ملفات وتقارير

فورين أفيرز: هكذا ستؤثر كورونا على التاريخ

سلط فيروس كورونا الضوء على مشاكل أوروبا وفقدان زخم المشروع الأوروبي- الأناضول

نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكي تقريرا، تحدثت فيه عن تأثير جائحة فيروس كورونا على العالم والتاريخ، مؤكدة أنه "ليست كل أزمة هي نقطة تحول".

وجاء في التقرير الذي ترجمته "عربي21": "نمر بأزمة كبيرة بكل المقاييس، ما يحدث في العالم يفترض أنه نقطة تحول في التاريخ الحديث، لكن المحللون اختلفوا حول نوع العالم الذي سيغدو بعد أعقاب فيروس كورونا. ومعظمهم يجادلون بأن العالم الذي سيتشكل سيكون مختلفا بشكل أساسي عما كان موجودا من قبل".

وأضاف التقرير: "يعتقد البعض أن الوباء سيؤدي إلى نظام عالمي جديد بقيادة الصين، ويعتقد البعض الآخر أنها ستؤدي إلى زوال زعامة الصين، ويأمل البعض بأن تكون فاتحة لعصر جديد من التعاون العالمي، ولا يزال البعض الآخر يتوقع أنها ستقوض التجارة الحرة، وتؤدي إلى تغيير النظام في مختلف البلدان، أو كل ما سبق".

ويرى التقرير أنه من السابق لأوانه التنبؤ بموعد انتهاء الأزمة، "سيعتمد التوقيت على درجة استجابة الناس للتوجيهات الصحية؛ من ترك مسافة اجتماعية والنظافة الصحية الموصى بها، بالإضافة لتوفر اختبارات سريعة ومعقولة التكلفة، وعقاقير مضادة للفيروس، ولقاح أيضا".

ومع ذلك، فإن العالم، الذي سيخرج من الأزمة، يبدو أنه سيتجه باتجاه تضاؤل القيادة الأمريكية، وتعثر التعاون العالمي، ونحو خلاف بين القوى العظمى، هذه السمات من المرجح أن تكون الأكثر بروزا في العالم في المرحلة القادمة".


وبين أنه كانت إحدى سمات الأزمة الحالية التعثر الواضح للقيادة الأمريكية، حيث إنها لم تحشد العالم في محاولة جماعية لمواجهة الفيروس أو آثاره الاقتصادية، كما لم تستطع أن تجعل العالم يحذو حذوها في معالجة المشكلة، حتى أن دولا أخرى تهتم وتعتني بنفسها أفضل من الولايات المتحدة، وتلجأ إلى دولة مثل الصين للحصول على المساعدة.


لكن إذا كان العالم الذي سيخرج من الأزمة عالما تكون فيه الولايات المتحدة أقل هيمنة، فمن المستحيل تقريبا أن يتخيل أي شخص أنه "نظام عالمي أحادي القطب".

وبحسب التقرير، فإنه بغض النظر عن فيروس كورونا والوباء الذي اجتاح العالم، فإن النموذج الأمريكي انخفضت جاذبيته بشكل حاد، بسبب الجمود السياسي المستمر، والعنف المسلح، وسوء الإدارة التي أدت إلى الأزمة المالية العالمية عام 2008، ووباء الأفيون، وغير ذلك، جعلت أمريكا مكانا غير جذاب للعديد من الأشخاص، أما في الأزمة الحالية ومع استجابة الحكومة الفيدرالية البطيئة وغير المترابطة وغير الفعالة في كثير من الأحيان، فإن الفكرة ستعزز بشكل كبير بأن أمريكا ضلت طريقها.

وقالت "فورين بوليسي" إن الوباء الذي يبدأ في بلد، وينتشر كالهشيم في النار في جميع أنحاء العالم، هو تعريف التحدي العالمي. كما أنه دليل آخر على أن العولمة حقيقة وليست خيارا. لقد اجتاح الوباء البلدان الغنية والفقيرة، الشرقية والغربية، المفتوحة والمغلقة، وما هو مفقود حتى الآن هي الاستجابة العالمية ذات المغزى، إن عدم أهمية منظمة الصحة العالمية، التي ينبغي أن تكون من الأساسيات لمواجهة التهديد القائم، تشير إلى حالة سيئة للحوكمة العالمية، وهذا الوباء جعل هذا الأمر واضحا جليا".

