في مثل هذه الأيام من العام 2000، اندلعت انتفاضة الأقصى، وشكلت حالة
معقدة للغاية بالنسبة للجيش الإسرائيلي، ويمكن تلخيص آثارها وتبعاتها على بنية
الجيش ومعنوياته، وإفشال مخططات الاحتلال التوسعية والأمنية والسياسية
والاقتصادية، وعدم تمكينه من تحقيقها بالنقاط التالية:
قدرة
الانتفاضة الذاتية، وثباتها في مواجهة العدوان، ونجاحها في مقارعة المحتل بمختلف
الوسائل الأمنية والعسكرية والإعلامية والسياسية، واكتساب الثقة الشعبية، واحتضان
المجتمع لدورها، واستعداده للتحمل والتضحية.
إنتاج
الانتفاضة لظاهرة العمليات الاستشهادية التي تنافس على القيام بها جيل الشباب دون
الـ30 من العمر منافسة شديدة، والغريب أن يشارك فيها من تجاوز هذه السن ممن استقرت
حياتهم الأسرية بشكل معقول، وكذا النساء والفتيات، والمدهش أن يفتخر الأهل بأفعال
أبنائهم، ويتقبلوا ما يلحق بهم من خسائر، فقد تصيب البيت هدما، والأرض الزراعية
تجريفا، إضافة للاعتقالات، باعتزاز وشموخ.
ولعل
هذا ما قصده المحلل العسكري "أليكس فيشمان" حين قال: "إن انخفاض
معدل العمليات في بعض الأحيان لا يعني أننا انتصرنا، وأن الانتفاضة على وشك
الانتهاء، لأنه في المقابل يتضاعف عدد الإنذارات، ما يعني أن جيلا من المسلحين
يخلق وينمو فورا، بدلا من الجيل الذي تم القضاء عليه، ويخلفه في الميدان، والجيل
الجديد ليس أقل عنفا".
أحدثت
الانتفاضة تصدعا في المجتمع والخطاب الإسرائيليين، رغم انحياز الناخب نحو اليمين
كردة فعل للمقاومة، اعتقادا منه أن عامل القوة المفرطة الذي يتبعه اليمين سيوفر
الأمن، ويعالج أعمال الانتفاضة، وكتب كثيرون وتحدثوا عن فشل المعالجة الأمنية
العسكرية، ونادوا بالمفاوضات، وبحلول سياسية مقنعة، وأبدوا خشيتهم على الدولة
ومكانتها، وأيدوا تقديم تنازلات مهمة، وحملوا "شارون" مسؤولية ما يصيبهم
من تفجيرات، وحين عزم على فك الارتباط منحوه دعما منقطع النظير.
لم
تقتصر الانتفاضة في كونها سلاحا ومدافعة، وقتلى وجرحى وأسرى وخسائر مالية
واقتصادية فحسب، بل هي إضافة لما تقدم ثقافة وجيل وحالة اجتماعية جديدة، وأجندة
مجتمع تبدلت فيها الأولويات، ورؤى واستراتيجيات تعالج الحاضر والمستقبل، وسياسة
تستنهض عوامل القوة في الذات والمجتمع، وتضرب الاحتلال في مناطق الضعف، وتسجل
نقاطا مهمة باتجاه التحرير وإزالة الاحتلال.
ولعل
هذه الحالة دفعت بالمؤرخ "بنتسيون نتنياهو" والد "بنيامين
نتنياهو" رئيس الوزراء الحالي، للقول: "من يحلم بالأمن والاستقرار
والهدوء في إسرائيل، يبحث عن أوهام لا يمكن أن تتحقق، فما دام الفلسطينيون يرون
يوم استقلالنا يوما لنكبتهم، فإن المواجهة ستبقى متواصلة، وغير قابلة للتوقف".
