نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا أعده مدير برنامج الأمن والدفاع في معهد الشرق الأوسط في واشنطن بلال صعب، قال فيه إن على الولايات المتحدة ألا تسمح للسعودية بزعزعة استقرار لبنان.
ويقول صعب إن السعودية تحاول الحد من نفوذ إيران في مناطق عدة في الشرق الأوسط، والآن بعد هزيمتها في سوريا، وما تعانيه من مشكلات في اليمن، وسجل فيه مزيج من النجاح والفشل في العراق، فإن الرياض تحاول أن تجعل من لبنان الجبهة المقبلة مع طهران.
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "هدف السعودية الجديد هو حزب الله، المرتبط بعلاقات قوية مع إيران، وبسبب الدعم الإيراني، المالي والعسكري، فإن حزب الله تحول إلى قوة ضاربة في الحياة اللبنانية، وقوى من تأثيره على الحياة الأمنية وصناعة القرار السياسي، وعزز من قوة الردع ضد إسرائيل، وساهم في الدفاع عن نظام بشار الأسد في سوريا، وقدم الدعم للشيعة في اليمن والبحرين والعراق".
ويفيد صعب بأن "السعوديين يرون أن سيطرة حزب الله على السياسة في بيروت أمر غير مقبول؛ ولهذا السبب قرر السعوديون، وفي تخل عن السياسة الماضية مواجهته، وحملوا الحكومة في لبنان مسؤولية مغامرات الجماعة الإقليمية، بما في ذلك الحرب الدائرة في الحديقة الخلفية لليمن، حيث تزعم أن حزب الله قدم الدعم للمتمردين الحوثيين".
ويلفت الكاتب إلى "الإجراءات العقابية التي شنتها السعودية ضد لبنان، من خلال إجبار سعد الحريري في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر على الاستقالة أثناء وجوده في الرياض، ولم يكن السعوديون يعتقدون أن الحريري، الذي تحالف مع حزب الله العام الماضي؛ لضمان نجاته السياسية، قادر على تنفيذ السياسة السعودية المتشددة ضد الحزب، لهذا أجبروه على الاستقالة".
ويستدرك صعب بأن "إجراءات السعودية الانتقامية قد لا تتوقف عند هذا الحد، بل إنها قد تسحب أرصدتها من المصارف اللبنانية، وتجبر المواطنين اللبنانيين العاملين في أراضيها على الرحيل، وخطوات كهذه تؤثر في استقرار البلد المالي، وقد تفترض الرياض أن الأزمة الداخلية اللبنانية قد تجبر الحزب على توسيع مشاركته وتعميقها في معارك المنطقة".
ويرى الكاتب أن "السعوديين لديهم الأسباب كلها للقلق بشأن نشاطات حزب الله في لبنان واليمن ومناطق أخرى، ولا شك أن عدم تعرض الحزب للمحاسبة من الدولة اللبنانية، وعدم احترامه للسيادة اللبنانية، وترسانته من الأسلحة، التي استخدمها ضد خصومه المحليين والخارجيين، ستظل تعرقل مشروع بناء الدولة اللبنانية، وتمثل خطرا على حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، بمن فيهم إسرائيل، إلا أن التسبب بانهيار الاقتصاد اللبناني، كونه وسيلة لإضعاف حزب الله، ليس من مصلحة أحد".
ويعتقد صعب أن "دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للقيادة السعودية منح الملك سلمان وابنه ولي العهد الجرأة لمواجهة إيران عبر لبنان، إلا أن تقارير تحدثت عن حث مسؤولين بارزين في الإدارة، وبطريقة هادئة، السعوديين على التراجع عن خططهم في لبنان، وتجنب استخدام البلد ميدان حرب وكالة مع إيران، ولو كانت هذه التقارير صحيحة فإن هؤلاء المسؤولين محقون بالمطلق، لكن ليس من الواضح إن كانت الرياض ستنصت للنصيحة".
ويسوق الكاتب ثلاثة أسباب لكبح الولايات المتحدة خطط الرياض في لبنان.
الأول: سينفر السعوديون حلفاءهم اللبنانيين، ويقوون من حزب الله. الثاني: إن ثمن زعزعة استقرار لبنان للمصالح الأمريكية أكثر من خطة غير منسقة لإضعاف حزب الله. الثالث: هناك طرق أخرى لتقويض سلطة حزب الله دون تدمير لبنان.
ويذهب صعب إلى أن "الخطة السعودية أدت إلى حالة سخط بين السنة اللبنانيين، وهم الجماعة التي تقول الرياض إنها تدافع عنهم، فمن خلال إهانة زعيمهم بشكل علني، فإن السعودية أدت إلى إثارة حنقهم؛ لأن حبهم لوطنهم أكبر من كراهيتهم لحزب الله، ومثل غيرهم من اللبنانيين فإنهم قلقون على حياتهم، وماذا سيحدث لهم في حال قررت السعودية تطبيق نظام العقوبات الاقتصادية بشكل عشوائي".
ويقول الكاتب: "قد تحرف السعودية انتباه حزب الله، من خلال أزمة داخلية، لكنه قادر على العثور على بديل، ويمكنه إسكات أي معارضة بالسلاح، فلديه أسلحة أكثر مما لدى الجيش اللبناني".
ويضيف صعب: "علينا أن نتذكر أن حزب الله نشأ في الثمانينيات من القرن الماضي وسط الفوضى، وتعلم على مر السنين فن النجاة، وهذا لا يعني أنه لا يمكن المساس به، فهو حزب متسيد نظرا لضعف أعدائه، ولن يستفيد أحد من توسيع قوس الفوضى ليشمل لبنان سوى أعداء الولايات المتحدة: إيران وتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة".
ويرى الكاتب أن "أمريكا أنفقت أطنانا من المال ورأسمالا سياسيا لهزيمة تنظيم الدولة، وآخر ما تريده هو لبنان محطم يمنح حزب الله أرضية خصبة لإعادة تنظيم نفسه مع الجماعات المتطرفة الأخرى، ورغم حالة الشلل السياسي، إلا أن لبنان يمكن أن يقدم نموذجا للتعايش الطائفي لكل من العراق وسوريا واليمن، التي تشهد حروبا أهلية، فالتجربة السياسية اللبنانية والانفتاح الديني يمثلان السلاح الفعال ضد التشدد في المنطقة".
وينوه صعب إلى أن "هناك طرقا أخرى لإضعاف حزب الله غير تدمير الاقتصاد اللبناني، ويمكن للسعودية التعاون مع الولايات المتحدة وفرض عقوبات على حزب الله، ويمكن للسعوديين دعم حلفائهم في الانتخابات البرلمانية المقررة العام المقبل من أجل تخفيف تأثير حزب الله، حيث أن لبنان مهشم وضعيف سيتحول إلى ساحة حرب بالوكالة للتنافس السعودي مع إيران".
ويخلص الكاتب إلى أنه "تمت تجربة هذه الاستراتيجية من قبل، عندما حاولت إسرائيل، وبدعم من الولايات المتحدة، في عدد من المرات، كانت آخرها حرب عام 2006، لكنها لم تنجح، وقادت في كل مرة إلى كارثة ولإضعاف البلد. والتعلم من التاريخ مفيد للمصالح الأمريكية والسعودية".
فورين بوليسي: لماذا سيندم ترامب على دعمه لابن سلمان؟
أوبزيرفر: هل الشرق الأوسط على حافة حرب إيرانية سعودية؟
روبرت فيسك: هذه قصة إجبار الحريري على الاستقالة