قضايا وآراء

العالم الجديد (1)

1300x600
عادت نظرية حكم الفرد والهيمنة والسيطرة لتطل برأسها على العالم من جديد، هذه المرة ليست من دول اعتادت على حكم الفرد والنظام الشمولي، ولا من دول حديثة عهد بالديمقراطية، بل من دول كبرى أصبحت ترى أن حكم الشعوب أصبح شيئا من الماضي.

لن أطيل عليك عزيزي القارئ، وسأفصح لك عما يدور في خلدي وأنا أقرأ وأتابع ما يجري من سجال بين المحقق الأمريكي الخاص مولر، والمكلف بملف التجسس الروسي على أمريكا واحتمالية تدخل الروس وعبثهم بالانتخابات الرئاسية التي تمت نهاية عام 2016، وفاز فيها دونالد ترامب.

ففي أثناء التحقيقات، ظهرت ملامح إدارة ترامب للبييت الأبيض ولمصالحه، هو وأبناؤه وصهره جاريد كوشنر، رجل الأعمال اليهودي الشاب الذي يدير ثروات عائلته بعد أن اتهم والده وتم حبسه في قضية التهرب الضريبي وشهادة الزور والتبرع غير القانوني لحملة انتخابية.

ترك ترامب الحبل على الغارب لصهره لكي يستغل منصبه كمستشار بالبيت الأبيض. ولأنه (أي كوشنر) كان في وضع مالي صعب نتيجة فشله في الحصول على تمويل لشراء أكبر مبنى في عموم أمريكا، والتي تصل استثماراته إلى ما يزيد عن المليار وأربعمائة مليون دولار. فقد استغل وجوده في البيت الأبيض للضغط على قطر وابتزازها، وحين رفضت كان لا بد من عقابها وتسليط جيران السوء عليها، لدرجة تهديدهم بغزوها. كل ذلك يتم بمباركة من ترامب نفسه ومعارضة من وزير خارجيته تيلرسون الذي رفض الصمت عن هذه الصفقة القذرة، والتي لا تقل قذارة عن صفقة القرن التي يروج لها السيسي وابن سلمان وابن زايد، وهم نفس الأشخاص الداعمين لصفقة القرن، وكأن غزو قطر كان جزءا لازما وضروريا وسابقا على بيع فلسطين.

الإعلام الأمريكي تحرك ونبش في الأوراق، وتأكد من أن خطة غزو قطر كانت تجري على قدم وساق بين محمد بن زايد وجاريد كوشنر، ووسطاء آخرين من بينهم أمريكي من أصل لبناني، هو جورج نادر الذي كما ذكرت الصحف الأمريكية أنه كان وسيطا بين ابن زايد وترامب وجاريد كوشنر، وأنه من المحتمل (كما تسرب من تحقيقات روبرت مولر) أن يكون ابن زايد قد ساهم في تمويل حملة ترامب الانتخابية. ليس هذا، فحسب بل إن صحفا أمريكية، كواشنطن بوست ونيويورك تايمز، قد تحدثت عن أنه، وعن طريق جورج نادر، تم التواصل مع إليوت برويدي، رجل الأعمال والاستثمارات الأمريكي ورئيس شركة أمنية خاصة تعاقدت معها الإمارات بمئات الملايين من الدولارات، والذي قام بدوره بطلب عقد اجتماع غير رسمي بين ابن زايد وترامب، واعترض عليه رئيس موظفي البيت الأبيض الجنرال جون كيلي. وبرودي نفسه هو من قام بتسليم ترامب نص ما يجب أن يقوله في أعقاب حصار دول الشر لقطر، ونصحه أيضا بإقالة وزير خارجيته تيلرسون لأنه يقف حجر عثرة في وجه تنفيذ الغزو.

السؤال: لماذا قامت الإمارات بالتعاقد مع شركة إليوت برودي، وهو بالمناسبة يهودي جمهوري متعصب؟

الإجابة هي أن الإمارات قامت بالتعاقد مع شركة برودي الأمنية الخاصة من أجل تجهيز قوات خاصة جدا، تحت شعار مكافحة الإرهاب، وفقا لما جاء في قمة الرياض، ولكن الغرض الحقيقي هو قيام هذه القوات باقتحام قطر بعد عمل غطاء جوي إماراتي وعملية مخابراتية لغزو قطر، في حزيران/ يونيو الماضي. وكادت العملية أن تحدث؛ لولا اعتراض بريطانيا والكويت ووزير خارجية أمريكا تيلرسون، وتدخل القوات التركية التي حملت ليلا إلى الدوحة لتحول دون وقوع الغزو.

ما خفي ليس هو أن الإمارات رتبت، عبر برودي وكوشنر، لقاءات في جزيرة سشيل بين ممثلين للرئيس الروسي بوتين وبين ممثلين عن ترامب، وما نشر هو أن رئيس الاستخبارات الإماراتية طحنون بن زايد هو من قام بترتيب اللقاء.

إلى هذا الحد يمكن أن تخترق دولة الإمارات مؤسسة السلطة في أمريكا؟ نعم وهذا ما يجعلني أصدق أن روسيا قامت باختراق النظم في الانتخابات الأمريكية، وعبثت بها بعلم وترتيب من ترامب نفسه. وربما تكشف الأيام المقبلة عن صحة هذا الافتراض.

والسؤال الأهم: كيف تحولت دولة عظمى بحجم أمريكا إلى عزبة تشبه في إدارتها عزبة الرياض أو عزبة أبو ظبي، والقاهرة مؤخرا؟

هذا التحول الهائل في إدارة شؤون القوة العظمى الأولى في العالم؛ ألا يشي بشيء عن سوء المستقبل؟

إدا كان هذا ما يحدث في أمريكا، فماذا عن بقية دول العالم؟

وهل دخل العالم مرحلة جديدة من مراحل إدارة الحكم؟

نكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله.