يعتقد خبراء في القانون الدولي أن إقرار الإدارة الأمريكية عقوبات على محكمة الجنائية الدولية يعرقل تحقيق العدالة، ويشجع المجرمين الدوليين على ارتكاب مزيد من الجرائم ضد الإنسانية.
والخميس الماضي، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمرا تنفيذيا يقضي بفرض عقوبات على مسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية، على خلفية التحقيق في "جرائم حرب محتملة" ارتكبت بأفغانستان، دون الحصول على موافقة واشنطن.
ووصف إحسان عادل، نائب رئيس منظمة فيستو الدولية للحقوق والتنمية بالسويد، قرار العوبات بأنه "قرار غير مسبوق وشاذ جدا في سياق القانوني الدولي والعدالة الدولية".
تفاصيل القضية
وتوضيحا لتفاصيل القضية، بين عادل أنه يقع على عاتق المحكمة التحقيق في جرائم الحرب بأفغانستان، وهي دولة منضمة لميثاق روما الذي ينظم عمل الجنائية الدولية.
وفي 1998 تم إنشاء الجنائية الدولية بموجب التصويت بأغلبية على ميثاق روما، وظهرت المحكمة للوجود بصفة قانونية في تموز/يوليو 2002.
وتختص المحكمة بالنظر في جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم العدوان.
ويؤكد عادل لـ"عربي21" أن من صلاحيات المحكمة التحقيق في الجرائم التي ارتكبت على الأراضي الأفغانية أيا ما كان الطرف وراءها. وأن ذلك نابع من "الصلاحيات الإقليمية للمحكمة" بما يمكنها من التحقيق في الجرائم التي اقترفت على أراضي الدول الأعضاء بالمحكمة، وعددها 124 دولة.
ويشير إلى أن التحقيق بجرائم الحرب في أفغانستان كان أمام المحكمة الجنائية منذ سنوات، وكان هناك قرار أولي لديها بعدم فتح تحقيق بسبب ما يسمى "مصلحة العدالة"، باعتبار أن التحقيق "لن يحقق مصلحة العدالة، خصوصا لصعوبة التحقيق في أفغانستان".
وتابع: "في الاستئناف رُفع هذا الحظر وقررت المحكمة المضي قدما في التحقيق قبل نحو عام من الآن".
اقرأ أيضا: "رايتس ووتش" تستهجن عقوبات ترامب على "الجنائية الدولية"
وعند سؤاله عن الجهة التي تقف وراء تحقيق الجنائية الدولية، أوضح أن المحكمة يمكنها مباشرة التحقيق في الجرائم في حال كانت الدولة عضوا بها ضمن ثلاث حالات: أن تقوم بالتحقيق من تلقاء نفسها، وأن تطلب ذلك الدولة العضو من المحكمة، ويمكن لمجلس الأمن أن يطلب منها في حالات أخرى التحقيق في جرائم بدول ليست عضوا بها، كما جرى في ليبيا سابقا.
وفي حالة أفغانستان تم تحريك الدعوى بمبادرة من المدعي العام بناء على طلب منظمات مجتمع مدني رفعت إليه طلبات على مدار السنوات الماضية بخصوص جرائم الحرب التي يعتقد بارتكابها في أفغانستان.
خشية أمريكية
ويشكل التحقيق، وفقا للخبير القانوني، خشية حقيقية لدى الولايات المتحدة من أن يصبح جنود ومسؤولون لديها شاركوا في جرائم قتل عشوائي ضد المدنيين أو التعذيب وما شابه من جرائم "مطلوبين لدى المحكمة".
ويعني ذلك أنه لو صدرت مذكرة اعتقال بحق أحد هؤلاء الأشخاص، فإن أي دولة عضو بالمحكمة "يتوجب عليها القبض عليه وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية".
ويلفت عادل إلى أن الولايات المتحدة أصدرت "كخطوة استباقية" قرارا ضد المدعين العامين والقضاة الخاصين بالمحكمة لمنع وصولهم إلى أمريكا، والقرار الجديد يستهدف عائلاتهم، بما يشمل تجميد أصولهم وأموالهم في الولايات المتحدة.
ويرى بأن "الولايات المتحدة لديها موقف سلبي جدا من المحكمة الجنائية، واتهمت المحكمة بأنها متحيزة باستمرار".
ويشير إلى أن الهجوم على المحكمة "ظهر بشكل واضح مع الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، وقبلها لم يكن بهذه الصورة على المحكمة"، معتبرا ذلك "هجوما على جسم دولي يمثل 124 دولة".
وفي ذات الوقت، يوضح عادل بأن الدول التي اقترفت جرائم حرب دائما ما تهاجم الآليات الدولية التي يمكنها أن تحاكم أشخاصا ارتكبوا هذه الجرائم، مستشهدا بمهاجمة النازيين محكمة نورنبيرغ التي اختصت بالتحقيق في جرائم الحرب العالمية الثانية، وكذلك ميلازوفيتش الذي هاجم المحكمة الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة. ويقول: "هذه الدول تريد أن تبقى جرائمها فوق العدالة".
