صحافة دولية

فورين أفيرز: لهذا تعد استراتيجية ترامب في العراق حمقاء

فورين أفيرز: العراق لم يعد ثكنة عسكرية أمريكية- جيتي

نشر موقع "فورين أفيرز" مقالا للباحثين في مؤسسة القرن الأمريكية مايكل وحيد حنا وثانسيس كامبنس، يقولان فيه إن الرئيس دونالد ترامب قرر سحب القوات الأمريكية من سوريا وتخفيضها في أفغانستان، مشيرين إلى أنه قرر في الثاني من شباط/ فبراير تحويل نظره نحو الساحة الثالثة، وهي العراق

ويشير الباحثان في مقالهما، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن ترامب قال في مقابلة مع شبكة "سي بي سي" إن القوات الأمريكية ستبقى في العراق، لا لمكافحة تنظيم الدولة، لكن "لمراقبة إيران"، وأشار إلى أن القواعد العسكرية الأمريكية يمكن أن تكون بمثابة نقاط عسكرية لمراقبة طهران، و"ما يتعلق بنشاطاتها النووية وغير ذلك". 

ويرى الكاتبان أن تعليقات ترامب "متهورة" وتعكس هوسا ضالا بإيران، وتصور العراق على أنه ليس إلا بيدقا في سياسة الولايات المتحدة ضد إيران، محذرين من أن خطابا كهذا سيسمم علاقة واشنطن وبغداد، التي لا تزال واحدة من أعمدة التأثير الأمريكي في منطقة تنتشر فيها شراكات عاجزة وغير منتجة.  

ويذكر الباحثان بالغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وما تبعه من احتلال فتح الباب للقوى الإسلامية المتشددة والطائفية للنشاط، وانتهزت إيران الفرصة لتوسع تأثيرها، مشيرين إلى أن المنطقة، وبالضرورة العالم، يعانيان من تداعيات الغزو، و"رغم العلاقة الصعبة فإن القيادة العراقية لا تزال مفتوحة للتعاون الأمريكي الدبلوماسي والأمني".

 

وقام أحد الكاتبين بزيارة العراق في الفترة الماضية، وتحدث مع القادة السياسيين الذين يمثلون الأطياف السياسية، بينهم نقاد السياسة الأمريكية في العراق، وعبر الكثير منهم عن أمله بمواصلة واشنطن دعم جهود الحكومة العراقية؛ لتحسين الأمن وبناء مؤسسات الدولة. 

ويقول الباحثان إن "المساعدة الأمنية تظل مهمة جدا، فلا دولة مثل أمريكا قادرة على تقديم صور فضائية دقيقة، ترصد تحركات تنظيم الدولة وعودته من جديد، ومن خلال مساعدة أمريكية في مجال مكافحة الإرهاب، وجمع المعلومات الاستخباراتية، يعتقد القادة العراقيون أن حكومة بلادهم قادرة على هزيمة المتمردين، وتستطيع في النهاية تقوية مؤسساتها لحماية نفسها من تأثير الولايات المتحدة وإيران". 

 

ويلفت الكاتبان إلى أنه "منذ الانسحاب الأمريكي عام 2011 وحكومة بغداد تحاول التحرك بحذر للحفاظ على علاقات صديقة مع كل من واشنطن وإيران، وتجنب الاعتماد الكامل على أي منهما".

 

وأخبر مسؤول عراقي الكاتبين في كانون الثاني/ يناير 2019، قائلا: "لا نحب الوجود العسكري الأمريكي.. لو انسحبوا فجأة فستملأ إيران الفراغ". 

ويفيد الباحثان بأنه "حتى وقت قريب كانت معظم الطبقات السياسية العراقية، بمن فيها التيار الصدري المعروف بخطابه المعادي للاحتلال الأمريكي، متفقة على ربط خروج الولايات المتحدة بخروج القوى الأجنبية كلها، أي إيران، ويمكن للصدريين وغيرهم الحفاظ على هذا الموقف البراغماتي في حال توقفت الولايات المتحدة عن منح انطباع أن العراق هو جزء من التحالف الأمريكي ضد إيران والمحور المؤيد لإسرائيل".

وينوه الكاتبان إلى أن "العراقيين المتعاطفين يرون أن هناك اهتمامات مشتركة محدودة مع الولايات المتحدة، ويقولون إن العراق بحاجة لقبول الدعم الذي تقدمه إيران التي قامت باستثمارات في الصناعات والبنية التحتية للسياحة، وتعد الشريك التجاري الرئيسي لبغداد في مجال المواد الغذائية والغاز الطبيعي، وقامت طهران بدور في محاربة تنظيم الدولة، من خلال تقديم الدعم الفني لوزارة الداخلية وإلى أجهزة المخابرات، ولهذا تخشى النخبة من تنفير إيران". 

 

ويبين الباحثان أنه "في الوقت الذي يطالب فيه العراقيون بسياسة ناعمة من الولايات المتحدة فيما يتعلق بإيران، فإن ترامب قدم العكس، وهو ما دعا الرئيس العراقي برهم صالح لوصف تصريحات الرئيس الأمريكي بـ(الغريبة)، ودعا الأمريكيين لعدم إثقال كاهل العراقيين بمشكلاتهم، ودعا التيار الصدري لقرار في البرلمان يدعو لطرد القوات الأمريكية من العراق، أما المليشيات التي سلحتها ومولتها إيران، مثل عصائب الحق، فقالت إنها مستعدة لحمل السلاح ومواجهة الأمريكيين، وحتى لو كان كلام المجموعة هذه مجرد تبجح معاد لأمريكا، إلا أن التغير في النبرة مثير للقلق". 

