تشهد وزارتي الصحة والأوقاف بمصر حالة استنفار لتنفيذ خطة النظام العسكري الحاكم المدعومة من (البنك الدولي) لتقليل الإنجاب وخفض معدل الزيادة السكانية بمصر.
ويسعى النظام لدفع الفقراء وأهالي الصعيد والريف لتقليل معدل الإنجاب الذي يبلغ (3.5 طفل لكل سيدة) أو (35 مولودا لكل 10 سيدات)، ليكون (2.1 مولودا)؛ بحجة التهام الزيادة السكانية لموارد الدولة وخطط التنمية.
وحسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في 2018، فإن عدد السكان زاد في 15 سنة مضت ( 20.3 مليون نسمة)، وفي 7 سنوات، من 2011، زاد المصريون (11 مليون نسمة)، طبقا لوكالة "بلومبرغ الأميركية"، كما لامس عدد المصريين في كانون الثاني/يناير الماضي، (96.28 مليون نسمة)، بنحو 1.29 بالمئة من إجمالي سكان العالم، وبالمرتبة 14 عالميا.
وعلى الجانب الآخر، يعتقد رافضو هذا الاتجاه أن الحل هو التنمية لبلد بلغ مستوى الفقر بها (27.8 بالمئة)، وتعيش على (7 بالمئة) من مساحتها (70 ألف كيلومتر مربع)، ويرون أن الزيادة السكانية ميزة كبرى تفتقدها بلدان أوروبية حيث أن المصريين بسن العمل بين (15- 39 سنة) يمثلون (39.85 بالمئة) من السكان.
وتحديد النسل فكرة بدأها الرئيس جمال عبد الناصر، بستينيات القرن الماضي، وكان معدل الزيادة السكانية مليون نسمة سنويا وعدد السكان 25 مليونا، فيما لم ينتظر حسني مبارك طويلا وبدأ حملات تنظيم الأسرة عام 1984، بعد بداية حكمه بثلاثة أعوام.
اقرأ أيضا: هل تنجح حرب السيسي على الإنجاب بـ"كفاية2"؟
وعلى مدار عهد مبارك، ساهمت المعونة الأمريكية بالدعاية لتنظيم الأسرة، وقامت وزارة الإعلام بحملات موسعة وممتدة؛ فشلت بتحقيق أهدافها حتى سحبت واشنطن عام 2005 تمويلها لتلك الحملات.
ويسير السيسي على خطى أسلافه العسكريين؛ وفي بعض خطاباته دعا المصريين لتنظيم النسل، وفي تموز/يوليو 201، قال إن أكبر خطرين يواجهان مصر هما الإرهاب والزيادة السكانية، وفي أيلول/سبتمبر 2017، وأثناء زيارته للصين، قال إن الزيادة السكانية تقف عائقا أمام التنمية.
واستعانت وزيرة الصحة هالة زايد، بوزير الأوقاف محمد مختار جمعة، للتأثير على المصريين من خلال الدين واستخدام المساجد ودعاة الأوقاف وبخاصة واعظات الوزارة لإقناع النساء بتقليل الإنجاب، وأكدت أن هناك بروتوكول تعاون مع البنك الدولىي لدعم مشروع "تنمية مصر.. طفلين وبس".
وبدورة "التوعية السكانية وتنظيم الأسرة" بمسجد النور بالعباسية؛ الأربعاء الماضي، كرر وزير الأوقاف وصف السيسي للزيادة السكانية بأنها الخطر الثاني بعد الإرهاب، وأعلن أمام جمع من الدعاة والواعظات بدء حملة تنظيم النسل عبر المساجد الجمعة المقبل، بعنوان: "الضوابط الشرعية للإنجاب وحق الطفل بالرعاية".
وقال إن "تنظيم النسل تجاوز القول بحِله إلى ضرورته، وتجاوزنا مرحلة الحلال لمرحلة الضرورة، ولا مفر منه، والمصلحة الوطنية تقتضيه ولا حرج شرعا"، مضيفا أن الإسلام أجاز العزل، والأولى الاستعانة بالوسائل الطبية.