ومن وجهة نظره، فإنه يفترض ألا تؤثر العقوبات الأمريكية على "سير العدالة"، لكن يمكن أن "تعرقل عمل المحكمة في الفترة الحالية".
وأردف: "ربما تؤدي العقوبات لتشكيل ضغط غير مرغوب فيه على القضاة والمدعين العامين. ويمكن أن يضطروا للتنحي عن النظر في القضايا المنظورة أمامهم خصوصا فيما يتعلق بأفغانستان أو إسرائيل، حتى يتجنبوا العقوبات".
حماية "إسرائيل" وتشجيع الجرائم
من جانبه، يعتقد الخبير في القانون الدولي محمود رفعت أن معاقبة الولايات المتحدة للمحكمة الجنائية الدولية فيه "حماية لإسرائيل"، و"تشجيع للمجرمين الدوليين على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية".
وفي حديثه لـ"عربي21"، يرى رفعت أن لجوء أمريكا لخيار العقوبات يعني أن جيوشها متورطة بالفعل في عدة مناطق بالعالم منها العراق وأفغانستان، وحتى في مناطق حفظ السلام في العالم.
ومن ناحية أخرى فإن العقوبات "لا تعتبر تهديدا فقط من أجل حماية الولايات المتحدة، بل لحماية إسرائيل أيضا" وفق ما قاله الخبير القانوني.
اقرأ أيضا: قلق أوروبي من عقوبات ترامب على مسؤولين بـ"الجنائية الدولية"
تجدر الإشارة إلى أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو رحب بقرار فرض الولايات المتحدة عقوبات على المحكمة الجنائية، ووصف المحكمة أنها "مُسيَّسة وشغلها الشاغل هو ملاحقة إسرائيل والولايات المتحدة والديموقراطيات الأخرى التي تحترم حقوق الإنسان..".
وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي أقرت المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا فتح تحقيق كامل في اتهامات بارتكاب جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية، الأمر الذي لقي ترحيبا فلسطينيا فيما أثار مخاوف وقلق الأوساط السياسية الإسرائيلية، والتي أطلقت بدورها تصريحات معادية للمحكمة.
ويقول رفعت: "أمريكا تحارب كي لا تفتح الجنائية الدولية هذا الباب على إسرائيل، لأنها دولة قائمة على الجريمة، إذ تقترف يوميا جرائم مثل الاحتلال والقتل الجماعي والتهجير والحصار والتي تصنف كجرائم ضد الإنسانية".
وعن تأثير العقوبات على سير القضية، يقول الخبير القانوني "حتى الآن تبدو الجنائية الدولية ماضية فيما أعلنته، ولكن أعتقد أنها ستتأثر بخطاب ترامب وإدارته، ولا ننسى أن المحكمة مرتبطة بمجلس الأمن وفقا لاتفاق روما، ما يعرض مسؤولي المحكمة للمنع أو الاعتقال حال وصولهم للأراضي الأمريكية في إطار التواصل مع المجلس".
ويرد على الاحتجاج بعدم عضوية الولايات المتحدة في المحكمة كمبرر لإكمالها التحقيق بهذه الجرائم أنه "كلام عبثي لا يستند إلى حجة".
وتابع: "الإدارات الأمريكية السابقة كانت ترد على رئيس السودان السابق عمر البشير عندما كان يدعي أن بلاده ليست عضوا في المحكمة بأنها ادعاءات عبثية".
ويستدل بأن "ليبيا ليست عضوا في المحكمة الجنائية، لكن المحكمة أصدرت منذ 3 سنوات مذكرة اعتقال ضد محمود الورفلي أحد أهم قادة ميليشيات خليفة حفتر".
ويُشبه هذا الادعاء بادعاء شخص مقيم في
الولايات المتحدة ارتكب جريمة ثم حينما مثل أمام المحكمة الأمريكية رفض ولايتها، لأنه غير حامل للجنسية الأمريكية.
وعن أبعاد القرار الأمريكي، يقول رفعت "سيكون دفعة
قوية لعتاة المجرمين الدوليين من أمثال عبد الفتاح السيسي وخليفة حفتر لأن يوغلوا أكثر بدماء شعوبهم، ناهيك عن تشجيع إسرائيل على ذلك".
ومستعرضا أن "الجنائية الدولية" هي نتاج نجاح جهود كبيرة ممتدة عبر سنوات طويلة نجحت في إنشاء "نظام يقر مبدأ عدم الإفلات من العقاب"، يقول رفعت: "ما تفعله الولايات المتحدة هو سابقة خطيرة، كانت تفعله في الخفاء وبأساليب أخرى، والآن تفعله بفجاجة ضد فكرة العدالة الدولية".
ويضيف: "قرار الولايات المتحدة يهدم فكرة السلم والأمن الدوليين، ويحطم أحد أهم أذرع العدالة الدولية، فالجنائية الدولية هي المحكمة الوحيدة التي تحظى بصلاحيات النظر في القضايا الأشد خطورة ضد الإنسانية".
صدمة أممية من مقابر حفتر الجماعية بترهونة.. ماذا بعد؟
خطف النساء وقتلهن.. سلاح جديد تنتهجه مليشيات حفتر
20 عاما على حكم الأسد الابن.. حرب أهلية ومصائب تتراكم