قال الباحث الإسلامي السوداني هشام أحمد شمس الدين، إن الثورة التي عصفت بحكم الرئيس عمر البشير في السودان لم تكن ضد ما يسمى بـ"الإسلام السياسي"، إنما كانت ضد مستبدين فاسدين قتلة، وضد أشكال تنظيمية بعينها"، مشددا على أن الثورة ليست ضد فكرة الإسلام في الحياة العامة إلا في مخيلة قلة من العلمانيين.
ورأى شمس الدين أن قوى غربية ومن وصفهم بـ"العملاء" في المنطقة، معادون لأي حراك إسلامي مهما كان نوعه، وكارهون للدين والمتدينين، حاولوا أن يعطوا الثورة مفهوما ينسجم مع قناعاتهم.
وقال في مقابلة مع "عربي21": "بعض هؤلاء لا يفهمون شمولية الدين ويظنونه أمرًا محصورًا بين العبد الفرد وربه، ويظنون أن أي تمدد للدين خارج الشعائر والشأن الفردي هو تحايل".
ودعا شمس الدين، وهو باحث بارز في جماعات الإحياء والتجديد، الإسلاميين السودانيين إلى تحمل مسؤوليتهم باعتراف كامل وصريح بالتجربة الاستبدادية التي مثلها نظام البشير، والقيام بمراجعة شاملة وجذرية لكل شيء، للعقل الإسلامي أولاً في علاقته بالمعرفة والعلم، ولمنظومة القيم التي تستند عليها الحركة، ولمدى معرفتها بالواقع الذي تعيش فيه ومشكلاته المتعددة، ولمدى خبرتها بالعالم والتجارب المبثوثة فيه.
تاليا نص المقابلة:
س ـ كيف تورط إسلاميو السودان في هذه النهاية المأساوية لنظام حكمهم، أقصد الأخطاء التي ارتكبها العقل الإسلامي الذي كان مسيطرا على السلطة والثروة؟
ـ بذور الخطأ قارة في المدخل الأحادي للإصلاح الذي اتخذته الحركة الإسلامية من قبل دخولها في تجربة الحكم، ونقصد بالمدخل الأحادي اعتمادها العمل السياسي المفضي للسلطة مدخلاً شبه حصري لإصلاح الحياة العامة في السودان، فالحركة التي ادعت أنها شمولية تستمد شموليتها من الدين ذي الهدي الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والأخلاقي والمعرفي وغير ذلك، اعتمدت على ما هو سياسي وجيرت ما هو غير سياسي لصالح السياسي بصورة فجة، فعلى سبيل المثال انتشارها الاجتماعي وتمددها في أركان المجتمع السوداني كان بهدف حشد التأييد لمشروعها في الوصول للحكم دون الالتفات لمعالجة المشكلات البنيوية في المجتمع والإسهام فيها بصورة فاعلة.
بعض القوى الغربية ومن يوالونهم في المنطقة كارهون للدين والمتدينين
المعادون لأي حراك إسلامي هم قلة من أصحاب التوجهات العلمانية
ثم ما هو حجم اهتمام الحركة الإسلامية ببث ثقافة العمل والنظام في مجتمع تقليدي عفوي يكتفي بالعمل القليل المفضي لسد الرمق؟ نحن نتحدث عن تبديل ضروري للثقافة من أجل إحداث نهضة شاملة في مجتمع ظل حبيس التقليد والقدر اليسير من الإنجازات.
ثم اجتهدت الحركة في التمدد الكمي في بناء المؤسسات التعليمية، وهذا محمود، لكن الناظر بتمعن لهذه المؤسسات ومناهجها المعتمدة سيستبين له مقدار الضعف المعرفي المتعلق ببنية العقل الإسلامي في هذا العصر، فلم يكن هناك الوعي المناسب بالتحيزات المعرفية التي تحملها هذه المناهج، وانتماء بعضها الأصيل لاتجاهات الفكر الحداثي الغربي الذي لا صلة له بالدين بل هو مضاد ومزاحم له في أصوله، واكتفت الحركة بمحاولة تأصيل بعض جزئيات للعلوم في محاولات متواضعة لم تحدث الأثر المطلوب، أما عن احتياجات المجتمع السوداني لإحداث النهضة الاقتصادية والتنموية والاجتماعية فيه، فلم تحدث سياسات التعليم ما كان مرجو منها.
هذا غيض من فيض لكثير من الأمثلة و الأسئلة، التي تبين تغول السياسي على غيره، وإهمال الحركة للتأسيس المعرفي المعتمد. بالتالي كان الفشل محتوما في حكم مجتمع متعدد وكثير المشكلات، متداخل النعرات، لاسيما إن كنت إسلاميًا في عالم تسيطر عليه قوى معادية للإسلام الحركي.
"لابد من إعادة فهم الدين وتأسيس تصورات أكثر وضوحًا وتفصيلاً، ثم التخلص من الأشكال التنظيمية القديمة ونمط القيادة الذي أثبت فشله"
ـ لابد من مراجعة شاملة وجذرية لكل شيء، للعقل الإسلامي أولاً في علاقته بالمعرفة والعلم، ولمنظومة القيم التي تستند عليها الحركة، ولمدى معرفتها بالواقع الذي تعيش فيه ومشكلاته المتعددة، ولمدى خبرتها بالعالم والتجارب المبثوثة فيه، ثم لابد من الاعتراف الكامل والصريح بالتجربة الاستبدادية التي لا يمكن أن يتحملها شخص لوحده أو مجموعة ما، إنما الحركة كلها، ثم الاعتراف بأن المقولات التأسيسية للحركة قد تجاوزها المطلوب اليوم، وأنه لابد من إعادة فهم الدين وتأسيس تصورات ورؤى أكثر وضوحًا وتفصيلاً، ثم التخلص من الأشكال التنظيمية القديمة ونمط القيادة الذي أثبت فشله.
