نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا للمحاضر في الدراسات الأمنية في جامعة إكستر الدكتور عمر عاشور، حول هجوم مسجد الروضة في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر، الذي وصف بأنه أسوأ المذابح التاريخية في العصر الحديث.
ويعلق الكاتب قائلا إنه ذلك الهجوم كان في وقته هو الأسوأ في مصر، وحصل الهجومان وصعد معهما أقوى تمرد يمر على مصر تحت نظام يسيطر العسكر على مفاصله، تحت مبرر الأمن ومحاربة الإرهاب.
ويستدرك عاشور في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، قائلا إنه "بالرغم من ذلك، فإن مصر لا تزال تعاني من تمرد متوسط المستوى في شمالها الشرقي، وتمردين متدنيي المستوى في الصحراء الغربية ووادي النيل، تقوم به خمسة تنظيمات مسلحة، وهذا لا يتضمن التنظيمات النائمة ومقطوعة الرأس، بالإضافة للخلايا الصغيرة المتناثرة في أنحاء البلاد".
ويشير الكاتب إلى أن "نوعية الهجمات وكميتها تعد غير مسبوقة في تاريخ مصر، حيث استخدم المتمردون مزيجا من التكتيكات العسكرية وحرب العصابات وإرهاب المدن، الذي تميز بالاستمرار وإن لم يكن مكثفا، وكان على مساحة واسعة من الجغرافيا".
ويلفت عاشور إلى أن "الترسانة (التي تملكها تلك المجموعات) تتألف من قذائف الهاون المتوسطة (120مم) والخفيفة (60 مم)، وصواريخ أرض أرض موجهة وغير موجهة، ورشاشات مضادة للطائرات، ومدافع رشاشة، وبنادق للقناصين، وبنادق أوتوماتيكية، ومسدسات وعدة أنواع ومستويات من المتفجرات، ومن ناحية الكمية فإن مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية سجل 1165 عملية مسلحة بين عامي 2014 إلى 2016".
ويعلق الكاتب قائلا إنه "يمكن ترجمة هذه الأرقام إلى هجوم كل يوم على مدى ثلاث سنوات، أما قاعدة البيانات المتعلقة بولاية سيناء وحدها، فقد سجل فيها 800 هجوم بين عامي 2014 إلى 2016، وأكثر من 300 هجوم خلال الأشهر التسعة الأولى من 2017 فقط".
ويستدرك عاشور بأن "فتك تلك الهجمات هو أسوأ ما سجل عنها، وتم ارتكاب أسوأ هجومين إرهابيين في تاريخ مصر الحديث في ظل النظام الحالي: تفجير طائرة متروجيت الروسية (224 ضحية) وهجوم مسجد الروضة (305 ضحايا على الأقل)".
ويجد الكاتب أن "الهجوم الأخير كان أكثر فتكا بخمس مرات من أسوأ الهجمات التي ارتكبت تحت نظام الرئيس مبارك (57 ضحية في مذبحة الأقصر عام 1997)، وأفتك بتسع عشرة مرة من أسوأ هجوم في عهد مرسي (مقتل 16 جنديا في كرم أبو سالم في 2012)".
ويفيد عاشور بأنه " عالميا فإن الهجوم كان أكثر فتكا من الهجمات على المساجد، حيث الهجوم في بغداد في كانون الثاني/ يناير 2017 (52 ضحية)، وفي كابل في حزيران/ يونيو 2017 (150 ضحية)، وشمال شرق نيجيريا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 (50 ضحية). إنه ثاني أفتك هجوم لعام 2017 إلى الآن، بعد هجوم مقديشو شهر في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي (358 ضحية)".
وينوه الكاتب إلى أن "ما بين 25 و30 مسلحا هاجموا مسجد الروضة خلال صلاة الجمعة، حيث يقع المسجد في منطقة أقل اضطرابا من شمال شرق سيناء بالقرب من بئر العبد، وهو واحد من المساجد الأربعة الوحيدة المرتبطة بالصوفية في محافظة شمال سيناء، وعادة ما يحضر فيه ويخدمه أشخاص من عشيرة الجرير من قبيلة السواركة".
ويبين عاشور أن قبيلة السواركة هي القبيلة الأكبر في شمال سيناء، (وبعض قيادات ومقاتلي ولاية سيناء ينحدرون من تلك القبيلة)، ويظهر الهجوم تغيرا مهما في أهداف ولاية سيناء، فهذه هي المرة الأولى التي تقوم بها بمهاجمة الصوفيين بشكل عشوائي، وقبل تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 كانت الهجمات العشوائية محدودة ولها ثلاثة أهداف: الجيش وقوات الأمن والأقباط المسيحيون وإسرائيل".
ويقول الكاتب إن "ولاية سيناء تجنبت الاستهداف العشوائي لبعض القبائل التي ينحدر منها رجال المليشيات القبلية الموالية للنظام (مثل قبيلة الترابين)، وتظهر المعطيات التي تحتويها سجلات المؤلف قيام ولاية سيناء باغتيال 167 متهما بالتخابر خلال أول عام من نشاطها (تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 إلى تشرين الأول/ أكتوبر 2015)، و74 آخرين في العام الثاني (تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 إلى تشرين الأول/ أكتوبر 2016)".
ويشير عاشور إلى أن اختيار الأشخاص كان بصورة فردية، وفي معظم الحالات تجنبت ولاية سيناء عائلاتهم أو عشائرهم، لكن اختيار الهدف الجديد يظهر خطأ أمنيا كبيرا، تماما كما كان الحال بالنسبة للمجتمع القبطي في سيناء، حيث هددت ولاية سيناء وأعلنت أن القيادات والمساجد والمزارات الصوفية على قائمة أهدافها منذ منتصف عام 2016".
