قرار
مفاجئ وغير مفهوم ولا معلوم الدوافع بعودة التنسيق الأمني وكافة العلاقات الأخرى بين
السلطة الفلسطينية والاحتلال الاسرائيلي، فيما المرعب والمهين والمعيب في هذا القرار
أنه يأتي بالتزامن مع قرار اسرائيلي ببناء حي استيطاني جديد يلتهم ما تبقى من
أراضي الشطر الشرقي من مدينة القدس المحتلة، كما يأتي بعد فترة وجيزة من اتفاقات
التطبيع بين ثلاث دول عربية وبين دولة الاحتلال، وهي اتفاقات رفضها الفلسطينيون
جملة وتفصيلاً بكافة أطيافهم، بمن فيهم السلطة الفلسطينية ذاتها التي تعود اليوم
بشكل مفاجئ للحضن الاسرائيلي.
إعلان
السلطة الفلسطينية عودة العلاقات مع اسرائيل بشكل كامل بما فيها التنسيق الأمني
الذي قررت منظمة التحرير سابقاً تعطيله، هذا الاعلان يأتي بعد أقل من 24 ساعة على الكشف
عن حي استيطاني اسرائيلي عملاق في الشطر الشرقي من القدس المحتلة، وهو حي من
المقرر أن يلتهم أكبر مساحة فارغة موجودة حالياً في المدينة، حيث سيتم على هذه
الأرض تشييد 1257 وحدة سكنية، والأهم من ذلك أنه سيقع في منطقة استراتيجية بالغة الأهمية
الى الجنوب من المدينة المقدسة، وسوف يشكل أخطر تغيير ديمغرافي تشهده مدينة القدس
منذ سنوات طويلة.
قرار
السلطة بعودة التنسيق الأمني واستئناف العلاقات مع اسرائيل يعني بالضرورة منح
الموافقة الضمنية للاحتلال على هذا التوحش الاستيطاني الذي يقوم به، كما يعني
أيضاً غض الطرف عن اتفاقات التطبيع البائسة والمذلة التي تسابقت نحوها بعض الدول
العربية، إذ كيف يُمكن أن نطلب من أصدقائنا العرب مقاطعة اسرائيل ونحن الذين نتعرض
لعدوانها اليومي لم نقاطعها؟!
وإضافة
الى أنَّ السلطة تتجاهل بقرارها هذا الاستيطان في القدس والتطبيع العربي مع تل
أبيب، فان الأهم هو أن الأسباب التي دفعت الى قطع العلاقات مع الاحتلال لا تزال قائمة،
كما أن مخاطر "صفقة ترامب" لا تزال تهدد شعبنا الفلسطيني، ولا تزال
الولايات المتحدة لم تغير شيئاً من سياساتها ولم يتغير على الفلسطينيين أي شيء، لا
بل إن ترامب لا يزال في البيت الأبيض وبايدن لم يدخله حتى اللحظة.. هذا مع التحفظ
بطبيعة الحال على أي تفاؤل حيال مواقف بايدن المتوقعة من القضية الفلسطينية.
أما
على المستوى الداخلي الفلسطيني فعودة العلاقات بين السلطة والاحتلال الى سابق
عهدها يعني بالضرورة أن المصالحة الداخلية قد باءت بالفشل والآمال حيالها قد
تبخرت، وأغلب الظن أن قيادة السلطة لم تستشر حركة حماس ولا غيرها ولم تبلغ أياً من
الفصائل مسبقاً بقرارها إستئناف العلاقات مع تل أبيب، وهذا يعني أن كل أحلام المصالحة
والانتخابات وإصلاح منظمة التحرير والعودة الى رص الصف الوطني الفلسطيني قد تبخرت
وانتهت وعُدنا الى نقطة الصفر.
السلطة
الفلسطينية ترتكب اليوم خطيئة جديدة بالعودة الى التنسيق الأمني، والعودة للرهان
على الاحتلال وعلى البيت الأبيض، وهي بذلك تُعيد تثبيت النظرية التي تتحدث عن أنها
"سلطة أوسلو" التي نشأت بموجب قرار اسرائيلي وستظل تعمل تحت مظلة هذا
القرار، وهذا وضع بالغ البؤس يجعل من السلطة عبئاً على الشعب الفلسطيني لا مكسباً
له.
وخلاصة القول هنا، هو أن على السلطة أن تُدرك بأن حليفها الحقيقي ورصيدها القوي الوحيد هو الشعب الفلسطيني بكل مكوناته من فصائل مقاومة وغيرها، أما الاحتلال ومن ورائه البيت الأبيض فلا يُراهن عليهما سوى خاسر، ولكم في الشهيد الراحل ياسر عرفات أسوة حسنة، عندما عاد من "كامب ديفيد" في العام 2000 دون أي اتفاق وقد اكتشف حينها بأن سيد البيت الأبيض لا يمكن أن يكون محايداً، رغم أن الرئيس الأمريكي يومها كان بيل كلينتون وهو من الحزب الديمقراطي الذي ينتمي له جو بايدن.. وزبدة القول: راهنوا على شعبنا الفلسطيني وصموده وليس على البيت الأبيض ورئيسه.
الهجمة على الإخوان والمسجد الأقصى.. التزامن والتلازم
ياسر عرفات وصائب عريقات و"الست فتكات"