نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لكل من آمي هوثورون وأندرو ميللر، تحت عنوان "أسوأ من مبارك"، يتحدثان فيه عن مخاطر حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي على مصر والمنطقة بشكل عام.
ويقول الكاتبان في مقالهما، الذي ترجمته "عربي21"، إن السيسي خلق أكثر أنواع الديكتاتورية في مصر، بشكل يذكر بأيام عبد الناصر.
ويشير الباحثان في مشروع الدفاع عن الديمقراطية في الشرق الأوسط إلى أن السيسي قام ومنذ انقلابه عام 2013، الذي أطاح بحكم الرئيس المنتخب محمد مرسي، بتجاهل الدستور، ومارس القمع ضد أعدائه الإسلاميين وأي شخص يعارض حكمه.
ويقول الكاتبان إن "السيسي يقود اليوم مصر إلى منطقة خطرة، من خلال الدفع بتعديلات دستورية تؤدي وبشكل رسمي إلى تقنين الديكتاتورية الشخصية".
ويعلق الباحثان قائلين إن "الحديث عن الأنظمة الديكتاتورية التي تركز السلطة في يد حاكم مستبد ربما ظهرت قادرة على البقاء، خاصة لو حظيت بدعم من الجيش، مثل السيسي، إلا أنها تكون عرضة لانهيار فوضوي أكثر من الأنواع الأخرى من أنظمة الحكم، فالتغيرات التي يريد السيسي إجراءها على الدستور ستؤدي إلى تقوية حكمه بطرق ثلاث:
أولا: أنها تلغي المطلب الحالي، وهو تسليم السلطة بحلول عام 2022، حيث لا يسمح له الدستور بشكله الحالي البقاء لأكثر من مدتين، وبالتالي يستطيع البقاء في الحكم حتى عام 2034 أو أبعد.
وهذا يعني نسخ الإنجاز الوحيد الذي حققه المصريون من ثورة عام 2011، التي أطاحت بمبارك، والتي حددت مدة حكم الرئيس بولايتين، مدة كل واحدة أربعة أعوام، مع أنه لا يوجد مطلب شعبي لتمديد رئاسة السيسي، بل على العكس هناك شعور متزايد بالتعب من حكمه الديكتاتوري.
ثانيا: فهو يعني سيطرة السيسي على المؤسسة القضائية وتعيين القضاة الكبار، بشكل سيقضي على استقلالية القضاء، الذي أضعف في السنوات الماضية، إلا أن فيه عددا من القضاة الشجعان المستعدين لتحقيق العدل وحكم القانون.
ثالثا: تعني التعديلات تعزيز دور الجيش المصري؛ لأنها ستمنح القوات المسلحة الحق بالتدخل في الشؤون المحلية باسم حماية "الدستور والديمقراطية"، وتأمين "مؤسسات الدولة الرئيسية"، ويبدو التعديل أنه قيد من الجيش ضد أي تجاوز للرئيس، لكن السيسي، الذي استخدم التخويف والمنافع الاقتصادية، وعزل الضباط، كان قادرا على تقوية حكمه وتوطيده داخل الجيش".
ويلفت الكاتبان إلى أنه "على خلاف هذا، فإن التعديلات ستؤدي إلى ظهور جيش على شكل الحرس الإمبراطوري مهمته حماية السيسي، وحتى دون تعديلات فإن الرئيس أثر على عدد من القوانين التي تم تشريعها منذ عام 2013، حيث ينظر إلى نفسه على أنه مبعوث العناية الإلهية والمخلص الوحيد لمصر، ويحتاج لسيطرة كاملة عليها لمنعها من الانهيار، ومن خلال تجسيد سيطرته الطاغية على الدستور يريد السيسي منع أي تحد قانوني وسياسي لحكمه وجعل ذلك مستحيلا، رغم أن ديكتاتوريته تبدو بمظهر الشرعية الدستورية أمام الجمهور الغربي الساذج".
ويعتقد الباحثان أن "توقيت التعديلات مهم بالنسبة للرئيس قبل أن يقوم بتعويم جديد للعملة وقطع للدعم هذا العام، وستؤدي إجراءات كهذه إلى تعميق المعاناة الاقتصادية لشعب يكافح للعيش، وستزيد من الغضب على نظامه، وربما كان السيسي راغبا بالتحرك وأمريكا راضية عنه، فهو تحديدا يريد مصادقة أهم داعميه في واشنطن، وهو الرئيس دونالد ترامب، وربما تساءل العارفين بتاريخ مصر الحديث، الذي اتسم بحكم ديكتاتوري غير منقطع، عن أهمية التعديلات وإن كانت ستغير من الواقع".
