قبل أيام قليلة قال جو بايدن، المرشح للانتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل في مواجهة الرئيس الحالي دونالد ترامب، إن ترامب هو أول رئيس أمريكي عنصري، وهذا شرف لا يتباهى به ترامب علنا وتهمة لا ينكرها. ومن الثابت أن ترامب ظل شديد الانتماء إلى تيار الاستعلاء العرقي اليميني في بلاده منذ دخوله سوق العمل في مجال العقارات، ولكن وجوده في دائرة الضوء كرئيس للبلاد فضح عنصريته، لأنه لا يبذل جهدا لصون لسانه ـ حصانه فكان أن خانه، والشواهد على ذلك لا يتسع لها مقال صحفي، فما قاله من كلام مسيء بحق السود وذوي الأصول اللاتينية في بلاده وعموم المسلمين، ووصفه للدول الأفريقية بـ"المراحيض" مدون وموثق بالصوت والصورة والكلمة المكتوبة.
ترامب ليس أول رئيس أمريكي يجاهر بعنصريته، فقد سبقه إلى المنصب كثيرون لم يكونوا فقط ينظرون إلى السود والسكان الأصليين باستعلاء، بل كانوا يملكون العبيد السود، ومنهم من تاجر بهم، ويأتي على رأسهم أكثرهم شهرة وحظْواً بالتقدير، ألا وهو جورج واشنطن، الذي كان مالكا لكتيبة من العبيد قبل وخلال رئاسته، وكتب في وصيته بأن يعتقوا فقط بعد وفاة زوجته، ولكن زوجته عتقتهم فور وفاته.
ويحظى الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون بسمعة طيبة بوصفه مثقفا جهبذا متعدد المواهب واللغات، وأول المنادين بعالمية حقوق الإنسان والممارسة الديمقراطية، ولكنه شأنه شأن كثير من السياسيين كان حلو اللسان قليل الإحسان، ولم يعترف قط بأن للسود في بلاده حق الحرية والعيش الكريم، واحتفظ وهو في البيت الأبيض بالعديد من العبيد، بل عاشر "العبدة" سالي هيمنغز وأنجب منها طفلين لم يعترف بهما قط.
أما الرئيس جيمس ماديسون فقد رأى في سود بلاده سلعة، ويسجل له التاريخ إصداره تشريعا يقضي بأن يكون ثلاثة من كل خمسة عبيد خاضعين للضرائب، بينما كانت رؤية الرئيس جيمس مونرو لمفهوم تحرير العبيد أن شحن الآلاف من سود بلادهم، وقام بتوطينهم في رقعة غرب إفريقيا أسماها ليبيريا (والكلمة مشتقة من المفردة اللاتينية التي تعني التحرر والتحرير)، وجعل عاصمتها منروفيا اشتقاقا من اسمه..
يحظى الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون بسمعة طيبة بوصفه مثقفا جهبذا متعدد المواهب واللغات، وأول المنادين بعالمية حقوق الإنسان والممارسة الديمقراطية، ولكنه شأنه شأن كثير من السياسيين كان حلو اللسان قليل الإحسان،
حرص السلف الطالح من الرؤساء الأمريكيين العنصريين على عدم المجاهرة بالاستعلاء العرقي من على المنابر العامة، وهكذا ظل الرئيس توماس جيفرسون يحرص على تعريف نفسه بأنه من سك عبارة "كل الناس سواسية"، ثم اتضح أنه سحب من المكتبات كتابا ألفه وهو حاكم ولاية فرجينيا، وجاء فيه أنه لا يمكن التعايش مع الإنسان الأسود لأن رائحته نتنة، ولأنه عاجز عن الإبداع وليس بمقدور الأسود أن يكون شاعرا أو فنانا.
