اعتبر دبلوماسيون وبرلمانيون وسياسيون مصريون بأن رد وزارة الخارجية الضعيف في ملف ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، يكشف الضعف الذي أصاب الوزارة في ظل الانقلاب العسكري.
وكانت قناة "الجزيرة" قد كشفت عن وثائق تشير إلى رفض رئيس نظام الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، الاستجابة لتوصيات وزارة الخارجية، فيما يتعلق باتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع اليونان.
على خلفية ذلك، وصف الخبير الاقتصادي السابق بالأمم المتحدة، إبراهيم نوار، تعامل الخارجية المصرية بالضعيف والهزيل، وقال عبر صفحته على فيسبوك " بمناسبة مشكلة الترسيم مع ليبيا وتركيا.. يا ترى الخارجية عملت حاجة من أجل حل مشكلة الترسيم مع السودان في البحر الأحمر؟".
وفي تغريدة ثانية تساءل نوار بتهكم: "هي الخارجية المصرية
مكسوفة تتحدث مع الأمين العام للأمم المتحدة، علشان تروح تكلم مبعوثه في
ليبيا غسان سلامة .. مصر أكبر من كده يا خارجية".
وأثارت تغريدات نوار، تفاعلا من متابعيه حيث علق عليها الكاتب
الصحفي رشاد عبد الله قائلا: "وضع الخارجية المصرية محير .. هل هي غائبة أم تم
تغييبها .. لم تكن هكذا تدار ملفات سياستنا الخارجية، وخصوصا المتعلقة بقضايا
الأمن القومي .. سلسلة متلاحقة من الإخفاقات".
اقرأ أيضا: سامح شكري : الاتفاق التركي الليبي لا يمس بمصالحنا
ووصف مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، عبد الله الأشعل في
حديثه لـ"عربي21"، تراجع دور الخارجية بـ"الأمر المحزن"،
موضحا أن الوزارة بها كفاءات ومختصين على مستوى عال، ولكن طريقة إدارة الوزارة،
والأهداف التي يريدها منها النظام الحاكم، أفقدها قدرتها على التأثير والفاعلية.
ويشير الأشعل إلى أن "الإخفاق الذي حققته الخارجية في كل
الملفات الهامة والمرتبطة بالأمن القومي المصري، يحتاج لوقفة، حيث فشلت في موضوع
سد النهضة، وغابت عن حركتها كل وسائل الضغط الدبلوماسية الإقليمية والدولية التي
صنعتها الوزارة منذ أكثر من 100 عام، وهو ما تكرر في أزمة ترسيم الحدود البحرية،
ومشكلة حلايب وشلاتين، وغيرها من القضايا الهامة المتعلقة بالأمن القومي".
مصالح النظام
ويؤكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن القومي بمجلس
الشورى المصري سابقا رضا فهمي لـ "عربي21"، أن "الخارجية المصرية
جزء من النظام الحاكم، وبالتالي فإن تراجع كفاءتها مرتبط بتراجع كفاءة نظام الانقلاب
بشكل عام، والذي لا يعنيه رأي الخارجية أو تصوراتها، وإنما يعنيه ما يحققه من
مكاسب شخصية لترسيخ أقدامه حتى لو كان ذلك على حساب المصالح الوطنية".
وحسب فهمي فإن "إضعاف قوة الخارجية المصرية، أمر مقصود من
نظام الانقلاب العسكري، لصالح تنامي الدور الإسرائيلي بالمنطقة، وهو الدور الذي
كانت تقف ضده الخارجية لفترات طويلة".
وأردف قائلا: "لكن في ظل العلاقات القوية بين السيسي وقادة
إسرائيل، فإن أي دور سياسي أو فني يمكن أن يهدد هذه العلاقات يجب القضاء عليه، وهو
ما يبرر ما يجري في كل الملفات الوطنية والإقليمية".
ويشير المسؤول البرلماني السابق، إلى أن الوثائق التي نشرتها
"قناة الجزيرة"، عن عدم استجابة السيسي لرأي الخارجية في ترسيم الحدود
البحرية مع اليونان، وأن الأخيرة تتلاعب بمصر وتغالطها، يؤكد أن هدف السيسي لم يكون
صالح مصر، وإنما تقديم الرشاوى الدولية للاعتراف بشرعية انقلابه الدموي، وقد
ساعدته الخارجية على ذلك بصمتها وتخاذلها.
اقرأ أيضا: انتهاء مباحثات سد النهضة بمصر دون نتائج.. واجتماع بواشنطن
وحمل فهمي الوزير الحالي سامح شكري، الجانب الأكبر من تراجع
تأثير الخارجية بمختلف الأصعدة، موضحا أن "الوزير أحد أسلحة الترويج للانقلاب
منذ بدايته، ولعب أدوارا قذرة من أجل ترسيخ أقدام السيسي ونظامه، وتحول طواعية من
مسؤول عن وزارة سيادية هامة وحساسة، لموظف لا يستطيع مخالفة توجهات من وضعه في
منصبه، حتى لو كان ذلك على حساب مصالح الوطن".
استسلام وتبعية
ووفق رئيس المكتب السياسي بالمجلس الثوري المصري، عمرو عادل،
فإن وزارة الخارجية واحدة من أهم وزارات أي نظام سياسي، والمفترض أن تكون صاحبة
قرار ورأي مهني، في أي موضوع متعلق بالسياسات الخارجية، وشخصيتها الاعتبارية جزء
رئيسي من شخصية الدولة، وهذا ما نراه في الدول القوية والكبيرة.
ويؤكد عادل لـ "عربي21"، أن غياب استقلال الدولة
المصرية وضعف دورها الإقليمي، أفقد الوزارة نفسها قدرتها على التأثير، وما زاد من
الكارثة أن هذا التراجع جاء مع وجود نظام استبدادي لا يحكم إلا بالقوة، ويديرها
مجموعة من العملاء والمنبطحين للخارج.
وتابع: "نتيجة لذلك تحولت الخارجية إلى سكرتارية لتمرير
قرارات القوى المتحكمة بالدولة، ويظهر هذا بوضوح في تسريبات المكاتبات الخاصة بسد
النهضة وترسيم الحدود".
ويشير عادل إلى موقف الخارجية المصرية أثناء توقيع اتفاقية كامب
ديفيد، قبل 40 عاما، عندما قدم وزير الخارجية استقالته اعتراضا على توقيع
الاتفاقية، وتبعه سلسلة استقالات أحرجت الرئيس السادات، وهو في منتجع كامب ديفيد،
ولكن بعد مرور 40 عاما، تغيرت الأمور وتحول رجال الخارجية لدمي ليس قيمة لها.
وحسب السياسي المصري، فإن "مصر تفقد بشكل متتابع تأثيرها
الإقليمي، وسوف تزداد عزلتها الدولية والإقليمية في ظل استسلامها لإرادة قوى ضعيفة
لا تمتلك قوة إستراتيجية وجيوسياسية مثل الإمارات، أو لنظام متصدع مثل السعودية،
ودعمها لخليفة حفتر في ليبيا أحد أكبر هذه المظاهر".
محللون يقرأون أسباب إهمال دعوة مصر لـ"قمة كوالالمبور"
لماذا تعترض أوروبا على الاتفاق التركي الليبي وكيف سترد أنقرة؟
روسيا تدخل على خط الاتفاقية "الليبية-التركية".. ما أهدافها؟