ويعلق الكاتبان قائلين إن "التعديلات مهمة لأنها تعني مأسسة نظام ديكتاتوري في ظل السيسي أسوأ من ديكتاتورية مبارك، فهذا رغم قمعه، ولا يمكن الدفاع عنه في النهاية، إلا أنه فوض بعض السلطات وفتح المجال أمام مؤسسات مدنية ومنظمات مجتمع مدنى، وبنى قاعدة متنوعة لنظامه، فنظامه شبه الديكتاتوري ساعده على البقاء في الحكم 30 عاما قبل أن يقضي عليه فساده وقمعه، وبالمقارنة فإن السيسي يقوم ببناء حكم ديكتاتوري أكثر خنقا وبقاعدة دعم ضيقة وهشة بالضرورة، ولأن السيسي رأى أن مبارك كان متسامحا، فإنه وضع البرلمان والجامعات والمؤسسات المدنية تحت سلطة الأجهزة الأمنية التي ملأها بالرجال المذعنين والموالين، وسحق النشاط السياسي المستقل كله، وتجاوز حكم القانون، وعاقب بشراسة من تجرأ على مخالفته".
وينوه الباحثان إلى أنه "بعد أن تخلى السيسي عن شبكة الرعاية التي دعمت مبارك من الحزب الحاكم والأعيان ورجال الأعمال، فإنه قام بالحكم من خلال حلقة ضيقة من المتملقين له في الجيش والمخابرات، بمن فيهم ابنه، وكان أمره بدهن البيوت بلون واحد تعبيرا عن حكم عسكري تجاوز الإدارة المصغرة التي اتبعها مبارك".
ويجد الكاتبان أن "التعديلات الدستورية تعني إغلاق الباب أمام أي تشارك في الحكم، ولا حتى انتقال للديمقراطية، بل حماية السلطة الشخصية للسيسي، وتحصينها من أي تحد قانوني أو سياسي".
ويحذر الباحثان من مخاطر مراكمة السلطة "التي لا تعمل على تقوية النظام الديكتاتوري فقط، بل تعمل أيضا على نهايته بطريقة عنيفة أيضا، كما كشف علماء السياسة والأمثلة الحية من معمر القذافي في ليبيا والرئيس العراقي صدام حسين، حيث انتهى حكم الفرد بطريقة وحشية، فقامت هذه الأنظمة على مؤسسات فارغة، وبقاعدة شعبية ضيقة، وبمركزية عالية للسلطة، انتشر فيها الفساد والعجز، وتم فيها استبعاد أي شخص لم يقسم الولاء للحاكم، وتجاهلت صمامات الأمان والتغيير السلمي، وأدى هذا كله للحنق والحقد الشعبي والحرمان الذي انفجر مرة واحدة".
ويذهب الكاتبان إلى أن "المرحلة الحالية مهمة لمصر وللسياسة الخارجية الأمريكية، فمع تراجع أهمية البلد لأمريكا في السنوات الأخيرة، إلا أنه يظل ذا أهمية نظرا لعدد سكانه وموقعه الجغرافي والدعم السنوي الذي يتلقاه من أمريكا".
ويبين الباحثان أن "السيسي عادة ما يرفض النقد الخارجي لنظامه والقمع الذي يمارسه، ويعده تدخلا في الشؤون المصرية، متناسيا أن نظامه يعتمد وبشكل عال على التمويل الدولي والدعم الدبلوماسي والمساعدة الأمنية".
ويختم الكاتبان مقالهما بالقول إن "أمريكا لديها نفوذ يمكنها ممارسته، فعلاقة ترامب أفضل من تلك التي كانت بين سلفه باراك أوباما والسيسي، وكذلك المشرعين الذين يسيطرون على الدعم السنوي 1.3 مليار دولار، وعلى الكونغرس والبيت الأبيض رفض تقديم الدعم الكامل لمحاولات السيسي بناء ديكتاتورية شاملة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
نيويورك تايمز: هل يفهم المصريون التعديلات الدستورية؟
مجموعة خبراء بالشأن المصري توجه رسالة لمسؤولين أمريكيين
مقال بـ"WP" يحذّر من تداعيات انقلاب السيسي الدستوري