ويذكر الكاتب أن "مجلة (رومية) التابعة لما يسمى (الدولة الإسلامية) نشرت في كانون الثاني/ يناير 2017 مقابلة مع قائد الشرطة الأخلاقية في ولاية سيناء، الذي قام بدوره بتسمية مسجد وزاوية الروضة وعشيرة الجرير ووصفهم بالمنحرفين، ما يجعلهم أهدافا محتملة".
ويفيد عاشور بأن "ولاية سيناء نشرت فيديو دعائيا؛ للترويج للوهابية، ويحمل عنوان (نور الشريعة)، وأظهر الفيديو كيف حذر مقاتلو التنظيم الصوفيين، وكيف اختطفوا عشرات منهم وطلبوا منهم (التوبة)، وقاموا بقطع رؤوس شيوخ صوفيين معروفين في سيناء، وجعلوا من الواضح أن الصوفيين مستهدفين".
ويعلق الكاتب قائلا: "كان يتوقع أن تتم حراسة المساجد الثلاثة التي ذكر اسمها في مقابلة (رومية)، التي تم التحذير من أنه سيتم اجتثاثها، لكن هذا لم يحصل، ولو حصل فربما لم يكن ليمنع الهجوم بسبب عدد المهاجمين وحجم النيران وقلة الجنود، لكنه بالتأكيد كان سيقلل من عدد الضحايا".
ويبين عاشور أن "ذلك الهجوم هو إعادة لما حصل مع الأقباط المسيحيين، التهديدات ثم الهجمات بعد عام منها في شمال سيناء، فهناك خمس كنائس فقط في المحافظة، وفشل النظام في حمايتها، وليس ذلك فحسب، بل هجر الكثير من الأقباط الى الضفاف الغربية لقناة السويس".
ويلفت الكاتب إلى أن "الفشل المتكرر للجيش والأمن أدى إلى نشوء نظريات مؤامرة عديدة، حيث تقارن بعض قنوات المعارضة بعض الأمثلة التي وقعت في الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي، فكانت هناك اتهامات بأن وحدات عسكرية خاصة هي التي كانت تقوم بذبح القرويين، وفي حالات أخرى كان يرفض الجيش النظامي الدفاع عن المدنيين ضد المهاجمين".
ويذهب عاشور إلى أن "عمليات العامل المحرض والعلم الزائف ليست جديدة في مصر، ووقع أوضحها وأشهرها في آذار/ مارس 1954، عندما استهدفت 6 تفجيرات مطعم (غروبي) وجامعة القاهرة وغيرها من الأهداف المدنية".
ويوضح الكاتب أنه "تم اتهام الإخوان المسلمين والفصائل الشيوعية بتلك العمليات، لكن وزير الدفاع السابق عبد اللطيف البغدادي، كشف ارتكاب الشرطة العسكرية لتلك التفجيرات بعد عشر سنوات، وأيد شهادته خالد محيي الدين، وهو عضو آخر في حركة الضباط الأحرار والسفير السابق لمصر في سويسرا، والرئيس السابق لمصر اللواء محمد نجيب في مذكراته".
وينوه عاشور إلى أنه "كان هناك على الأقل تفجيران في تسعينيات القرن الماضي تحمل بصمات شبيهة، لكن لم يؤكد ذلك أي مسؤول كبير كما حدث في حالة الهجمات التي وقعت تحت علم زائف في الخمسينيات، إلا أن الفرق الرئيسي هو أن عدد الضحايا في تلك التفجيرات كان قليلا أو معدوما، وكانت مصممة لإرهاب الشعب ليخضع للحكومة، ولم يهدف منها ذبحهم، وهذا هو الفرق عن محن الجزائر، لكن إن كان هناك تلاعب في سيناء فإنه في الغالب سيشبه الصورة السابقة وليس ما حدث في مسجد الروضة".
ويقول الكاتب: "إن كان بالإمكان إلغاء احتمال عملية علم زائف، فإن هناك احتمال تحول الصراع في المستقبل القريب، حيث يتوقع أن يزيد المتحاربون ليشملوا أعضاء من قبيلة السواركة يقاتلون ضد ولاية سيناء، وربما المزيد من المواجهات بين ولاية سيناء وغيرها من التنظيمات المسلحة في سيناء، مثل جند الإسلام، التي هاجمت ولاية سيناء من قبل، وشجبت هجوم مسجد الروضة هي وكتائب الثورة (منظمة صغيرة تعمل في القاهرة والدلتا)".
ويضيف عاشور: "قد تؤدي هذه الخلافات إلى صورة شبيهة بما حصل في الجزائر (1996-1997) أو ما حصل في العراق (2006- 2008)، حيث حدد كل من الاقتتال الداخلي والتدخل الاجتماعي نهاية مرحلة من مراحل الصراع".
ويستدرك الكاتب بأن "الفرقين في حالة مصر هما أولا: الحرب ضد الإرهاب، والسياسات الاجتماعية السياسية للنظام المتصلبة والرجعية ولا تشبه تلك التي اتبعها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في 1999-2006 أو الجنرال بيترايوس عام 2007- 2008".
ويخلص عاشور إلى القول إن "الإشكالية الأكبر في مصر هي البيئة السياسية والاجتماعية، التي هي قمعية بما فيه الكفاية لخلق المزيد من الكوارث".
واشنطن بوست: كيف أصبحت قرية مصرية هدفا لتنظيم الدولة؟
هكذا كشف هجوم سيناء "أكذوبة مكافحة الإرهاب" في مصر
التايمز: كيف أصبح مسجد الروضة هدفا سهلا للإرهابيين؟