كتب

لماذا تأسس مجلس التعاون الخليجي وعلى أي أرضية؟

مجلس التعاونا الخليجي.. فكرة كويتية بالأساس، وتكتل بين أنظمة متشابهة ظاهرا لكنها مختلفة في التفاصيل ـ مركز الجزيرة

الكتاب: العلاقات الخليجية-الخليجية.. معضلة الفراغ الاستراتيجي والتجزئة (1971- 2018)
الكاتب: محمدصالح المسفر
الناشر: مركز الجزيرة للدراسات- الدوحة- قطر، نوفمير 2018.
318 صفحة من القطع الكبير.

يتكون مجلس التعاون لدول الخليج العربية من ست دول، هي المملكة العربية السعودية، وجاراتها من الدول الأصغر منها، أي: الإمارات العربية المتحدة، والكويت، وقطر، وعُمَان، والبحرين. ويعتبر مجلس التعاون لدول الخليج العربية أو كما يعرف باسم مجلس التعاون الخليجي منظمة إقليمية سياسية واقتصادية عربية مكونة من ست دول أعضاء تطل على الخليج العربي، هي: السعودية، وعمان، والإمارات، والكويت، وقطر، والبحرين. 

 

مجلس التعاون من الفكرة إلى التأسيس


تأسس المجلس في 25 آيار (مايو) 1981 بالاجتماع المنعقد في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية. وكان الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير دولة الكويت الراحل صاحب فكرة إنشائه. ويتولى الأمانة العامة للمجلس حاليًا عبد اللطيف بن راشد الزياني. ويتخذ المجلس من الرياض مقرًا له.

وكان صاحب فكرة التأسيس للمجلس هو أمير دولة الكويت الراحل جابر الأحمد الصباح، الذي قام بزيارة لدولة الإمارات في 16 أيار (مايو) 1976، لعقد مباحثات مع رئيس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان  حول إنشاء مجلس التعاون الخليجي. واقترح فكرة إنشاء هذا المجلس لإحساسه بوجوب سد النقص الذي خلفته بريطانيا بعد خروجها من الخليج العربي، وكان قد اقترح إنشاء المجلس في قمة لجامعة الدول العربية في الأردن في عمان في تشرين الثاني (نوفمبر) 1980. 

وفي 25 أيار (مايو) عام 1981، توصل قادة كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت ودولة قطر ومملكة البحرين في اجتماع عقد في إمارة أبوظبي إلى صيغة تعاونية تضم الدول الست تهدف إلى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دولهم في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها، وفق ما نص عليه النظام الأساسي للمجلس في مادته الرابعة، التي أكدت أيضاً على تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون بين مواطني دول المجلس.

 

استند بقاء الممالك الخليجية حتى اليوم ـ على المستوى المحلي على الأقل ـ إلى نمط من العقود الاجتماعية بين العائلات الحاكمة وشعوبها.


وجاءت المنطلقات واضحة في ديباجة النظام الأساسي التي شدّدت على ما يربط بين الدول الست من علاقات خاصة، وسمات مشتركة، وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية، وإيمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف، وأن التعاون فيما بينها إنما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية. وبعد أشهر من اندلاع أحداث "الربيع العربي" أعلن في يوم الثلاثاء العاشر من أيار (مايو) 2011 في اجتماع المجلس في الرياض الزياني أمين عام المجلس عن الموافقة بضم المملكة الأردنية الهاشمية للمجلس ودعوة المملكة المغربية للانضمام لمجلس التعاون، لكن المغرب قامت بالاعتذار معتبرة "اتحاد المغرب العربي" موقعًا استراتيجياً لها.

 

اقرأ أيضا: هكذا أقرّت السعودية بدور قطر في مجلس التعاون الخليجي

في كتابه الجديد، الذي يحمل عنوان "العلاقات الخليجية-الخليجية: معضلة الفراغ الاستراتيجي والتجزئة (1971- 2018)"، والذي يتكون من مقدمة، وسبعة فصول، ويقع في 318 صفحة من القطع الكبير، وصادر عن مركز الجزيرة للدراسات، في نهاية سنة 2018، يقدم لنا الباحث محمد صالح المسفر (أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر) دراسة علمية قيمة عن السمات والعوامل المشتركة، التاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تجمع دول الخليج العربية وتؤثر في علاقاتها فيما بينها وفي الدول والقوى الأخرى، ويناقش مسار تأسيس هذه الدول، ومسار العلاقات التعاونية والصراعية طوال العقود الماضية، ليخلص إلى أنّ غلبة الخلافات لم تكن مبررة بين دول تتشابه في الدين واللغة والعادات والموارد، وتتشابك علاقاتها الاجتماعية، بل وتشترك في التحديات والتهديدات ذاتها.

