قضايا وآراء

ضحايا التنسيق الأمني والبيولوجيا.. منظمة التحرير والمصالحة

1300x600

رغم حديث رئيس السلطة الفلسطينية عن تعاون أمني وثيق مع الكيان الإسرائيلي ورغم كشفه عن وفود أمنية تزور واشنطن وتعقد اجتماعات مع مسؤولي وكالة الاستخبارت الأمريكية ( CIA)؛ إلا أن ذلك لم يكن كافيا لوقف الحملة الأمريكية على السلطة الفلسطينية في رام الله؛ بالإعلان عن وقف المساعدات الاقتصادية المقدرة بـ 200 مليون دولار بعد أن أوقفت دعمها بالكامل للأونروا؛ ثم أوقفت المساعدات المقدرة بـ 20 مليون دولار مقدمة من مؤسسات أهلية أمريكية إلى المستشفيات والجمعيات الخيرية في الضفة الغربية.

اختتمت هذه الإجراءات مؤخرا بالإعلان عن إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن؛ إعلان ترافق مع عقوبات هدّد فيها بولتون محكمة الجنايات الدولية وقضاتها في حال النظر في انتهاكات الكيان الإسرائيلي أو الانتهاكات الأمريكية في أفغانستان.

أسئلة الجدوى

حقائق تدفع للتساؤل بعد هذا كله؛ ما قيمة التنسيق الأمني والتفاخر بالعلاقة التي تجمع السلطة وأجهزتها بالشاباك والأجهزة الأمنية الأمريكية؟ سياسة لم تشفع لمنظمة التحرير الممثلة برئيسها محمود عباس الذي تفاخر بالتنسيق مع الشاباك والـ(CIA)؛ سياسة لم توقف الحملة على الفلسطينيبن لا من قوات الاحتلال التي تستهدفهم بالقنص والاغتيال والأسر؛ ولا من الولايات المتحدة التي تضيق الخناق عليهم سياسيا وأمنيا واقتصاديا، وتدفع بقوة نحو انهيار في منظومة الخدمات الإنسانية التعليمية والصحية.
 
تنسيق لم يوقف جهود ملاحقة مجرمي الحرب عبر الجنائية الدولية؛ لم يحم طفلا يسير في الشارع من قطعان المستوطنين؛ لم يوقف إجراءات سلب الأراضي ومصادرتها؛ لم يمنع استهداف أمريكا للمؤسسات الصحية والتعليمية؛ ولم يوقف الانتهاكات اليومية للمسجد الاقصى؛ ما فائدته وما فائدة التفاخر به؟

تنسيق غير مبرّر

تنسيق لم يعد بالإمكان تبريره مهما بلغت مهارة الساسة؛ فلا مبررات له فلسفيا ولا فكريا ولا عمليا أو سياسيا ولا قانونيا؛ فالتنسيق مع مجرمي الحرب والخارجين عن القانون الدولي يجعل منه جريمة بحد ذاتها؛ تقوض أمن الفلسطينيين وتنزع الثقة من قلوبهم؛ وتمنع إصلاح مؤسساتهم أو تحقيق المصالحة بينهم.

السلطة في رام الله ضحت بالمصالحة على مذبح التنسيق الأمني وعمّقت الانقسام الفلسطيني مع علمها بأن نزع سلاح المقاومة يصب في مصلحة الكيان الإسرائيلي؛ إذ تعلم أن توليها للمهام الأمنية في قطاع غزة في ظل وجود التنسيق يعني توقيع صك استسلام الفلسطينين للكيان بامتداد الإجراءات القمعية من الضفة الغربية إلى قطاع غزة لتطال الفلسطينيين أطفالا ونساء وشيوخا ومملتكات، وهو ما يحدث في الضفة الغربية في كل يوم وساعة ولحظة .

ماذا بقي للسلطة للمراهنة في دفاعها عن التنسيق الأمني الذي تنكر وجوده أحيانا في حين يعايشه الفلسطينيون في المدن والقرى؟ فإذا كان من شروط السلطة توحيد السلاح تحت الشرعية فإن الشرط الحقيقي وغير المعلن للمصالحة هو وقف التنسيق الأمني وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية لتناسب احتياجات الفلسطينيين ومصالحهم لا احتياجات الكيان والمستوطنين.

خطاب السلطة في رام الله يظهر صلابة في ما يتعلق بالقدس والأونروا وصفقة القرن، ولكن ذلك كله تقوضه سياسة التنسيق الأمني؛ إذ تقف عائقا أمام تطوير منظمة التحرير وإصلاحها وأمام المصالحة وتحقيقها؛ تنسيق لم يقدم الحماية لمؤسسة تحتكرها قيادة السلطة في رام الله ؛ مفقدا الفلسطينيين الثقة بالسلطة وقياداتها؛ فمنظمة التحرير باتت ضحية التنسيق الأمني؛ وضحية البيولوجيا والشيخوخة، إذ سرعان ما سيتنازعها قادة التنسيق على التركة الأمنية والسياسية؛ فكيف الحال بغيرها من المؤسسات؛ وكيف الحال بالمصالحة الفلسطينية التي باتت رهينة الخوف من فشل سلطة رام في تخطي حاجز الإصلاح والشيخوخة لمؤسساتها!

المشروع الوطني

 
التنسيق الأمني معضلة وعلى السلطة في رام الله أن تعالجها؛ ثغرة عزلتها وأفقدت الثقة في خطابها السياسي سواء في الداخل أو الخارج؛ إذ لا يمكن الاستمرار في الدفاع عن السلطة ورموزها ما دامت تنسق أمنيا حتى من قبل مريديها؛ علما بأن أزمة القيادة الحالية باتت عميقة والاستحقاقات البيولوجية لا زالت حاضرة ولم تغب أبد؛ استحقاق سيقلب المعادلات عاجلا أم آجلا، فالتسويف في المصالحة وإصلاح منظمة التحرير لن يخفي كارثة التنسيق الأمني أو يوقف عقارب الساعة البيولوجية.
 
مسألة.. الأجدى أن تدفع قادة السلطة في رام الله إلى المسارعة نحو المصالحة وإصلاح منظمة التحرير التي تعاني من الشيخوخة والهرم؛ فالمشروع الوطني الفلسطيني لن يبقى رهينة للبيولوجيا ولا للتنسيق الأمني طويلا وسيتجاوزها كما تجاوز غيرها من التحديات تاركا وراءه المتخلفين عن مواكبة حركة الشارع والتاريخ.