 

ويذكر الكاتبان بأهمية احترام سيادة البلدين من أجل الحفاظ على الشراكة الأمنية والعسكرية، "فالعراق مستعد لاستقبال عدد من الأرصدة الأمريكية، وحتى غض الطرف عن نشاطات التجسس التي لا علاقة لها بمحاربة تنظيم الدولة، وسيجد القادة العراقيون صعوبة في عمل هذا في حال ظلت الولايات المتحدة تتحدث عن بلدهم بصفته قاعدة عسكرية لمراقبة إيران وحماية إسرائيل كما فعل ترامب".

 

ويرى الباحثان أن "الخطأ الكبير الذي يرتكبه الرئيس ترامب في الشرق الأوسط يثير الأسف؛ لأن استعداد العراق للتعاون المثمر والمفتوح في المجال الأمني والعسكري يميزه عن بقية شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بمن فيها مصر والسعودية". 

 

ويجد الكاتبان أنه "مع أنه ضعيف، إلا أنه حليف قوي وحاجز ضد التأثير الإيراني، ويتمثل ذلك في وكالات الاستخبارات العراقية المتنافسة، حيث تثق واشنطن ببعضها وتقدم لها الدعم، فيما تثق إيران بالبعض الآخر، إلا أن ترامب ظهر في مقابلته مع (سي بي أس) أنه يدعو للعكس، فقال إنه مع تخفيض التعاون، وبأن أمريكا يمكنها العودة في أي وقت، وهو بهذا يرتكب خطأ؛ لأن الشراكات والبنى التحتية لا تبنى في ليلة وضحاها". 

 

وينوه الباحثان إلى أنه "بعد الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2011، تراجع التعاون الأمني، وهو ما سمح لمقاتلي تنظيم الدولة بالانتقال إلى سوريا، وكان العراق غير مهيأ لمواجهة الموجة الجديدة من الجهاديين، وبعد مرور العلاقة بدائرة من الانفصال وما تبع ذلك من صدمة ثم تعاون جديد، فالعراق والولايات المتحدة لديهما الكثير لخسارته لو انتهى التعاون، ويجب على القادة العراقيين تعلم الدرس أيضا حتى لو خدمهم الخطاب المعادي لأمريكا على صعيد السياسة المحلية، فقد كان العراق المكان الذي تم فيه تدمير النظام الإقليمي عام 2003، وهو بالضرورة المكان الذي يجب أن تتم منه معالجة ما بعد الهزات". 

 

ويرى الكاتبان أن "إعادة التوازن من خلال الدبلوماسية هي أفضل طريقة لاستخدام القوة الأمريكية، بدلا من الضغط على الحلفاء العراقيين، وإجبارهم على تحويل البلد إلى ساحة للمنافسة الأمريكية الإيرانية، وتحتاج عملية التوازن إلى تحقيق الاستقرار على السياق المحلي وتقوية الأمن، وتحتاج أبضا لإعادة العراق علاقاته مع جيرانه، التي انقطعت بعد غزو صدام حسين الكويت عام 1990". 

 

ويشير الباحثان إلى "أهمية العراق لمستقبل الشرق الأوسط كونه نقطة ارتكاز في الكثير من العلاقات المهمة: بين الولايات المتحدة وإيران، وبين إيران والعالم العربي ودول عربية أخرى، وقد تبنت دول الخليج بقيادة السعودية نهجا براغماتيا مع العراق، وأعادت السعودية علاقاتها مع العراق، وفتحت معبرا حدوديا بين البلدين، واتخذت خطوات باتجاه التعاون الأمني والاقتصادي في المستقبل، وهي خطوات متأخرة لكنها لم تتم ضمن إطار شامل".

 

ويلفت الكاتبان إلى أن "العراق يواجه وضعا أمنيا ملتهبا وفسادا مستشريا ومصاعب مزمنة لتوفير المواد الأساسية، فمشكلة توفر المياه الصحية أدت إلى تظاهرات واسعة في البصرة، ومن هنا يعول رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي على توفير الخدمات، وهو هدف قدمه على تحقيق الوحدة السياسية في حكومته". 

 

وينقل الموقع عن مستشار لرئيس الوزراء، قوله: "أمامنا عام لتنفيذ هذا وربما أقل.. لو نوفر ما يكفي من الكهرباء بحلول الصيف، فقد انتهت اللعبة". 

 

ويجد الباحثان أنه "في ظل الأزمة التي تواجهها الحكومة فإن هناك فرصة ذهبية للولايات المتحدة لتقدم دعما ملموسا للعراق، وعبر عبد المهدي عن استعداد للتعاون القريب مع الولايات المتحدة في مجال الطاقة، والاستفادة من الخبرات الأمريكية في مجال النفط، وهناك مستشارون يعملون مع العراقيين؛ بحثا عن وسائل لتوفير الطاقة لمحطات الطاقة اعتمادا على مصادر الغاز الطبيعي، وهناك مجالات أخرى تستعد الحكومة العراقية للتعاون فيها، مثل إعادة تشكيل وزارة الدفاع". 

 

ويختم الكاتبان مقالهما بالقول: "قدمت واشنطن دعمها بثمن قليل، ولم يكن العراق قادرا على هزيمة تنظيم الدولة دون دعم أمريكي، لكن واشنطن لم تعد ما قدمته دينا طلبت مقابله تأثيرا سياسيا بعد ذلك، وفي المقابل حاولت إيران زيادة تأثيرها من خلال زيادة تأثير المليشيات المؤيدة لها في النظام السياسي العراقي".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)