العقود الاجتماعية بين الدول الخليجية وشعوبها كسبب أساسي للبقاء

استند بقاء الممالك الخليجية حتى اليوم -على المستوى المحلي على الأقل- إلى نمط من العقود الاجتماعية بين العائلات الحاكمة وشعوبها. وتعتبر هذه الصيغ من التسويات الاجتماعية مع حكومات السلطة الأبوية الحديثة التي تشكلت، كافية لضمان تهدئة المواطنين عادةً، وتلبية احتياجات المغتربين المقيمين، وضمان قدر معين من القبول السياسي من السكان ما يسمح للممالك بتجنب القمع أو "إبقاء نظام الحكم" بشكل قسري.

وقد أكدت الممالك الخليجية كلها أن الدولة، أولاً، وقبل كل شيء، موزعٌ للثروة بدلاً من أن تكون مُنْتَزِعًا لها، ويمكن القول إن هذا لا يزال يشكل الدعامة الأساسية لبقاء الحكم الملكي. ولا شك أن سخاء هذه الدول الريعية الحديثة قد وفّر للأسر الحاكمة والحكومات فيها "شرعية باعثة على السعادة"، أي شرعية مستمدة من الرفاه الاقتصادي وتوفير الرعاية الاجتماعية- ويأتي معظمها من عائدات الامتيازات النفطية في المنطقة، أو من الإيجارات التي ولدتها أنشطة مرحلة ما بعد النفط. وكانت قدرة هذه الدول على تعزيز الهوية الوطنية والحالة الاجتماعية لمواطنيها أو للسكان المحليين" فيها -والذين تُعَرفهم مباشرةً على أنهم المتلقين للثروة الموزعة وتضعهم غالبًا في مناصب أعمال مؤاتية- مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بهذا العنصر.

 

من أبرز السمات المشتركة التي تجمع دول الخليج وتؤثر في علاقاتها فيما بينها وفي الدول والقوى الأخرى، تشابه نظم الحكم. فهي نظم تقوم على مبدأ الوراثة


في مجلس التعاون الخليجي تنقسم الممالك إلى ثلاثة أنماط من الحكم: فهناك ثلاث دول نظام حكمها "ملكي دستوري" طبعًا ليس على الطريقة البريطانية، وهي: قطر، والكويت، والبحرين، ودولة نظام حكمها ملكي مطلق، وهي المملكة العربية السعودية، ودولة نظام حكمها سلطاني وراثي، وهي سلطنة عمان، ودولة نظام حكمها إتحاد رئاسي، وهي دولة الإمارات العربية المتحدة، 5 وهي عبارة عن سبع إمارات كل إمارة لها حاكمها الخاص. وفي عام 2011 اقترح الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود في القمة الخليجية الثانية والثلاثين تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد خليجي والتنسيق فيما بينها سياسياً وعسكرياً وإقتصادياً، وتم رفض الفكرة من قبل سلطنة عمان.

ويرى الباحث محمد صالح المسفر، أن"من أبرز السمات المشتركة التي تجمع دول الخليج وتؤثر في علاقاتها فيما بينها وفي الدول والقوى الأخرى، تشابه نظم الحكم. فهي نظم تقوم على مبدأ الوراثة، ويتم اختيار الحكام من بين أفراد العائلة الحاكمة في كل دولة، بغض النظر إن كان الاختيار يتم بين الأبناء أوالإخوة أو سواهم.. ومن جهة أخرى تستمد الأنظمة الخليجية المعنية شرعيتها من الموروث التاريخي للأسرة الحاكمة، والولاء القبلي التاريخي، والعقيدة الإسلامية وفقا للتفسير الرسمي للعقيدة (ص 58 من الكتاب).

توزيع الثروات في دول مجلس التعاون الخليجي
 
تطور نظام زعماء القبائل التقليدي بشكل هائل منذ ستينيات القرن العشرين، وهو قائم على تقديم الهدايا للرعايا، وللأصدقاء والأعداء مقابل الحصول على الولاء. أو على الإخلاص في الخدمات. غير أن هذا الوضع تغير كثيرًا مع تفجر الثروة النفطية، وارتفاع أسعار النفط بعد حرب أكتوبر عام 1973، فقد سمحت عائدات النفط والغاز للدول الخليجية الناشئة بنقل الثروة مباشرة إلى مواطنيها، وإنشاء دول الرعاية الاجتماعية الأكثر سخاءًا في العالم النامي، مرتكزة بذلك على المرافق المدعومة، والوقود، والمواد الغذائية. وكان تأمين المساكن الحكومية من أحد أبرز المنافع التي استفاد منها المواطنون الخليجيون، رغم تواضع نوعية هذه المساكن المجانية إلى حد ما في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، فإنها كانت توفر التكييف وإمكانية وصل البرادات، وأجهزة التلفاز، وغيرها من الأجهزة الحديثة. وكان لذلك تأثير في تغيير حياة آلاف المواطنين في المناطق الأكثر فقرًا في المملكة السعودية وعُمَان تحديدًا.

