ملفات وتقارير

ما دلالات توقيع مصر منفردة على الورقة الأمريكية لسد النهضة؟

سيعقد اجتماع مجددا في 12 و 13 شباط/ فبراير الجاري لإقرار الصيغة النهائية وتوقيع الاتفاق نهاية هذا الشهر- جيتي

رغم انتظار المصريين لحسم أزمة سد النهضة، أمس الجمعة، في واشنطن، إلا أن الاجتماع الثلاثي بين مصر وإثيوبيا والسودان برعاية أمريكية أسفر عن ورقة حول موضوعات ثلاث بالملف وقعت عليها القاهرة بينما امتنعت أديس أبابا والخرطوم.

 

وزارة الخارجية المصرية، أكدت أن مصر وقعت وثيقة اتفاق أعدها الجانب الأمريكي متعلقة بجدول خطة ملء السد على مراحل، وآلية التعامل مع حالات الجفاف والجفاف الممتد والسنوات الشحيحة، أثناء الملء والتشغيل، مشيرة للاجتماع مجددا يومي 12 و13 شباط/ فبراير الجاري لإقرار الصيغة النهائية وتوقيع الاتفاق نهاية هذا الشهر.

 

بيان مصر، الذي ثمن الدور الأمريكي، أوضح أنه تم الاتفاق على ضرورة الاتفاق حول آلية تشغيل السد بالظروف الهيدرولوجية العادية، وآلية التنسيق لمراقبة ومتابعة تنفيذ الاتفاق، وآلية فض المنازعات، وقضية أمان السد والدراسات الخاصة بالآثار البيئية والاجتماعية لسد النهضة.

 

  

 

"وثيقة استسلام"

 

من جانبه، يرى السياسي المصري محمد عوض، أنه إن تأكد عدم توقيع إثيوبيا؛ فهذا يعني "إحراج سياسي مؤلم وتجاوز سلبي بحق مصر لم يحدث بأسوأ مراحل التاريخ وخصوصا بعلاقات مصر الأفريقية، وفي الفاعلية المصرية بالفضاء الدولي".

 

وقال عضو "مجلس الشورى" السابق، لـ"عربي21": "مصر صاحبة الحق، والمفترض أن إثيوبيا من تحاول استرضاءها وليس العكس، ويفترض أن تتفاوض القاهرة من موضع قوة تتفق وسلامة موقفها القانوني وتنطلق من قدرتها على حماية حقوقها".

 

اقرأ أيضا: اتفاق مبدئي حول سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان

 

وأضاف: "هذا يعني أيضا أن الثقل الإثيوبي بأفريقيا تضاعف كثيرا وتجاوز دور مصر بالقارة وخصوصا في ظل المناورة الأثيوبية بطلب اللجوء لدولة جنوب أفريقيا كوسيط لحل النزاع بدلا من الإدارة الأمريكية بطلب مصري".

 

ويعتقد الرئيس الأسبق لحزب الخضر المصري، أن عدم التوقيع علي الوثيقة المقدمة برعاية أمريكية، ليس إحراجا لواشنطن بقدر ما هو تحرك سياسي يفيد الداخل الإثيوبي، ويعيد فكرة تحدي الاستعمار للإثيوبيين، ويخلق مناخا (وهميا) للتشكيك بحيادية الإدارة الأمريكية بما يقطع على مصر التفكير باستعمال ورقة أخرى للضغط على واشنطن ضمانا لموقفها (الحيادي)".

 

ولفت أيضا إلى أن "الموقف يمثل إحراجا سياسيا لمصر في الداخل، حيث المتوقع أن يكون المبرر الإثيوبي لعدم التوقيع هو مراجعة الوثيقة قبل التوقيع مع الحكومة والبرلمان الإثيوبي".

 

وحول موقف السودان، قال إنه "مع عدم ورود أخبار عن توقيع السودان من عدمه، فمصر تبدو أمام المجتمع الدولي والإفريقي كمن وقع على بياض وثيقة استسلام، يترتب عليها تداعيات خطيرة وسلبية بالملفات المصرية الأخرى المتشابكة دوليا".

 

ويرى عوض، أن "القول بأن مصر وقعت دون غيرها لأن الاتفاق ينحاز لمصالحها هو إدعاءات غير مدعومة بأدلة أمام المصريين وخصوصا مع مواقف الإدارة الأمريكية المرفوضة شعبيا بباقي الملفات المتشابكة بالمنطقة، بالإضافة لفقدان الثقة الداخلية بالأداء الحكومي".