بل بلغ ازدراء السود عند الرئيس أندرو جاكسون أنه وقبل انتقاله إلى البيت الأبيض بوقت قصير نشر إعلانا يعلن فيه عن جائزة مالية لمن يعيد له عبدا هرب من خدمته ـ من بين 150 عبدا ـ وبحافز قدره 300$ لكل من يعطي ذلك العبد الآبق مائة جلدة، وجاكسون هذا هو الذي قام بالتهجير القسري لهنود التشيروكي من موطنهم في جورجيا، مما أدى إلى هلاك الآلاف منهم.
أما الرئيس وودرو ويلسون الذي يعتبر "أبو التقدمية" في بلاده، والذي ارتبط إسمه بوثيقة حقوق الإنسان العالمية، فسجله يقول إنه وإبان رئاسته لجامعة برينستون عارض إلحاق السود بها، ثم وبعد فوزه بالرئاسة عارض إنهاء الفصل العنصري الذي كان يقضي بأن يبقى الموظفون السود في الدواوين الحكومية بمعزل عن رصفائهم البيض، بل مسح الملح على جراحات السود بأن روج شخصيا لفيلم "مولد أمة"، الذي أنتجته منظمة كوكلاكس كلان العنصرية التي كانت تتولى قتل السود شنقا وحرقا؛ وهو الفيلم الذي يصور المهاجرين البيض الذين أسسوا الدولة الأمريكية الحديثة، على أنهم ملائكة رحمة يواجهون الشياطين من أهل البلاد الأصليين (الهنود الحمر) والسود.
الاستعلاء العرقي في الولايات المتحدة "مؤسسي" أي لا يقتصر على الأفراد والجماعات الأهلية بل ذو طابع رسمي غذّته ممارسات وأقوال رؤساء متعاقبين، ومع هذا يبقى ترامب أكثرهم مجاهرة بعنصريته،
وحتى الرئيس ليندون جونسون الذي صار رئيسا بالصدفة كما المصري حسني مبارك بعد اغتيال سلفه، والذي يعزى إليه الفضل في منح السود حق الترشح والاقتراع في الانتخابات، كان في الجلسات المغلقة يتكلم عن السود بلغة "أولاد إناث الكلاب"، وأنثى الكلب في قاموس اللغة الإنجليزية هي المرأة الفاجر العاهر الداعر.
أما خلفه ريتشارد نيكسون فقد كان أصلا فالت اللسان، وتفيد محاضر جلسات كبار رجالات حكومته بأنه كان وعلى الدوام يشير إلى السود بعبارة "العبيد أبناء السفاح"، ولم يسلم من لسانه الأمريكان ذوي الأصول الإيطالية والإيرلندية والمكسيكية واليهود.
ويعتبر الأمريكان رئيسهم الأربعين رونالد ريغان واحدة من فلتات الزمان، وينسبون إليه الفضل في تفكيك الإمبراطورية السوفييتية غريمة بلادهم، في حين أن التفكك نجم في معظمه عن علل داخلية ظلت تنخر في جسم الدولة السوفيتية طوال سبعة عقود، وريغان هذا الذي جند عشرات الدول الأفريقية للمشاركة في الحرب على الشيوعية، هو الذي تفيد مضابط أمريكية رسمية أنه من وصف تلك الدول عقب تصويت بعضها في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد قرار اقترحته واشنطن بـ"هؤلاء القرود الأفارقة الذين ما زالوا يضيقون بلبس الأحذية".
والشاهد: الاستعلاء العرقي في الولايات المتحدة "مؤسسي" أي لا يقتصر على الأفراد والجماعات الأهلية بل ذو طابع رسمي غذّته ممارسات وأقوال رؤساء متعاقبين، ومع هذا يبقى ترامب أكثرهم مجاهرة بعنصريته، ربما لأن وسائل الإعلام في زمانه أكثر كفاءة في الرصد والتوثيق، وربما لأنه ضعيف أمام غواية المايكروفونات والكاميرات والأضواء عموما، كعادة السياسيين الشعبويين الذين يميلون الى اللغو بما يرضي الغوغاء والدهماء..