وبدلا من أن تكون الاستجابات للوباء دولية، كانت وطنية بحتة، وبمجرد أن تمر الأزمة، سيتحول التركيز إلى الانتعاش الوطني.

وما يدعو إلى التشاؤم، بحسب التقرير، هو أن التعاون بين أقوى دولتين في العالم ضروري لمواجهة معظم التحديات العالمية، لكن العلاقات الأمريكية الصينية تتدهور منذ سنوات. بل إن هذا الوباء فاقم العلاقات السيئة بين البلدين. في واشنطن، يحمّل الكثيرون الحكومة الصينية مسؤولية تفشي الوباء، بسبب تسترها وعدم إغلاق ووهان على الفور، والسماح لآلاف المصابين بمغادرة البلاد، ونشر الفيروس في العالم. كما أن محاولة الصين تصوير نفسها على أنها نموذج ناجح للتعامل مع الوباء، واستخدام هذا الأمر لتوسيع نفوذها، سيضيف نقطة أخرى للعداوة الأمريكية.

ومع أن فكرة " الفصل" بين البلدين لاقت رواجا كبيرا، بالرغم من مخاوف الولايات المتحدة من أنها أصبحت تعتمد بشكل كبير على خصم محتمل للعديد من السلع الأساسية، وهي عرضة بشكل مفرط للتجسس الصيني وسرقة الملكية الفكرية، إلا أن الدافع للانفصال سينمو نتيجة الوباء. وسيكون هناك تجديد لفكرة التركيز على التصنيع المحلي.

ويقول التقرير: "أما بالنسبة لمقاومة معظم بلدان العالم المتقدم لقبول أعداد كبيرة من اللاجئين والمهاجرين ستزداد حدته بسبب الوباء. سيكون على الأغلب بسبب القلق من استيراد الأمراض المعدية، بالإضافة إلى البطالة المرتفعة، بل ستنمو هذه المعارضات بشكل ملحوظ، حيث لم تعد الاقتصادات قادرة على دعم سكانها المحليين. وستكون النتيجة معاناة إنسانية على نطاق واسع وأعباء أكبر على الدول التي لا تستطيع تحملها. أما العالم النامي، فسيواجه على شكل الخصوص متطلبات هائلة لا يمكنه تلبيتها، وسنرى ما إذا كانت البلدان المتقدمة ستكون مستعدة لتقديم المساعدة بالنظر إلى ازدياد الطلبات في الداخل".

كما سلط فيروس كورونا الضوء على مشاكل أوروبا وفقدان زخم المشروع الأوروبي، حيث إن معظم البلدان استجابت للكارثة وآثاره الاقتصادية بشكل فردي. عملية الاندماج الأوروبي بدأت تفشل بشكل واضح خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

"من الناحية المثالية، ستجلب الأزمة التزاما ببناء نظام دولي أكثر قوة، مثل ما حدث بعد كارثة الحرب العالمية الثانية من ترتيبات تعزز السلام والازدهار والديمقراطية لما يقرب من ثلاثة أرباع القرن، وسيشمل هذا النظام تعاونا أكبر لرصد تفشي الأمراض المعدية، والتعامل مع عواقبها، بالإضافة إلى الاستعداد للتصدي لتغيرات المناخ، ووضع قواعد للفضاء السيبراني، ومساعدة المهاجرين القسريين، ومعالجة الإرهاب"، كما يقول التقرير.

ويضيف: "لكن في الوقت الراهن، لا يوجد سبب يدعو للاعتقاد بأن الماضي سيكرر نفسه بعد هذه الكارثة العالمية. حيث إنه لا يوجد بلد واحد يتمتع بمكانة الولايات المتحدة في عام 1945، كما أن الولايات المتحدة نفسها غير مهيأة لتولي أي دور رائد على الصعيد الدولي. كما أنه لا يوجد أي بلد، ولا حتى الصين، لديه الرغبة والقدرة على ملء الفراغ الذي خلقته الولايات المتحدة".