قضايا وآراء

لماذا كانت جماعة الإخوان؟ وما أهمية بقائها؟ وإلى متى؟ (1-5)

1300x600

اعتقاد خاطئ وخلل جسيم!

يعتقد السواد الأعظم من أبناء جماعة الإخوان المسلمين بـ"أبدية الجماعة"، أي أنها قامت لتبقى، ومن ثم فإنهم يتعصبون لها كما لو كانت الإسلام ذاته! وهذا (لعمري) خلل جسيم، أحسب أنه يأتي، في موقع متقدم بين الأسباب التي أدت إلى حرف هذا الكيان العظيم عن غايته التي تأسس لأجلها.. فهؤلاء الأعزاء لا يقبلون التسليم بأن هذه الجماعة تأسست لإنجاز مهمة محددة (مؤقتة)، تنتهي بالنجاح أو الفشل، ولم تتأسس لتدير شؤون الأمة (عوضا عن الخلافة).. كما أنهم لا يريدون التسليم بإمكانية أن تتحقق هذه المهمة على يد رجل آخر، غير الأستاذ البنا (رحمه الله)، وعلى يد آخرين غير الإخوان المسلمين!

من بين القلة أو الأقلية التي لم تؤمن بهذا الاعتقاد المعطوب، الدكتور أحمد العسال (رحمه الله).. وليسمح لي القارئ العزيز بسرد واقعة شخصية، كنت أنا السائل فيها، وكان الفقيد الكبير هو المجيب، فهذا الحوار (على قصره) ينسف هذا الاعتقاد (الخاطئ) من جذوره..

قبل نيف وثلاثين سنة، كنت أعمل مخرجا ومحررا في القسم العربي بمعهد الدرسات السياسية، بإسلام آباد، وكنت (حينها) عضوا عاملا بالإخوان المسلمين، وكان الدكتور العسال (رحمه الله) يشغل منصب رئيس الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد، أما الداعي للقاء فكان الدكتور شريف الخطيب (حفظه الله)، الأستاذ بالجامعة ذاتها ومسؤول الإخوان المسلمين بإسلام آباد وقتذاك.. وأما اختيار الدكتور الخطيب للدكتور العسال؛ فلأن الدكتور العسال كان أبا روحيا لأبناء الإخوان المسلمين أينما حل، فهو واحد من رعيل الجماعة الأول، وعالم وفقيه، ودود وحكيم، مسموع الكلمة مُطاع، لا يخشى في الله لومة لائم، وقد ظلت علاقته التنظيمية بالإخوان قائمة حتى آخر يوم في حياته (رحمه الله).

تجرد الدكتور العسال وسلامة فهمه

كان الدكتور الخطيب قد طلب إليَّ كتابة "تقييم لأداء الأسرة" التي كنت عضوا فيها، فلم أفعل عامدا، لا ناسيا ولا متكاسلا! راجعني الدكتور الخطيب أكثر من مرة، فكنت لا أستجيب، وأعتذر عن عدم تلبية طلبه! فلم يجد بُدا من زيارتي في مكتبي، مستفسرا عن عدم استجابتي لطلبه، فأجبته: "بأني لم أستطع استحضار "نيّة" سليمة لكتابة هذا التقييم"، ذلك لأني كنت مستاءً جدا من أداء الأسرة، ونقيبها الذي كان أخا فاضلا، نقيا بسيطا، لا يصلح لأي موقع قيادي، حتى لو كان هذا الموقع "نقيب أسرة"!

وكنت مستاءً (أيضا) من أمور أخرى، منها الجانب الاجتماعي، ممثلا في العلاقات البينية بين الإخوان، التي شابتها "الطبقية" حينا، وصبغتها "المصلحة" أحيانا، فتراجعت مشاعر "الأخوّة"، وقبل كل ذلك وبعده ذلكم التعصب والتشنج اللذان كانا يسيطران على كثير من الإخوان (الذين عايشتهم على الأقل) كلما تحدثوا عن جماعة الإخوان.. فسألني الدكتور الخطيب: "ماذا لو زرنا الدكتور العسال؟ هل يمكنك البوح بما لديك أمامه؟"، فأجبته: "نعم" بكل سرور.. فضرب موعدا مع الدكتور العسال في بيته، وكان حوار ماتعا جزلا مفيدا، بين أب حنون وابن غاضب مستاء، استغرق نحو ساعتين، وكان من أعظم اللقاءات التربوية والفكرية التي مرت في حياتي!

شاهدي من هذا اللقاء الذي أسوقه هنا كان سؤالا واحدا، شديد الوضوح، وكانت إجابته شديدة الإيجاز والوضوح أيضا، فالأمر (في نظري) أوضح من أن يحتاج إلى شرح! وكنت (بهذا السؤال) أريد الحصول على رد قاطع مانع، على أولئك الغلاة المتعصبين للإخوان من الإخوان، وإخوانهم من غير الإخوان، تعصبهم للإسلام ذاته! فلم يستطيعوا التمييز بين فكرة (الإخوان) التي تخدم الإسلام، إلى جانب أفكار أخرى، ودين الله (الإسلام) الذي لا دين سواه!

السؤال (الكاتب): ماذا لو قيّض الله لهذه الأمة رجلا، آتاه الله ما لم يؤت حسن البنا، من ملكات وقدرات، وبدا لي أن طرح هذا الرجل، يفوق طرح الأستاذ البنا، نضجا وإحكاما.. هل أبقى مع الإخوان، أم ألحق بهذا الرجل وأنصره؟


الجواب (الدكتور العسال) بكل تؤدة وهدوء امتزجا بابتسامة نورانية علت محياه: بل عليك أن تلحق بهذا الرجل وتنصره..

سبع كلمات واضحات، لا أراها "رأيا شخصيا" للدكتور العسال، وإنما أعدها "فتوى شرعية" صادرة عن عالم فقيه، راسخ القدم في العلم و"الدعوة"؛ ذلك لأن "مفارقة الجماعة" و"نقض البيعة" مصطلحان شرعيان، يُدينان ويؤثمان مَن يقترف أيا منهما! فما بالك واللحاق بالمُصلح الجديد وجماعته الوليدة يعني بالضرورة "مفارقة الجماعة" و"نقض البيعة"..

إن هذا الصدق، وهذا التجرد، وهذا الفهم العميق من جانب الشيخ العسال (رحمه الله) يقودنا إلى لب الموضوع الذي عنونت به هذه السلسلة، ألا وهو: "لماذا كانت جماعة الإخوان؟ وما أهمية بقائها؟ وإلى متى؟"..

(يُتبع)..

twitter.com/AAAzizMisr