صحافة دولية

بوليسي: كيف فشلت استخبارات واشنطن بخنق الإرهاب في مهده؟

قال الكاتب إن "البغدادي لا زال طليقا وقادرا على إصدار مقاطع فيديو تنم عن الكراهية مثلما فعل هذا الأسبوع"- تويتر

نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية مقال رأي للكاتب والمراسل مايكل هيرش سلّط فيه الضوء على مقطع الفيديو الأخير لأبي بكر البغدادي الذي لا يعكس فشل الاستخبارات الأمريكية في التغلّب على تنظيم القاعدة والقضاء عليه فحسب، بل ويبيّن أيضا دور هذا الإخفاق في فتح المجال أمام صعود تنظيم الدولة.


وقال الكاتب في مقاله الذي ترجمته "عربي21" إن عبارة "فلنقتل هذا الطفل في مهده"، استخدمتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لحظة اكتشافها تورّط أسامة بن لادن في أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، وبدلا من ذلك، وجّهت واشنطن أنظارها نحو العراق وكانت النتيجة ظهور أبو بكر البغدادي في شريط فيديو جديد هذا الأسبوع.


وأفاد الكاتب بأنه في الوقت الذي ألقت فيه القوات الأمريكية القبض على أبي بكر البغدادي في أوائل سنة 2004، كانت أعمال التمرّد في العراق لا تزال في مراحلها الأولى، لكنها كانت محتدمة، وعلى غرار معظم القادة الأمريكيين في ذلك الوقت، لم يفهم راي أوديرنو، اللواء وقائد فرقة المشاة الرابعة في الجيش الأمريكي في منطقة المثلث السني وتحديدا في مدينة سامرّاء، مسقط رأس البغدادي، الكثير عن سبل مكافحة العصيان، حيث سمح لوحداته بإلقاء القبض على كل شخص تحوم حوله الشكوك.


وذكر الكاتب أن "جنود الكتيبة الأولى من فرقة المشاة الثامنة كانوا قد اقتحموا منزلا صغيرا وسط المدينة حدّدت المخابرات الأمريكية أنه يستضيف إيرانيين يُعرفون بتعاطفهم مع المتمردين في العراق، ولم تكتس حقيقة أن السنّة هي من كانت تقود العصيان العراقي وأن الإيرانيين كانوا من الشيعة، أي أهمية بالنسبة للقوات الأمريكية، ونظرا لأنها لم تعثر على الأشخاص المشتبه بهم داخل المنزل، داهمت القوات منزلا قريبا يقطن فيه مالك المنزل عراقي الجنسية حسب ما قالته المخابرات الأمريكية، الذي تعرّض للاعتقال بصحبة أبنائه الثلاثة.


ونوّه الكاتب إلى أن العديد من المعتقلين واجهوا مصيرا مشابها لمصير مالك المنزل وأبنائه حيث انتهى بهم المطاف سواء في سجن أبو غريب أو في مراكز احتجاز أخرى على غرار معسكر بوكا، وفي وقت لاحق، أُطلق سراح معظمهم وعاد العديد منهم أدراجه إلى العراق المحتلّ الذي يكنّ سكانه مشاعر غضب وكراهية تجاه المُستعمر.

 

اقرأ أيضا: محللون يقرأون دلالات توقيت ظهور البغدادي بعد 5 سنوات


وأضاف الكاتب أنه "شهد شخصيا على القاعدة التي اتبعتها القوات الأمريكية في العراق إثر غزوه سنة 2003، حين اعتبرت أن جميع العراقيين مذنبون حتى تثبت براءتهم، وغالبا ما كانت عمليات الاعتقال والضرب، وأحيانا القتل، تعسفية وتستند إلى معلومات استخباراتية واهية، كما لم يتسن للعراقيين اللجوء إلى العدالة، وقد كان البغدادي من بين الآلاف من المجهولين الذين أطلق سراحهم حينها".


في الواقع، من المحتمل أن البغدادي قد تعرّض للاعتقال على خلفية زيارته لصديق له كان على القائمة الأمريكية للشخصيات المطلوبة، وقد أُطلق سراحه من معسكر بوكا بعد مرور 10 أشهر على تواجده هناك، لكن حسب تقرير بروكينغز، تواصل البغدادي مع أحد شركائه في المؤامرات فور مغادرته المعسكر.