س ـ هل ترى الحاجز الذي نشأ سميكا بين مشروعات الإسلام السياسي والمجتمع السوداني؟ ماذا يمكن لإزالته مع الاعتبار لصعوبة هذه المهمة في ظل حالة كراهية غير مسبوقة في تاريخ السودان السياسي؟
ـ المعادون بالأصالة لأي حراك إسلامي مهما كان نوعه هم قلة من أصحاب التوجهات العلمانية، وبعض هؤلاء لا يفهمون شمولية الدين ويظنونه أمرًا محصورًا بين العبد الفرد وربه، ويظنون أن أي تمدد للدين خارج الشعائر والشأن الفردي هو تحايل، وهؤلاء أغلب الشعب لا يتفق معهم في الرأي، وبعض هؤلاء العلمانيين هم ضد الدين في ذاته ولا يأبهون بأي جدال حوله، وهؤلاء منبوذون وفاشلون لا نعيرهم كثير اهتمام، أما عموم الشعب السوداني فهو ذو انتماء لا جدال فيه للإسلام بل ويسعى لتمكينه في الحياة، إنما مشكلتهم وحاجزهم مع التنظيمات التي نهضت تخاطب بالإسلام كالمؤتمر الوطني والشعبي وبعض منتسبي الحركة الإسلامية، هؤلاء كانت لهم تجارب سيئة وتردت الثقة بينهم وبين عموم الشعب، وفي رأيي على هؤلاء أن يتنحوا عن المشهد وأن يقوموا ببعض المراجعات التي ذكرت آنفًا إن استطاعوا، وأن يفسحوا المجال لغيرهم.
س ـ ما صحة أن الثورة ضد مشروع الإسلام السياسي هي فرصة لاستئصال الإسلاميين السودانيين؟ هل تلحظ مثل هذا التوجه أم هو قائم على تبرير سطحي، ونظرية مؤامرة متخيلة؟ وإذا كانت فرضية صحيحة، من هي الأطراف المعنية بالحرب عليهم؟
ـ لم تكن الثورة ضد ما يسمى بالإسلام السياسي مع تحفظي على المصطلح، إنما كانت ضد مستبدين فاسدين قتلة، وضد أشكال تنظيمية بعينها، فليست الثورة ضد فكرة الإسلام في الحياة العامة إلا في مخيلة قلة من العلمانيين، لابد أن نؤكد على هذه الحقيقة، أما بخصوص الاستئصال فبالطبع، العديد من القوى تريد انتهاز الفرصة لاستئصال الوجود الإسلامي كله في البلاد، وفي الحقيقة ليس فقط الوجود الإسلامي إنما حتى الإسلام كدين مؤسس لثقافة ومخيال الشعب، ترى ذلك في سعيهم الساذج لمحو بعض الدين بالتدريج من المناهج التعليمية، وسعيهم لعلمنة الدولة دستورًا وقانونًا، وتطلعهم لحظر الأحزاب ذات الأساس الديني، وبالطبع سعيهم لإلغاء الشريعة الإسلامية والقوانين المستمدة منها، وتصريحاتهم المساوية بين المسلمين وعبدة متخيلين للأصنام. يقومون بذلك أصالةً مدفوعين بحقد تاريخي، ويقومون به كذلك وكالةً مسنودين بقوى من الخارج كارهة للدين والمتدينين، من قِبل بعض القوى الغربية وعملاءهم في المنطقة.
س ـ هل الإسلاميون في السودان سلة واحدة؟ وهل لتداعيات الثورة تأثير حقيقي في وحدتهم الفكرية والسياسية؟
ـ الإسلاميون في السودان من قبل قيام الثورة بسنوات هم ليسوا كتلة واحدة، تعلمون الانشقاق المعروف في أدبيات الإسلاميين بالمفاصلة، وذلك عندما خرج الشيخ الترابي وزمرة من قيادات الحركة الإسلامية وأسسوا المؤتمر الشعبي، هذا الانشقاق لم يكن أثره سياسيا فحسب، بل تبعه مراجعات فكرية ثم أقيمت حواجز نفسية ضد المجموعة التي ظلت في السلطة، وقد واجهتهم مجموعة السلطة بالبطش الشديد، ثم من بعد ذلك تنحت مجموعات كبيرة من صف الحركة الإسلامية واعتزلت الفريقين المتخاصمين أسميت بالرصيف، ثم خرجت مجموعات من صف المؤتمر الوطني ناقمة من تزايد البطش والاستبداد والفساد، يقودها قيادات من الصف الأول وغيرهم، ومن تلقاء المؤتمر الشعبي خرجت مجموعات فكرية قامت بمراجعات واسعة لفكر الحركة الإسلامية وتاريخها وتنظيمها، ثم جاءت الثورة لتكون قاسمة الظهر، والآن هناك طيف واسع من الإسلاميين ناقم على كل التجربة السابقة والقيادات الحالية. ولكن بالطبع قد يتناسى الإسلاميون هذه المرارات إذا داهمهم خطر ماحق ينوي استئصال شأفتهم بالكلية، ولكن ما ندعو إليه كما أسلفنا؛ هو ضرورة المراجعة الشاملة لكل هذا الإرث.
كيف يصنع التفكير الموسيقي هوية واحدة للسودانيين؟
مؤرخ تونسي: البحث العلمي هو الرّجل المريض في الوطن العربي
السودان.. جدل حول الإعلام والثورة والانتقال الديمقراطي