خلال
مواجهته للانتفاضة، فقد الجيش الإسرائيلي خاصيته "كجيش عصري"، معد لحروب
عصرية تستخدم أحدث التكنولوجيات العسكرية، وأحدث ما تنتجه صناعات الأسلحة في
العالم، والقدرة على الحسم في معارك وحروب قصيرة، ووجد نفسه متورطا في حرب شوارع
لا يعرف فيها من يقاتل، وكيف يقاتله، وبالتالي البقاء في حالة استنفار ويقظة على
مدار الساعة، وانتظار عدو يهاجمه في وقت غير معروف، ومكان غير محدد، وسبب هذا
الوضع له إجهادا وتعبا في كل الأماكن، وعلى جميع المستويات.
لم
تكن الانتفاضة على مستوى العمل العسكري فعلا ثابتا جامدا ، بل تجاوزت ذلك لصناعة
السلاح، وتهريبه من خلال الأنفاق، وعمليات الاختراق الأمني والاستخباري، والأنفاق
المدمرة، والعمليات الاستشهادية، والبحرية، واختراق المستوطنات، وإبداعات عديدة
يفرضها مسرح العمليات وتعقيدات البيئة، وحققت المقاومة في هذا نجاحات أقرّ بها
قادة الجيش الإسرائيلي.
نجحت
الانتفاضة في فرض عزلة دولية واضحة على دولة الاحتلال، لاسيما من خلال الرأي العام
العالمي، وبسبب استمرار المواجهات، والاغتيالات، والاجتياحات، وإجهاض جميع الفرص
السياسية، تدهورت سمعة الإسرائيليين وفقا لاستطلاعات الرأي التي أجريت منتصف
الانتفاضة على مستوى دول الاتحاد الأوروبي، وأظهرت أن 70-80% من الأوروبيين
يعتبرون أن الكيان الصهيوني مصدر تهديد للاستقرار والسلام العالمي، مما أثار ردود
فعل ساخطة فيها.
تطرق
"غيورا أيلاند"، رئيس قسم التخطيط في هيئة الأركان، ورئيس مجلس الأمن
القومي السابق، والمنظر العسكري لخطة الانسحاب من غزة، إلى الأخطاء التي ارتكبها
الجيش، سياسيا وعسكريا، خاصة عدم الاستعداد لهذه المواجهة، بالمفهومين التنظيمي
والفكري.
وحسب
معطياته، وقع أكثر من 1000 قتيل إسرائيلي، ونحو 6 آلاف جريح، وأدى تصاعد الانتفاضة
لفقدان الإحساس الإسرائيلي بالأمن الشخصي، وباتت طرق الضفة الغربية غاية في
الخطورة، وأضحت أجزاء في المستوطنات الإسرائيلية ميادين قتال، وشعر العديد من
الإسرائيليين بانعدام الأمان في الأماكن العامة داخل خطوط عام 1967. أما المخاوف
الكبرى، فهي كل ما يتعلق باستخدام المواصلات العامة، لا سيما محطات الباصات المركزية
ومحطات القطار، والتواجد في المراكز التجارية وأماكن الترفيه، كالمطاعم والمراقص.
وفي
المجال السياسي، دفعت دولة الاحتلال ثمنا باهظا، لا سيما في علاقاتها بالدول
العربية، حيث نشأت توترات أخرى، وعُقدت فيها مظاهرات جماهيرية، وتوقف السياح ورجال
الأعمال الإسرائيليون عن زيارة بعضها بعد أن أصبحت أماكن خطيرة بالنسبة لهم.
وتمكَّنت
انتفاضة الأقصى من تجميع عدد من الإنجازات المهمة خلال العمليات التي نفَّذها رجال
المقاومة، ما مكَّنها من الانتقال خطوة متقدمة إلى الأمام، وولوج مرحلة نوعية
جديدة، بعد أن حققت أول إنجاز ميداني تمثل بانسحاب قوات الاحتلال من غزة، وكبدتها
جنودا ومستوطنين خسائر فادحة، سواء على الصعيد البشري، والعسكري، والاقتصادي.
ترحيب إسرائيلي بقيام كونفدرالية "ثلاثية" مع الأردن
معاريف: حدثان سيغيران الوضع الإيجابي لإسرائيل.. ما هما؟
البقاء للأقوى.. هكذا ينظر سفير أمريكا بإسرائيل للشرق الأوسط