 

وقال: "وجب علي مصر، وفورا سحب الوفد المفاوض من واشنطن، ودعوة البرلمان لجلسات طارئة لمناقشة الملف، ودعوة السفراء الأفارقة لاجتماع بالخارجية المصرية لإيضاح الحقائق أمامهم، وفتح مساحة للتيارات السياسية والمعارضة منها للكشف عن ضغوط داخلية، والربط بين قضية سد النهضة وملفات الشرق الأوسط التي تعد مصر محور ارتكازها".

 

كما طالب السياسي المصري بـ"الإعلان الفوري عن أن أي اتفاق مع باقي الأطراف وبرغم توقيعه لن يكون ساريا قبل تصديق البرلمان والاستفتاء الشعبي عليه، حيث أن الاتفاق يعد تعديلا واردا علي اتفاقية دولية سابقة عام 1929".

 

"ولادة عسيرة"

 

ويرى الأكاديمي الدكتور حمدي عبدالرحمن، أن أمريكا أخفقت منذ دخولها كوسيط لحل الأزمة في الوصول لاتفاق نهائي بمنتصف كانون الثاني/ يناير 2020 وأمس الجمعة.

 

عبدالرحمن، أضاف لـ"عربي21"، أنه "وطبقا للتصريحات والبيان الختامي فإن ولادة الاتفاق النهائي عسيرة، وإثيوبيا ترى أن حقوقها مطلقة باستخدام مياه النيل، وأن الاتفاق سيراعي المصالح المصرية".

 

وأشار إلى عدة دلائل منها الحملة الشعبية "It's my dam" بإثيوبيا، وتصريحات السفير الإثيوبي بواشنطن بعدم قبول أي اتفاق يسلبها حقها بمياه النيل، مضيفا "وكأن المسألة مباراة صفرية فيها منتصر ومهزوم". وبرر أستاذ الاقتصاد، تأجيل توقيع الاتفاق النهائي لنهاية شباط/ فبراير لضغوط واشنطن على الوفد الإثيوبي نظرا لتعنته، ما دفع الوفد لطلب التشاور مع حكومته.

 

ويعتقد أن "الوفد السوداني يتصرف وعلى أحسن الأحوال وكأنه مراقب وفي أسوأها على أنه شريك لإثيوبيا"، معتبرا أن ذلك الموقف "لا يخلو من مكايدات".

 

"التشغيل هو الأهم"

 

وعلق على الموقف وزير الموارد المائية الأسبق نصر علام، بقوله: "بدلا من التوصل لاتفاق نهائي تم التوصل لاتفاق جزئي حول سياسة ملء السد والتي تمثل ضرورة لأثيوبيا للبدء بتخزين المياه مع الفيضان القادم".

 

اقرأ أيضا: أبو الغيط يحمل ثورة يناير مسؤولية الفشل بملف سد النهضة

 

وأضاف: "وبالنسبة لتشغيل السد فتم الاتفاق على قواعده في الجفاف ولم يتم التوصل لاتفاق للتشغيل تحت الظروف العادية"، موضحا أن "التشغيل هو القضية الأهم لمصر".

 

 

 

"شهر إضافي"

 

وقال الخبير الاقتصادي محمود وهبة: "انتظرنا الاتفاق 4 أيام فصدر بيان وليس اتفاقا"، مؤكدا أن "الموضوع بيد ترامب ومن خلفه"، واصفا الصورة بأنها "غامضة وأكثر تعقيدا مما يبدو"، معتقدا أن "إثيوبيا كسبت شهرا إضافيا لتستكمل البناء".

 

وأشار وهبة، أيضا لغموض بيان وزارة الخزانة الأمريكية الذي قال إن هناك اتفاقا من عدة بنود متعلقة بالتخزين والتشغيل ولم يذكر تفاصيل الاتفاق أو أرقام وتواريخ وجداول وآليات".

 

ولفت إلى أن نقاط الاختلاف حسب الخزانة الأمريكية تكمن بـ"آلية تشغيل السد بالظروف الهيدرولوجية العادية، وآلية التنسيق لمراقبة ومتابعة تنفيذ الاتفاق وتبادل البيانات والمعلومات، وآلية فض المنازعات".

 

  

 

"غموض"

 

وأشار السفير السابق محمد مرسي، لحالة الغموض تلك وقال: لا أفهم كيفية إعلان اتفاق رغم توقيع طرف عليه وامتناع الآخرين، إلا إذا أعلنت إثيوبيا والسودان موقفا مخالفا.

 

ووجه مرسي، ما أسماه بـ"صرخة عتاب لأشقائنا بالسودان (...) بأن إخوتكم في الشمال لن ينسوا كل يد تمد إليهم أو تغل عنهم".