كتاب عربي 21

معضلة أحمد شفيق!

1300x600

هل يكفي ظهور الفريق أحمد شفيق في أحد الأفراح؛ لنفي كونه رهن الإقامة الجبرية منذ عودته من الخارج، مشحوناً إلى مصر على غير إرادته؟!

وهل يكفي هذا الظهور للتمهيد لإجراء آخر، هو أن يعلن أحمد شفيق بنفسه تراجعه عن خوض الانتخابات الرئاسية، وحث مؤيديه على إعادة انتخاب عبد الفتاح السيسي باعتباره "ابن المرحلة".. فلا ينظر الرأي العام إلى هذا الإعلان على أنه نتيجة ضغوط مورست عليه وهو رهن الإقامة الجبرية، فقد شاهده الرأي العام في أحد الأفراح، على نحو ينفي أن هذا الإعلان وليد إكراه؟!

 

قائد الانقلاب العسكري في مصر، استشعر الحرج، من كثافة الدعاية التي تقول أن المرشح الرئاسي المحتمل، تم اختطافه من الإمارات إلى مصر


من المؤكد أن قائد الانقلاب العسكري في مصر، استشعر الحرج، من كثافة الدعاية التي تقول أن المرشح الرئاسي المحتمل، تم اختطافه من الإمارات إلى مصر، وأنه ليس حراً تماماً في القاهرة، وهو حرج من الدوائر الغربية، وهي تراه ينكل بكل مرشح محتمل. صحيح أنه لا يزال "فرخة بكشك"، لدى كثير من القادة الغربيين، وقد حولهم إلى مندوبي مبيعات لدى الشركات الكبرى، وسماسرة سلاح كما في حالة الرئيس الفرنسي، في انتظار العمولة من الصفقات التي تبرم معه، لكن هؤلاء القادة لا يعملون في الفراغ، فعندهم معارضة، قد تستغل هذا الانحياز إلى طاغية القاهرة، في المعارك الانتخابية، وهي معارك تكسير عظام هناك ولا تعرف الرحمة!

ومن هنا، كان لا بد من ظهور المرشح الرئاسي القوي، وهو حر طليق، لنفي الاتهام باحتجازه. وقد شاهدنا كيف أن "وائل الإبراشي"، من خلال برنامجه التلفزيوني، عرض لقطات من وجود شفيق في فرح كريمة صديق له، وعزف على نغمة الرد على مرددي الشائعات باحتجاز الفريق أحمد شفيق. ولعل اختيار "وائل" بالذات لتقديم هذه "الوصلة" ما يؤكد أنه الاختيار الخاطئ؛ الذي يؤكد ما استقر عليه الفقه الجنائي، بأنه لا توجد جريمة مكتملة؛ فلا بد للجاني من أن يترك خلفه دليل الإدانة للإمساك به!

فالجنين في بطن أمه يعلم أنه سبق إيقاف "وائل الإبراشي" عن التقديم التلفزيوني، بسبب استقباله مداخلة من أحمد شفيق، حول موقفه من صفقة "تيران وصنافير"، والتي مثلت اتهاماً لقائد الانقلاب العسكري بالتفريط في التراب الوطني. وظل "الإبراشي" ممنوعاً من الظهور التلفزيوني لعدة أسابيع، حتى قبلت الآلهة اعتذاره، ونُشر على نطاق واسع بأن هذه المداخلة هي السبب في وقفه عن العمل بقرار رئاسي، فلم ينف هذا، كما لم تنفه أي جهة رسمية!

وعندما يأتي "وائل" بالذات، فيعرض فيديو لحضور شفيق أحد الأفراح، فإن الأمر لا بد أن يكون قد تم بتوجيه من القصر الرئاسي. فلم يفلح ظهور سابق للفريق في نفي الاتهام بأنه محتجز وليس حراً طليقاً، بل أكد هذا الظهور السابق على أنه محاط بمن يعدون عليه أنفاسه!

 

الحديث عن أن الفريق أحمد شفيق ليس حر الحركة، أمر تؤكده القرائن التي ترتقي لمرتبة الدليل

فقد تم بث صور له في نادي هليوبيس؛ واحدة وهو يتحرك ويحيط به بعض الأشخاص، ولما فسر البعض بأن هؤلاء من العناصر المكلفة بمراقبته، تم بث صورة أخرى كانت دليلاً أقوى بأنه يقضي فترة المراقبة الاجبارية، فقد كان جالساً وعن اليمين وعن اليسار قعيد، بمن هم أقرب للالتصاق به، حتى لا يعطوه فرصة للتنفس.. وحتى صورته مع قيادات حزبه، لم توح أنه حر طليق، مع اختفاء المخبرين الرسميين. وربما كان القرار بتسجيل الجلسة كاملة، لا سيما وأن الزائرين قد تأخروا عن ذلك، فلا يعقل أن يكون زعيم الحزب خارج مصر منذ خمس سنوات، فلا تكون قيادات حزبه في انتظاره بالمطار، أو في مقر إقامته في اليوم التالي، وينتظرون لأسبوعين حتى يزورونه!

الحديث عن أن الفريق أحمد شفيق ليس حر الحركة، أمر تؤكده القرائن التي ترتقي لمرتبة الدليل. فالرجل كان قد قرر أن يغادر الإمارات إلى باريس، لكن تم ترحيله بدون سابق إنذار إلى القاهرة، ومن المطار تم اصطحابه إلى فندق الماريوت القريب من منزله، بدون طلب منه، بحجة أن منزله ليس معداً لاستقباله، وهو ما يؤكد واقعة الاختطاف الإماراتي. فالمنزل يحتاج إلى تنظيف، وهو لم يقم بترتيب بديل للاقامة إلى حين الانتهاء من ذلك!