اقرأ أيضا: بعد تحذير السيسي.. مشروع قانون يحدد عدد الأطفال للأسرة
وكان جمعة، قد كلف مدير إدارة المساجد عثمان البسطويسي، الشهر الماضي، بإعداد خطة لقوافل التوعية بالقضية السكانية، وخطة للتثقيف عبر 100 ندوة كمرحلة أولى.
الأوقاف عبء على الدعاة
وفي تعليقه على دور وزارة الأوقاف بتحديد النسل، قال الأستاذ بجامعة الأزهر الدكتور ياسر محمد، إن "وزارة الأوقاف لا تقوم بدورها المنوط بها، وهي أداة تنفذ لما يُطلب منها، بل أصبحت عبئا على الدعاة المخلصين وعلى العمل للإسلام".
الأستاذ المساعد بجامعة السلطان الشريف علي الإسلامية، بماليزيا، أشار لـ"عربي21"، إلى "تطاول بعض المنتسبين للأوقاف وتشويه أحكام الإسلام والتلاعب بالآيات والأحاديث".
وأكد أن القائمين على الأوقاف "يريدون الشعب أن يطيع فقط ويفعل ما يطلب منه، وفي نفس الوقت يطلبون منه عدم المطالبة بالحقوق والحريات الأساسية"، مضيفا "ولذلك لا نستغرب على ما يفعلون أو ما يقولون".
خداع الرأي العام
من جانبها، قالت الكاتبة المهتمة بشئون الأسرة والمجتمع، فاطمة عبدالرؤوف، "تبدو قضية الصحة الإنجابية كواحدة من القضايا التي يتم فيها خداع الرأي العام بدءا من اعتبار زيادة النسل ثاني أكبر مشكلة تواجهها البلاد بعد الإرهاب"، مشيرة إلى أن "هناك إصرار على التعامل مع الزيادة السكانية بطريقة تقليدية كبلاعة للنمو الاقتصادي منذ أيام مبارك، ويتم تحميلها الضريبة الكاملة لفشل السياسة الاقتصادية، ويبدو الشعب عدو نفسه بجهله وإصراره على إفشال خطط الحكومة لتحديد النسل".
عبدالرؤوف، أكدت لـ"عربي21"، أن "أكثر الاستراتيجيات التي يتم بها التدليس على الشعب بهذا الملف هو بروتوكول التعاون بين الصحة والأوقاف لإقناع المصريين بتحديد النسل، فبينما يتم التوجه بالخطاب للمصريين بلغة دينية تتحدث عن التباعد بين الولادات لحماية الأم والطفل، ومن ثم، فإن تنظيم النسل بهذه المنهجية أمر جائز ومشروع إن لم يكن مستحب وواجب" .
وأضافت: "يتم استخدام الخطاب الديني بطريقة برغماتية بحتة؛ كونه أحد مفاتيح التأثير على المصريين وليس لأن وزارة الصحة تسير على هدى هذا الخطاب"، موضحة أن "الصحة منسحقة انسحاقا كاملا، وجميع المقررات الأممية المطالبة بشكل قاطع بتحديد النسل ببلادنا".
اقرأ أيضا: تصريح جديد لوزيرة الصحة المصرية حول خطة جديدة لتحديد النسل
وقالت، "وفي هذا السياق، يمكننا قراءة ملايين المعونة الأمريكية، ويمكننا فهم التناقض بين مفهوم تنظيم النسل الذي تروج له الأوقاف وبين مبادرة (كفاية 2) التي تحدد العدد المستهدف للإنجاب بتحد صارخ للخطاب الديني الذي تروجه الأوقاف".
وأضافت: "الأمر يبدو أكثر خطورة وجدية بظل المناخ السياسي السائد، لأن الحكومات السابقة كانت تسعى لإقناع المصريين بضرورة تحديد النسل بالخطاب الديني والإعلامي والمناهج التعليمية مع ترك مساحة ولو محدودة للخلاف والحوار المجتمعي؛ بينما تبدو الإستراتيجية الجديدة القائمة على العقاب بدءا من حرمان الطفل الثالث من الدعم والتعليم المجاني حتى فرض عقوبات وغرامات مالية، والحديث عن الرخصة الإنجابية ونحو ذلك من أفكار قمعية حتى لا يكون لدى المصريين مساحة للاختيار بين الاقتناع القهري المغلف بالغلاف الديني وبين الوقوع ببراثن العقوبات".