشرق كتلة اقل لكنها أكثر تماسكا خاصة حال انسحاب عقيلة لصالح حفتر.
تظل احتمالات إتمام الانتخابات في موعدها مشكوكا فيها، كما تظل احتمالات القبول بنتائجها - لو تمت - ضعيفة، فالغرب الليبي لن يقبل بفوز خليفة حفتر حتى لو وصل الأمر لحرب جديدة، ولن يستطيع حفتر دخول طرابلس، بينما هدد هو (أي حفتر) صراحة برفض النتيجة حال خسارته، وهذا يعني جولة عسكرية جديدة أيضا

ومع ذلك تظل احتمالات إتمام الانتخابات في موعدها مشكوكا فيها، كما تظل احتمالات القبول بنتائجها - لو تمت - ضعيفة، فالغرب الليبي لن يقبل بفوز خليفة حفتر حتى لو وصل الأمر لحرب جديدة، ولن يستطيع حفتر دخول طرابلس، بينما هدد هو (أي حفتر) صراحة برفض النتيجة حال خسارته، وهذا يعني جولة عسكرية جديدة أيضا.

يتنوع الموقف المصري تجاه الانتخابات الليبية بين النظام الحاكم والمعارضة بقسميها الراديكالي (المتمثل في رافضي الانقلاب عموما)، أو المعارضة المدنية الإصلاحية التي تعمل من داخل مصر، وإذا كان هناك اتحاد في الرؤية بين الجميع على حماية الأمن القومي المصري، فإن هناك اختلافا حول تفصيلات الأخطار التي تواجهه. فالنظام الحاكم في مصر يرى أن فوز أحد مرشحي الثورة الليبية خطر داهم على الأمن القومي، بينما هو في الحقيقة خطر فقط على النظام. وتشاطره هذا الموقف المعارضة المدنية الداخلية، فيما يختلف موقف المعارضة الراديكالية التي تجد نفسها في صف واحد مع قوى الثورة الليبية، وتتمنى فوز أحد مرشحيها ليمثل ذلك انتصارا لقوى الحرية والمدنية في المنطقة عموما.

twitter.com/kotbelaraby