وذكر الكاتب أن زعيم تنظيم الدولة البغدادي، لا زال طليقا وقادرا على إصدار مقاطع فيديو تنم عن الكراهية مثلما فعل هذا الأسبوع، علما وأن المقطع الأخير يعتبر الأول له منذ خمس سنوات، وبينما فقد تنظيم الدولة الأراضي التابعة له في كل من العراق وسوريا، أعلن البغدادي أن هذه الجماعة تدخل حاليا مرحلة جديدة إذ قال: "تظلّ معركة الإسلام وشعبه ضد الصليبيين وأتباعهم طويلة للغاية".


وأشار الكاتب إلى أن مصطلح "الصليبيين" كان أحد أهم المصطلحات التي استُخدمت في خطابات أسامة بن لادن خلال السنوات التي سبقت هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، والتي تلتها كذلك، وقد حوّل جورج دبليو بوش ما بدأ كخرافة أطلقها بن لادن، تفيد بأن الأميركيين كانوا غزاة مثل الصليبيين المسيحيين القدامى، إلى حقيقة لا زالت تعرقل السياسة الخارجيّة للولايات المتحدة وتدعم تنظيم الدولة الذي يعتبر النسخة الثانية من تنظيم القاعدة.


وأورد الكاتب أنه في أيلول/ سبتمبر 2002، أعلن بوش عن أنه "لا يمكن الفصل بين تنظيم القاعدة وصدام حسين، عندما نتحدث عن الحرب ضد الإرهاب"، وبالتالي، فسّر هذا الحكم الخاطئ المأساوي الكثير بشأن الأحداث التي وقعت في وقت لاحق، أي قبل عدة سنوات من تحول كل من البغدادي وأبو مصعب الزرقاوي، الزعيم الأصلي لتنظيم القاعدة في العراق، إلى متشددين، وقبل أن تظهر أيضا أي مجموعة من قبيل تنظيم القاعدة في العراق.

 

اقرأ أيضا: بينها تونس وتركيا.. البغدادي يتصفح ملفات هذه الدول


تجدر الإشارة إلى أنه في كانون الأول/ ديسمبر 2001، لم يكن هناك سوى ابن لادن وأيمن الظواهري، اللذين وجدا نفسيهما وأتباعهما عالقين في الجبال الواقعة بين أفغانستان وباكستان في أعقاب الحملة الجوية الأمريكية المدمرة التي كانت تهدف لطرد جماعة طالبان، والتي استمرت على امتداد شهرين.


وتطرّق الكاتب إلى أن الضابط في وكالة الاستخبارات المركزية المكلف بالعملية في تورا بورا، غاري بيرتسن، صرّح في مقابلة لاحقة أنه كان على يقين من أن بن لادن محاصر هناك، بناءً على البث الإذاعي الذي تم رصده، وأضاف بيرتسن أنه صاغ رسالة إلى واشنطن انتهت بهذا السطر: "دعنا نقتل هذا الطفل في مهده".


علاوة على ذلك، صرّح بيرتسن في مقابلة في سنة 2016، أنه أراد إرسال أقل من ألف حارس من الجيش لتشديد الخناق على إرهابيي القاعدة الهاربين، إذ اعتقد أنه في حال اعتمدت الولايات المتحدة ذلك "لكانت الحرب قد انتهت بسرعة"، لكن بوش ورامسفيلد ونائب الرئيس، ديك تشيني، رفضوا هذا الاقتراح، وعوضا عن إرسال قوات إلى أفغانستان للقضاء على تنظيم القاعدة، بدأت إدارة بوش عملية موسعة لنقل الرجال والموارد إلى العراق، حيث لم يكن تنظيم القاعدة موجودا بعد.


وأورد الكاتب أنه رغم موت ابن لادن، إلا أنه لا زال يُمثل أسطورة ومَثلا أعلى، يستلهم منه البغدادي للتخطيط لتكتيكاته التي تعدّ أكثر تطورا في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الوقت الحالي، يبدو أن ترامب يرتكب العديد من الأخطاء ذاتها حيث تخطط الإدارة لوضع جماعة الإخوان المسلمين على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، علما وأن مثل هذه التصريحات سبق أن أوقعت إدارة بوش في مأزق.