وفضلاً عن المنازل، برهن منح الحكومة الأراضي للمواطنين، بهدف الاستخدام الزراعي والتجاري، عن شعبيتها أيضًا-وهو مورد مباشر للإستخدام في كثير من الممالك الخليجية، وذلك لامتلاك الدولة، في معظم الحالات، أو حتى الحاكم نفسه، جميع الأراضي، إلا إذا أعيد توزيعها بشكل محدد، أما المواطنون الذين ما يزالون يعيشون في المناطق الريفية أو النائية، فقد تم إعطاؤهم قطعًا من الأراضي لتطويرها وتحويلها إلى مزارع عمل.

وفي الممالك الخليجية الأكثر غنًى، وتحديدًا أبوظبي، حيث حرص الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على تخضير الإمارة بالأشجار والنبات، مُنِحَ عدد كبير من المواطنين هبات لشراء المعدات الزراعية اللازمة وتوظيف العمال المغتربين. وبالإضافة إلى الأراضي الزراعية أحيانًا، وكبديل أيضًا، تم توفير قطع من الأراضي للمواطنين في المناطق الحضرية أو الصناعية، إما بهدف تطويرها لتصبح محال بيع بالتجزئة، أو ورش عمل، أو ببساطة لبناء مبان يتم تأجير الشقق فيها للمغتربين. وفي بعض الأحيان، لم يتم تطوير قطع الأرض هذه، فتحولت ببساطة إلى مواقف للسيارات أو مناطق استراحة للشاحنات، لكنها في كلتا الحالتين لا تزال تعود بإيجار على مالكيها.

 

سمحت عائدات النفط والغاز للدول الخليجية الناشئة بنقل الثروة مباشرة إلى مواطنيها، وإنشاء دول الرعاية الاجتماعية الأكثر سخاءًا في العالم النامي


ومن بين المزايا التي تمنحها دولة الرفاه الاجتماعي في الممالك الخليجية استحقاقات الضمان الاجتماعي للمواطنين العاطلين عن العمل، والتي تعتبر سخية جدا في الدول الخليجية الأكثر ثراءً، إذ تصل قيمتها إلى نحو 3000 دولار شهريًا، ومتواضعة في جميع الممالك الخليجية الباقية ما عدا الممالك الأكثر فقرًا، أي البحرين وعُمَانْ، فإنّ دول الرعاية الاجتماعية التي أنشئت منذ سبعينيات القرن العشرين تشتمل على الرعاية الصحية والتعليم المجاني أيضًا. ونجد مرّة أخرى تفاوتًا ملحوظًا بين نوعية الخدمات المقدمة في الدول الست الأكثر ثراءًا والأكثر فقرًا في الخليج. ففي قطر، يتم حاليًا، على سبيل المثال، إنشاء مستشفى جديد بكلفة 2.4 مليار دولار بالتعاون مع جامعة كورنيل، في حين يعتقد أن جامعة قطر التي ترعاها الدولة قائمة على هبات ضخمة.

وتتكفل الدول الخليجية الست بتوفير فرص العمل في القطاع العام لمعظم المواطنين، بشرط توافر المؤهلات الأساسية فيهم، فقد ضمن معظم المواطنين الذين تخرجوا من الجامعة في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين وظائف في الخدمة المدنية، وفي الوزارات أو في دوائر حكومية أخرى. وعلاوة على ذلك، فقد كان المواطنون يتمتعون برواتب تفوق رواتب نظرائهم المغتربين دائمًا، إضافة إلى رواتب تقاعدية سخية، وساعات عمل مريحة، وآفاق جيدة للترقية.

وفي ظل التراجع الملحوظ لعائدات النفط، وانعكاسات الأزمة المالية العالمية على اقتصاديات الدول الخليجية، بات من الصعب على دول الخليج  في السنوات الأخيرة، وتحديدًا تلك التي تعاني من انخفاض في الموارد أو في الارتفاع في عدد السكان مثل البحرين وعُمان والمملكة العربية السعودية، الحفاظ على مثل هذه الوظائف المدعومة بسخاء، والمحمية بشكل جيد وتمويلها.

 

اقرأ أيضا: قمة التعاون الخليجي بالرياض.. فُرقة وغياب لثلاثة زعماء