قضايا وآراء

بين أبراج 11 أيلول الأمريكية وأبراج 15 أيار الفلسطينية!

1300x600
في الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر عام 2000 تم تفجير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك وبعدها قامت الدنيا ولم تقعد، وجندت أمريكا العالم لمحاربة ما يسمى الإرهاب وقامت باحتلال أفغانستان ومن ثم العراق ومارست هناك بهذه الذريعة كل صنوف وأشكال القتل والتدمير والإرهاب. وصنّفت العالم: إمّا معها في حربها هذه على الإرهاب! أو ضدّهها. وصارت أمريكا تبدو أنها ومن معها في الصفّ العالمي الذي وقع ضحيّة للإرهاب، وبالتالي خوّلتها هذه الصفة أن تحارب الإرهاب بالطريقة التي تراها مناسبة، ولها الحق في أن تصنّف وتدير العالم على هذا الأساس بكل الطرق التي تناسب مقاسها وتتحرّك حسبما تراه أهواؤها.

وعندما ننظر الى أبراج غزة نرى هول المفارقة، فماذا نقول هنا عن كيان يدّعي أنه دولة فيمارس على الملأ إرهاب الدولة، معروف العنوان والهويّة وبكلّ صلف لا يخشى من أن يوصم بالإرهاب وأن يلاحق من قبل دعاة حقوق الانسان وكل القيم الإنسانية التي تتصف بها البشرية هذه الأيام، يرتكب الجريمة بكل غطرسة وعنجهية ولا يخشى في ذلك لومة لائم، ولا أن تتحرّك ضده هذه الدول التي تدّعي محاربة الإرهاب وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية؟

أين ما تدّعيه هذه "الدولة" من القنابل الذكّية التي تصيب بدقّة جراحية؟ أين ما تدّعيه من أخلاقيات جيشها وحروبها الاحترافية؟ هذا الفعل يؤكد أنها مجرّد عصابة إجرامية لا تزيد ولا تقلّ، هي عبارة عن كتلة إرهابية لا تعرف من الحياة إلا ممارسة الإرهاب والعدوان.

هي بهذا الفعل تلخّص تاريخها، ماضيها وحاضرها ومستقبلها، قامت على الإرهاب ولم تتمكّن من الأرض التي احتلتها في فلسطين إلا باستخدام كافّة الوسائل والطرق الإرهابية. فلا يمكن لشعب فلسطين أن يكون قد خرج من دياره هائما على وجهه بعد أن ترك بياراته ومدنه وقراه من إرهاب قليل، بل كيل له من الإرهاب ما دفعه الى هذه الهجرة الجماعية المريعة! وبالمناسبة فنخن هذه الأيام نعيش ذكرى النكبة وتلك المجازر المريعة التي هجّرت شعبا بأكمله واقتلعته من مدنه، وقراه ليعيش الشتات ومخيمات اللجوء منذ ثلاث وسبعين سنة.

أمريكا طالبت كل دول العالم أن تدين ما تعرّضت له من هجمات، واليوم هي ليس فقط لا تدين، بل وتقف بالباع والذراع وتتماهى مع المجرم وتحبط أية محاولة في مجلس الأمن لإدانة هذا الإرهاب.

أمريكا جيّشت تحالفا دوليّا وقادت حملة ضدّ من قام بتفجيرات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، واليوم هي تقف بكل ما لديها من قوة ونفوذ مع المجرم!! تقف مع من يقوم جهارا وعلانية بهذه الجريمة، تمارس ازدواجية معايير ساحقة وكأن العالم ذاكرته قصيرة ولا يقارن بين موقفها وما فعلته عندما أصابها الإرهاب! وبين ما تقوم به من دعم للإرهاب الذي تمارسه ربيبتها بلا حدود.

وهنا تقف أمريكا (ومن يناصرها) عارية من القيم الإنسانية، ويجدها الناس حيث التناقض والاختلال في الموازين والمحاباة بكل عنجهية وصلف دون أن يكون لفعلها وجاهة تتستّر بها وتغطّي سوأتها. فأية قيم إنسانية تمثّلها وهي تقف بهذه الصورة الفظّة القاسية المريعة المتناقضة؟ لن تعدو صورتها صورة رجل الكابوي الذي يحترف القتل والإجرام وصورة ذاك الإنسان الأبيض الذي أقام صرحه على جماجم ما يزيد عن ثمانين مليونا من الهنود الحمر الذين أبادهم دون أية رحمة أو صورة.. ذاك الذي يلقي القنابل الذريّة على المدن اليابانية فيبيد ويشوّه مئات الألوف من البشر، أو ذاك الإرهاب الذي قضى على ملايين البشر في العراق وأفغانستان بحجة محاربة الإرهاب، فمورس الإرهاب عليهم أضعافا مضاعفة.

إن ما يقوم به هذا الكيان وبدعم غير محدود من الولايات المتحدة، من تدمير وقتل وإرهاب، وتلك الأبراج السكنية التي يتفنّن في هدمها في في غزة بصورة مريعةـ ما هو إلا دليل ساطع على إرهاب العصابة التي تأخذ شكل الدولة، إرهاب يثبت أنهم قد أفلسوا من أن يكون لهم حضارة إنسانية تستحق الاحترام، بل هي على العكس تماما لا تمتّ للحضارة الإنسانية بصلة، وهي عبارة عن كتلة إجرامية لا تعرف إلا الجريمة وقتل الحضارة الإنسانية وممارسة الإرهاب.