صحافة دولية

واشنطن بوست: بعيدا عن العنف المرعب هذا ما خلفته حرب اليمن

واشنطن بوست: عمقت الحرب الانقسامات والكراهية بين اليمنيين- جيتي

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا لمدير مكتبها في إسطنبول ومراسلها لشؤون الشرق الأوسط كريم فهيم، يبدأه بوصف لمخيم للنازحين اليمنيين في أرض جافة، بالقرب من تلة جرداء، حيث لا شيء يساعد اللاجئ على نسيان الحرب والقتل.

 

ويقول الكاتب: "لقد مرت ثلاث سنوات على مقتل والد عزام شليف على يد الحوثيين، لكن الذكرى لا تزال تغضبه وكأنها حصلت حديثا، واختطف والده، الذي كان يعمل أستاذا، من أمام بيته، بالإضافة إلى أنه كانت هناك مفاوضات طويلة ومزعجة لاستعادة الجثمان، وكان الأمر لا يكاد يصدق عند استعادته، حيث كانت الجثة قد مثل بها لدرجة يصعب معها التعرف عليه". 

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه بعد أن انتهى الأمر بشليف، وحل في مخيم في منطقة تسيطر عليها الحكومة، فهو يتحدث الآن عن المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون على أنها مناطق "عدوة"، وهو تصنيف يشمل بلدته، وحتى أقاربه الذين انضموا للحوثيين، وقال عندما سئل عن كيف يتوقع أن تنتهي الحرب: "العدو لا يفهم معنى كلمة حوار.. لدينا عدو لا يريد أي حل".

 

وتعلق الصحيفة قائلة أن "مثل هذه المخيمات تجمعت في منطقة مأرب، التي تعد جيبا لنوع من الاستقرار، واستقبلت عشرات آلاف النازحين الفارين من جبهات من جميع أنحاء اليمن، خلال أكثر من ثلاث سنوات من الحرب الأهلية".

ويجد فهيم أن "هذه الحرب تميزت بالعنف الذي مارسه المتقاتلون ضد المدنيين، وبالأزمة الإنسانية، التي قيل إنها الأشد في العالم، وفيها الظلال المظلمة لحرب بالوكالة بين السعودية وايران، وتسببت بالذعر في العواصم الأجنبية، بما في ذلك واشنطن، حيث شجب عدد من أعضاء الكونغرس الأسبوع الماضي مشاركة إدارة ترامب في هذا الصراع الطاحن، بتقديم المساعدات العسكرية والاستخباراتية للتحالف الذي تقوده السعودية في حربها ضد الحوثيين".

 

ويلفت التقرير إلى أن الضغوط على المجتمع اليمني كانت أقل وضوحا، حيث أن الانقسامات والكراهية تعمقت لدرجة ستجعل من الصعب أن يعيش الناس معا حتى لو توقفت الحرب.

 

وتذكر الصحيفة أن القوات السعودية قامت بترتيب رحلة لمأرب هذا الشهر للصحافيين؛ أملا في أن تبرز هذه الرحلة الجهود التي تبذلها السعودية لتقديم المساعدات العينية والمالية لليمن، بالإضافة إلى أن الهدف من الرحلة كان التخفيف من حدة الانتقادات التي تحمل التحالف الذي تقوده السعودية المسؤولية عن المأساة الإنسانية في اليمن؛ بسبب فرضها للحصار الجوي والبري والبحري.

 

ويقول الكاتب إن المدن اليمنية عانت من الدمار من الطائرات السعودية، ومن القصف الحوثي، مستدركا بأن مدينة مأرب تشهد حركة بناء، وهناك كهرباء دائمة، ووقود متوفر، والمطاعم مفتوحة، وفصول الجامعة المحلية مليئة بالطلاب، وفيها مستشفى تتوفر فيه المستلزمات هو واحد من عدد قليل من المستشفيات القادرة على العمل في البلاد.

 

وينقل التقرير عن نائب المحافظ عبد ربه مفتاح، قوله إن مأرب استفادت من اليمنيين، وبينهم أصحاب الأعمال الذين جاءوا بالأفواج للمدينة واستثمروا فيها، ووجد النازحون فيها عملا في البناء، وكلا الطرفين يشعران بأنهما جزء من المدينة.

 

وتستدرك الصحيفة بأن الهدوء قد يكون خادعا، حيث لا تزال تسقط الصواريخ على المدينة من خطوط التماس على بعد عدة عشرات من الأميال، فوقع هجوم حوثي مؤخرا، دمر شاحنة على الطريق السريع على أطراف المدينة، مشيرة إلى أن الضغط على النازحين كبير، من افتراق مؤلم عن العائلة، وبعد عن البيت، والعداوة التي تطورت ليمنيين آخرين في الجانب الآخر من الصراع. 

وينوه فهيم إلى أن عمران عمار شاب ذو وجه طفولي، يقف حارسا على موقع في رأس جبل يشرف على أراض يسيطر عليها الحوثيون، قال إنه يقف في المكان ذاته منذ حوالي عامين عندما كان يبلغ 18 عاما، واستطاع أن يزور أهله الذين يعيشون في مناطق يسيطر عليها الحوثيون عدة مرات منذ أن بدأت الحرب، لكنه سعيد في عمله، وعرض على الصحافيين أن يريهم جثثا متحللة لمقاتلين حوثيين.