ورغم ما تردد عن أنه انتقل إلى بيته، فالشاهد أن هذا لم يحدث، بل لم يذهب بنفسه ليعاين عملية تجهيزه، على نحو يؤكد أن من يقوم على هذا جهة أمنية، ربما لم تفرغ بعد من مهمة وضع الكاميرات في المنزل. فانتقاله إلى هناك لا يعني انتهاء مرحلة التحفظ والإقامة الجبرية، بل يعني أننا اقتربنا من حالة الرئيس محمد نجيب، الذي مكث أكثر من عشرين سنة متحفظاً عليه في منزله بالمرج!

وهناك وقائع أخرى تؤكد أن عملية التحفظ لا تزال سارية. فقد ذكر مراسل وكالة "رويترز" بالقاهرة، أنه شاهد المرشح الرئاسي المحتمل في بهو فندق "الماريوت"، ويحيط به شخصان، وعندما اقترب منه مصافحاً قاما بحمله وإلقائه خارج الفندق، هذا فضلاً عن أن "حازم عبد العظيم" المقرب من الفريق شفيق، قال إنه ذهب إلى الفندق وأصر على مقابلته، بشكل يكشف أنه لم يسمح له في البداية بذلك، فمن صاحب سلطة المنع والموافقة؟!

وقبل هذا وبعده، فإن بنات الفريق أحمد شفيق محتجزات كرهائن في الإمارات إلى الآن، من أجل حمله على التراجع عن قرار خوضه للانتخابات الرئاسية، دون إعلان مبرر لحرص الإمارات على ذلك، فلم يثبت أنهن يعملن هناك، وأن الكفيل يمتنع - مثلا - عن السماح لهن بمغادرة البلاد، بل إن بعودة الوالد إلى القاهرة، فقد سقط مبرر وجودهن قانوناً. وإذا كنا في حالة سعد الحريري، استمعنا إلى نكتة منه، عندما برر وجود بعض أفراد أسرته في الرياض بأنهم يدرسون هناك. فلم نسمع شيئاً من هذا القبيل من جانب أحد في حالة بنات أحمد شفيق، بل لم يبرره الفريق أحمد شفيق نفسه. وعلى كل، فقد التحق أبناء الحريري به بعد ضغوط فرنسية، وضاع عليهم العام الدراسي، في جامعة السوربون بالرياض، ذلك بأن دراستهم هناك هى نكتة الموسم!

 

الفريق شفيق يبدو أنه يخوض مع مختطفيه معركة الوقت، فأرادوا أن يكملوا المهمة بعيداً عن الضغوط الخاصة بأن يمارسوا معه الابتزاز، لإجباره على التنازل


لقد حرص أهل الحكم في القاهرة على نشر أخبار في صحف المولاة، عن بيان أصدره الفريق أحمد شفيق، يؤكد فيه تنازله عن الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، لمرشح الضرورة عبد الفتاح السيسي، ويدعو أنصاره إلى انتخابه. وبعد أن تبين أن الخبر كاذب، فالمؤكد أن هذا هو المطلوب منه، وأنه يناور معهم، لكنه ومع بيانه السابق حول أنه يدرس الموقف من الترشح، فإنه يبدو أنهم لم يحصلوا منه على تراجع كامل، يصلح لإذاعته، ولهذا فإنهم يواصلون الضغوط.


ومن بين هذه الضغوط؛ اعتقال ثلاثة من أنصاره، أحدهم كان يدير صفحته على "الفيسبوك"، ولم نسمع ما جرى معهم، وهل لا يزالون تحت الضغوط بهدف تكييف قضية لهم، أم عرضوا على جهات التحقيق، وقد يوجه لهم الاتهام بأنهم أعضاء في الجماعة الإرهابية. وهذا الاعتقال الذي وصفه الفريق في بيان له بـ"التحفظ"، يؤكد أنه لم يعطهم جواباً نهائياً بأنه تراجع عن قراره بالترشح!

ولأن الفريق شفيق يبدو أنه يخوض مع مختطفيه معركة الوقت، فأرادوا أن يكملوا المهمة بعيداً عن الضغوط الخاصة بأن يمارسوا معه الابتزاز، لإجباره على التنازل، فكان خروجه للمشاركة في أحد الأفراح تمهيداً للقول بأن التنازل تم طواعية!

وعلى ذكر اللواء محمد نجيب، أول رئيس جمهورية لمصر، فقد كان الرجل في فترة إقامته الجبرية، يحصل على إذن لتأدية بعض الواجبات الاجتماعية، كما ورد في مذكراته، فهذا الحضور لأحمد شفيق لا ينفي احتجازه، ولكن بالزفة التي نصبها "وائل الإبراشي" يؤكد أن الاحتجاج قائم ، وأن الرجل لا يزال يخضع للإقامة الجبرية!

قد يتراجع الفريق أحمد شفيق عن الترشح، لكن ينبغي أن يعرف العالم كله أن القرار اتخذ بالإكراه، وليس وليد إرادة حرة، كما يحاول نظام عبد الفتاح السيسي أن يقول!

العبوا غيرها.