 

وبحسب التقرير، فإن عمار يأتي من عائلة من المزارعين، انضموا جميعا لجانب الحكومة، ويرى أن واجبه هو "الدفاع عن الدين والعرض" ضد الحوثيين، ويقول إنه لهذا "مستعد لقتل أي شخص .. حتى أخي".

وتورد الصحيفة نقلا عن بدر شريف، البالغ من العمر 30 عاما، وكان يقف قريبا في الوقت الذي كان فيه الجندي يتحدث، قوله: "نشعر بالألم، ولا نريد أن نكون في هذا الوضع، لكن ماذا يمكننا أن نفعل؟"، وكان شريف يدرس إدارة النفط والغاز في الخارج قبل الحرب، ويرافق الآن أخاه المسؤول في زياراته للجبهات.

ويفيد الكاتب بأن صنعاء، التي تقع على مسافة من مأرب، لا تزال تحت حكم الحوثيين، وهي هدف عسكري لهؤلاء الرجال، وهو ما يلوح بشبح مدينة مدمرة أخرى، ويقول شريف: "لا نريد أن ندمر صنعاء، فالكثير من الناس يعانون". 

وتشير الصحيفة إلى أن هناك تعبيرا متكررا في مأرب لشكر الحكومة السعودية، التي كانت مصدرا للمساعدات المالية للمحافظة وقبائلها، حيث قال أحمد الضباع، وهو عضو فصيل إسلامي معاد للحوثيين، وكان يجلس في خيمة فارغة في معسكر ممول سعوديا: "إنهم الوحيدون الذين ساعدونا".

 

ويقول فهيم إنه "كانت هناك دعوات للوحدة أيضا، لكنها كانت عابرة، فكان الناس يحبون القول (كلنا يمنيون) قبل الإصرار على أن الحوثيين (حيوانات) يعدون أعداءهم الإرهابيين".

ويذهب التقرير إلى أن "الكثيرين استنتجوا أنه أصبح لا مفر من تقسيم اليمن إلى ولايات فيدرالية، وربما يكون ذلك هو الأفضل لحل الخلافات، وفي جنوب اليمن هناك دعوات انفصالية عن حكام الشمال المتهمين بعقود من القمع والإهمال, وكان شمال اليمن وجنوبه دولتين منفصلتين حتى عام 1990، وبعد ذلك بأربع سنوات كانت هناك حرب أهلية قصيرة بينهما".

 

وترى الصحيفة أنه "حتى الانقسام يحتاج نوعا من الاتفاق الوطني، وعلى مدى الثلاث سنوات الماضية كانت هناك قائمة يزيد طولها مما ينظر إليها على أنها أخطاء من هذا الطرف أو ذاك، وهو ما يجعل التوصل إلى اتفاق أمرا أصعب بكثير من ذي قبل".

 

ويبين الكاتب أن "أكثر ما يخشى منه هو أن تتجذر الطائفية بين السنة والشيعة في اليمن كما حصل في العراق، وهو الأمر غير المعهود في اليمن، لكن قد تؤثر الطبيعة الطائفية للصراع بين السعودية وإيران على الوضع، حيث تدعم السعودية القيادات السنية، في الوقت الذي تدعم فيه إيران الحوثيين الشيعة".

وبحسب التقرير، فإن هذا التخوف يزيد مع كل غارة جوية وكل سيارة مفخخة وكل اختطاف، لافتا إلى أنه بالقرب من الخط الأمامي على الطريق إلى صنعاء فإن أحدهم كتب على سفح جبل "لا للطائفية"، ربما ليذكر الجنود المتحفزين للحرب.

وتنقل الصحيفة عن أستاذ اللغة الإنجليزية في الجامعة المحلية محمد الصبري، وهو من مدينة تعز في غرب اليمن، قوله: "عندما يأخذ القتال بعدا دينيا فإنه لا يمكن التوصل إلى حل"، مشيرة إلى أنه شجع مؤخرا طلابه على مناقشة الصراع، حيث يقول إن طلابه "قلقون بشأن أقاربهم.. وقلقون بشأن البلدات والقرى التي قدموا منها". 

 

ويذكر فهيم أن الصبري يدرس طلابه رواية جورج أورويل "أنيمال فارم"، و"هي رواية رمزية تغطي الأحداث التي أدت إلى الثورة الروسية عام 1917، وحقبة ستالين والاتحاد السوفييتي"، وقال إن الرواية وجدت صدى لدى الطلاب، الذين تعبوا من فشل السياسيين اليمنيين، والذين يعيش الكثير منهم في فلل خارج البلاد، وقال: "يقول هذا الطرف إنه يقاتل لأجلنا، ثم يقول الطرف الآخر إنه يقاتل لأجلنا". 

 

وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أن بعض طلاب الصبري فقدوا الأمل، فيقول محمد محسن (24 عاما): "لقد بدلوا أحلامنا، ودُمر كل شيء.. لا شيء كما كان.. ولم تكن هناك فائدة من هذه الحرب".